عبد اللطيف الحاميل: عَزِيزُ مصر وعَزِيزُ المغرب

خلد القرآن الكريم قصة نبي الله يوسف الصديق ووصفها بأحسن القصص. وبالفعل، فإن هذه القصة غنية بالدروس والمعاني الربانية التي تحتاج منا إلى قراءة متجددة لاستلهام معانيها لفهم واقعنا المعاش، مع الأخذ في الاعتبار المدة الفاصلة بين الزمنين.
ومن هذه الدروس أهمية خلق الأمانة في تدبير الشأن العام. حيث قال يوسف لفرعون مصر “أخناتون” عندما خرج من السجن “اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم”. وقد استقر التفسير على أن المقصود هو” إني حافظ لما استودعتني، عالم بما أوليتني”.وبالفعل، لقد تمكن “يوزرسيف”، بفضل حفظه وعلمه، من العبور بالمصريين القدامى، حكاما ومحكومين، السنوات السبع العجاف.
لا مجال هنا للمقارنة بين العزيزين.غير أن هذه القصة مهمة لفهم ما أوصلنا إليه عزيزنا بعد عقود من الكهانة السياسية، حيث انتهى بنا المطاف إلى استيراد بقرات عجاف أثارت سيلا من السخرية السوداء على مواقع التواصل الاجتماعي دون أن يعود ثمن اللحم إلى ما كان عليه قبل توليه المسؤولية الحكومية، بل إن عزيزنا دفعنا إلى استيراد الحنطة (الحبوب) مقابل تصدير الفواكه والحوامض عبر “مخططه الأخضر”، لأن ما يهم الملياردير (اليخماهو) هو القيمة المضافة العالية والعملة الصعبة وليس الأمن الغذائي والمائي للمغاربة.
لقد دخلنا بالفعل أيام القحط مع عزيز المغرب ولا يبدو في الأفق أن المغاربة سيغاثون أو يعصرون خلال ولايته الحكومية لأن شهيته كبيرة لابتلاع كل شيء تماما مثل ثقب أسود. والمثير للسخرية تباكيه بالجلسة الشهرية بمجلس المستشارين، يوم الثلاثاء 19 دجنبر، على مشكل الماء وكأنه تفاجأ بالجفاف، الذي يعد معطى بنيويا في المغرب. ولذلك، اتجه الملك الحسن الثاني، في وقت مبكر، إلى سياسة بناء السدود، قبل أن يستنزفها عزيز أحنوش في الفلاحة التصديرية!
لقد كان من الأولى أن يقدم عزيزنا الآن حصيلة حمايته للفرشة المائية وتثمينها لأنه كان وزيرا للفلاحة منذ 2007، وكان من البديهي استحضار عنصر الجفاف أثناء صنع السياسات العمومية الفلاحية، التي لا هي ضمنت لنا أمننا الغذائي المهدد حاليا بسبب الحرب الروسية-الأوكرانية، ولا هي خلقت طبقة وسطى فلاحية في البوادي، بل إن صاحب شعار الدولة الاجتماعية أجهز على ما تبقى من الطبقة الوسطى بسبب مستويات التضخم. وهو تضخم مصطنع في الواقع بسبب جشع شركات المحروقات، وضمنها شركة “إفريقيا غاز”.
لو كان هناك فعلا ربط للمسؤولية بالمحاسبة، لوضعت تصريحات السيد عزيز أخنوش وحكومته حول الماء موضع سؤال، لأنه أشرف لعقد ونصف على تدبير قطاع على علاقة مباشرة بالماء؛ ولأنه يوجد اليوم في وضع تضارب للمصالح بعد استفادته من صفقة ممولة من المال العام لتحلية مياه البحر بالدار البيضاء. فهو رئيس الجهاز التنفيذي من جهة، ومستثمر في هذا المجال من جهة أخرى!
لقد قال الخليفة الراشد عثمان بن عفان، رضي الله عنه، “إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن”. ولذلك، لابد من كبح جماح الملياردير (اليخماهو)، ومعه باقي كهنة المعبد، حتى لا تأكل البقرات السمان ما تبقى من البقرات العجاف.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.