الأسيرة المحررة إسراء جعابيص أيقونة الصمود الفلسطيني

فرحة عارمة عمت أرجاء القدس بعد خروج الأسيرة الفلسطينية المحررة إسراء جعابيص، التي تعتبر أيقونة صمود ونضال المرأة الفلسطينية، فبعد 8 سنوات قضتها داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي، خرجت قبل يومين لتعانق الحرية بموجب صفقة تبادل الأسرى بين المقاومة الإسلامية “حماس” والاحتلال الصهيوني عقب الهدنة الإنسانية المؤقتة بعد ملحمة طوفان الأقصى .
تبدلت ملامحها لكن ما تبدل إيمانها بالقضية الفلسطينية فقد وهبت حياتها للدفاع عنها، سُجنت ظلما وبأكاذيب نسجها جنود جبناء شاهدوها تحترق واكتفوا بالمراقبة.
كان المشهد مروعا، امرأة تحترق وتصرخ من الألم، وجنود صهاينة يراقبون عن كثب دون أن يحركوا ساكنا، أو بالأحرى أرادوها لها أن تحترق وتحترق معها القضية الفلسطينية، لكن قدر الله كان عكس ما يريدون.
الأسيرة المحررة إسراء جعابيص، المعروفة بحيوتيها وحركيتها، فهي شخصية محبوبة ورسامة وفنانة، مُحبة للأطفال فحين تجتمع بهم تلبس ملابس “البهلوان” ومستلزماته وتسعدهم وتضحكهم.
كانت إسراء جعابيص تدرس في السنة الثانية بالكلية الأهلية في بلدة بيت حنينيا شمالي القدس تخصص التربية الخاصة، وكانت تعمل مع المسنين، إلى جانب الفعاليات الترفيهية في المدارس والمؤسسات.
بداية الاعتقال
وفي 11 أكتوبر عام 2015 كانت إسراء في طريقها من مدينة أريحا إلى مدينة القدس حيث كانت تعمل في مدينة القدس يوميا وكانت تنقل بعض أغراض بيتها إلى سكنها الجديد بالقرب من مكان عملها، وفي ذلك اليوم كانت تحمل معها أنبوبة غاز فارغة وجهاز تلفاز، وحسب ما ذكرت إسراء للمحققين كانت تشغل المكيف ومسجل السيارة.
وعندما وصلت إسراء قبل “حاجز الزعيم” بأكثر من 1500 متر تعطلت السيارة ( كانت تتعطل بشكل شبه يومي)، قرب مستوطنة “معاليه أدوميم” وحدث تماس كهربائي وانفجر بالون السيارة الموجود بجانب المقود، الموجود أصلا للتقليل من مضاعفات حوادث السير، واشتعلت النيران داخل السيارة فخرجت إسراء من السيارة وطلبت الإسعاف من رجال الشرطة الإسرائيليين المتواجدين على مقربة من مكان الحادث إلا أن أفراد الشرطة لم يقدموا لها الإسعاف وطلبوا المزيد من رجال الشرطة والأمن.
وأعلنت الشرطة في البداية أنه حادث سير عادي، ثم ما لبث الإعلام الإسرائيلي أن ادعى أنها عملية استهداف للجنود الإسرائيليين، واكتشف المحققون وجود التلفاز مع أنبوبة الغاز الفارغة، وأن الذي انفجر بالون السيارة وليس أنبوبة الغاز، وأن تشغيل المكيف منع انفجار زجاج السيارة، لكن المخابرات الإسرائيلية واصلت مزاعمها بأن إسراء كانت في طريقها لتنفيذ عملية.
اعتقلت الشرطة الإسرائيلية إسراء، وعقدت عددا من جلسات التحقيق معها داخل المستشفى لصعوبة نقلها إلى المحكمة بسبب حالتها الصحية الحرجة، ووجهت لها لائحة اتهام بمحاولة تنفيذ عملية وقتل يهود من خلال تفجير أنبوبة غاز. مع العلم أن أنبوبة الغاز كانت فارغة والانفجار حدث في مقدمة السيارة، واستدلت النيابة ببعض العبارات المنشورة على صفحتها على فيسبوك.
وبعد مداولات ونقاشات داخل المحاكم الإسرائيلية حكم عليها بالسجن 11 عاما، وغرامة مالية مقدارها 50 ألف شيكل. ووضعت في سجن “هشارون الإسرائيلي”.
معاناة فوق التحمل
لم تخضع إسراء لأي علاج سوى المسكنات من قبل الإسرائيليين، بينما كانت تحتاج إلى العلاج الفعال بالليزر وعمليات جراحية علاجية وتجميل، كما تعاني من مشاكل صحية كالنظر، والتنفس، والسمع، وأوجاع في أقدامها، والأذن، وجفاف في الجلد. ومما يزيد من معاناتها طقس سجن “هشارون” الحار جدا وبشكل لا يحتمل خلال فصل الصيف، والرطوبة المرتفعة جدا بفعل قربه من البحر، إضافة للتهوية السيئة في الغرفة، الأمر الذي سبب لإسراء تهيجات في الحروق، وأوجاعا مختلفة، أدت لالتصاق كتفها الأيمن من تحت الإبط بجسدها، حيث أصبحت عاجزة كليا عن تحريك يدها، كما التصقت أذناها برأسها بفعل النيران، وهي بحاجة ماسة إلى أكثر من ثماني عمليات جراحية لتستطيع العودة إلى ممارسة حياتها بشكل شبه طبيعي.
كما تحتاج إلى عملية فصل ما تبقى من أصابع يديها الذائبة والملتصقة بوضعها فوق بعض، وعملية لزراعة جلد ليغطي العظام المكشوفة، وعملية لفصل أذناها بعد أن ذابتا والتصقتا بالرأس، كما تحتاج إلى عمليات تصحيح للجلد في محيط عينها اليمنى وفي الأنف الذي أصبح غائرا، وذات الأمر بالنسبة للشفاه.
وكثيرا ما كانت تتألم وما زالت حتى الآن من ظهرها، ويديها، وتشعر بحرقة في العين، والإحساس الدائم بالدوار، وكلما ذهبت للعيادة وطالبت بإجراء عملية تجميل لها، يردون عليها باستهزاء بأنها لن تعود كالسابق حتى لو أجريت لها عملية.
وتقول إحدى الأسيرات أن السجان كان ينظر إليها بفرح شديد مستمتعا بعذابها، لدرجة أنها صرخت في وجهه مطالبة إياه بأن يدير وجهه عنها، أو أن ينظر لها باحترام.
وخلال جائحة فيروس كورونا، وبينما كانت مكبلة اليدين والقدمين أثناء تنقلها بين العيادات، صرخ بها أحد الجنود لعدم ارتدائها قفازات، لترفع يديها في وجهه وتقول: “لا توجد يدان”.
وكانت تتكفل بالأسيرة جعابيص، الأسيرة عالية العباسي إلى جانب الأسيرات الأُخريات اللواتي يقدمن لها كل ما تحتاجه من رعاية وطعام وإعطائها الدواء، وقالت إسراء لبعض الأسيرات بعد الإفراج عن العباسي:” أشعر باليتم منذ خرجت .. بالتأكيد كنت أتمنى لها ذلك.. لكني من بعدها شعرت بأن جزءا من جسدي قد نزع مني بالقوة”.
لإسراء ولد وحيد اسمه معتصم يعيش مع جدته وخالاته في مدينة القدس، كان يسأل أكثر من مرة عن والدته وهي كذلك تسأل عنه “هل يسألكم عني وعن أحوالي، هل يشتاق لي، هل ما زال يحبني بشكلي هذا”، معتصم يقول لخالته: “أنا أحب ماما كيفما كانت، وأريد رؤيتها”، لكن مصلحة السجون لم تسمح له بذلك، ولم يرها وجها لوجه منذ يوم الحادثة.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.