محمد عصام يكتب: كيف حول “الأحرار” البرلمان من مهمة تمثيل الأمة إلى الدفاع عن شركات أخنوش؟

محمد عصام


في الجلسة العامة للأسئلة الشفهية ليوم الإثنين الماضي، وجوابا على سؤال يتعلق بجودة المحروقات المتداولة في السوق الوطنية، عمدت وزيرة الانتقال الطاقي بربط تدني الجودة بالإصلاح الذي قامت به حكومة عبد الإله ابن كيران سنة 2015.
ومن باب “واش كتعرف العلم ، قال: كنعرف نزيد فيه” قام “زعيم” شباب الحزب الأغلبي وكعادته في “الخفة” التي لا يستطيع الفطام عنها، بإضافة توابل “حامضة” على الموضوع، واتهام حكومة ابن كيران التي فتحت أبواب المنافسة في هذا القطاع الذي ربما يريد البعض أن يجعله “إقطاعية” خاصة به، بأن الهدف الذي كانت تبيِّتُه حكومة ابن كيران، هو تصفية الحساب مع فاعل محدد، وهو بذلك يقصد، ولي نعمته الذي “بلصه” قائدا لشبيبة صُنعت على عجل، في إطار طبخة الإعداد لــ 8 شتنبر.
فبالإضافة إلى غياب عنصر تحمل المسؤولية في كلام الوزيرة والنائب معا، حيث لا شيء يبرر مطلقا من الناحية السياسية والأخلاقية هذا التهافت المرَضي على تحميل أعطاب الماضي والحاضر والمستقبل، والإشكالات الكائنة والممكنة والمستحيلة، للعدالة والتنمية، بل إنه أصبح اليوم بعد انصرام نصف الولاية، الركون إلى هذه السردية عنوانا كاشفا لمدى العجز وقلة الحيلة التي يغرق في وحلها وحضيضها من سمي زورا بالكفاءات، فإذا لم تكن الحكومات قادرة على مواجهة الإشكالات، فلماذا تصلح يا ترى؟
لكن الغريب والذي يعتبر سابقة في المشهد السياسي في صيغته ” الحضيضية ” الحالية، هو قبول ما يسمى نخب 8 شتنبر خصوصا “الزرقاء” على نفسها التحول من الدفاع على التوجهات والاختيارات والتموقعات الحزبية، إلى الدفاع بأنياب “هشة ومكسرة” على شركات رئيس الحزب.
وهذه ليست المرة الأولى، فقد شاهدنا كيف تطوع البعض للدفاع عن شركة رئيس الحكومة التي حاصرتها المقاطعة الشعبية قبل سنوات.
وحين تفجرت فضيحة تضارب المصالح في ملف فوز شركتي أخنوش بصفقة محطة تحلية المياه بالدار البيضاء، انبرت الكائنات “الزرقاء” للدفاع عن رئيس الحزب وشركاته، مستعملة دفوعات من باب “الحق الذي يراد به الباطل”، وعلى رأسها “الدفاع عن الفاعل الوطني في مواجهة الشركات الأجنبية”.
وهذا للأسف هو الباطل عينه بل “الباطل حال عينيه”، فلا أحد له مصلحة في إضعاف الفاعل الوطني وتقوية الأجنبي، لكن الاعتراض في حكامة وشفافية استفادة هذا الفاعل الوطني من مثل هذه الصفقات، وهو في وضع تضارب مصالح واضح وفاقئ للعيون.
لقد تحولت الكائنات “الزرقاء “حقيقة ومجازا بمثل هذه التصرفات، من وضع الفاعل السياسي الذي يشتغل بأدوات السياسة ويحتكم إلى سلطة القانون ويلزم نفسه بالتعاقدات التي أبرمها مؤسساتيا وشعبيا، إلى مجرد “طبالة وغياطة” يكرون أفواههم لولي نعمتهم ورئيسهم في الحزب، فكلما تعرض أخنوش بصفته فاعلا اقتصاديا يحتكر مجالات مهمة في النسيج الاقتصادي الوطني لانتقاد معين، يخرج هؤلاء من جحورهم، ويستلون “ألسنتهم الحداد”، متناسين أو غافلين عن أن دورهم في المؤسسات التمثيلية ليس هو تمثيل شركات والدفاع على مصالح رئيسهم، بل تمثيل مصالح الأمة والدفاع عن قضايا الشعب.
فالسعي لتكريس الحكامة وتطبيق القانون ومحاصرة تضارب المصالح، لم يكن في يوم من الأيام استهدافا لشخص ما أو شركة بعينها، إنما هو سعي لتكريس سلطة القانون وتكافؤ الفرص وترسيخ مبادئ الشفافية والنزاهة، وهي أهداف كبرى جاء دستور 2011 ليكرسها ويثبت دعائمها، وهي تشكل أساس التعاقد الذي تم عبره المرور من لحظة 20 فبراير بسلام.. وكل جهة تجد نفسها متضررة من هذا، فهي مطالبة بمراجعة نفسها، وليس البحث عمن يدافع عنها بتدوير مقولات مغلوطة الهدف منها التضليل والتلبيس على الناس كما تفعل اليوم بـــ “وقاحة” نخب 8 شتنبر للأسف.
في تاريخ المغرب ليست حكومة أخنوش أول حكومة يرأسها رجل أعمال، فقد مرت حكومات كثيرة من هذا الصنف كحكومات كريم العمراني المتعاقبة وحكومة جطو وغيره، ولكن في كل تلك التجارب لم يشهد المغاربة هذا الالتباس الواقع في ممارسة السياسة، وتحول النواب البرلمانيين من تمثيل الأمة إلى تمثيل “شركة خاصة” ومصالح شخص معين.. وكان النقاش السياسي مرتفعا وكانت أيضا حتى الكائنات الانتخابية التي تصل إلى المؤسسات بالطرق المعهودة في تلك الأزمنة، يغلب عليها الحياء، ولا تملك هذه “السنطيحة وطول اللسان” الموجود حاليا عند البعض والذي ينطبق عليه الأثر “إذا لم تستحي فاصنع ما شئت ! “

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.