يتيم يكتب: تأملات في أحكام الأسرة ونظام الإرث.. إلى المناضلين من أجل تغيير أحكام الشرع في المدونة

محمد يتيم


-1-

أحكام الأسرة ونظام الإرث كلها حكمة وهداية

المتأمل في الأحكام التي جاء بها الإسلام فيما يتعلق بنظام الأسرة ونظام الإرث يجدها من أكثر الأحكام إحكاما وتفصيلا.. فمن الملاحظ أنها تُختم غالبا بمثل قوله تعالى: ”والله عليم حكيم” كما في قوله تعالي في سورة النساء الآية 11: ”﴿يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوة فلأمه السدس من بعد وصية يوصي بها أو دين آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا فريضة من الله إن الله كان عليما حكيما﴾.

 -2-

والله يعلم وأنتم لا تعلمون

ففي قوله تعالى في سورة البقرة الآية 231 حين الحديث عن الطلاق: ﴿وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه ولا تتخذوا آيات الله هزوا واذكروا نعمت الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به واتقوا الله واعلموا أن الله بكل شيء عليم﴾.

وفي الآية تذكير بنعمة الله علينا وبما فصله ودققه في أحكام الإرث،

والملفت للنظر ذلك التفصيل الدقيق في الأنصبة، وفي توزيعها مما يعتبر تقدما عظيما عما كانت عليه البشرية في التعامل مع الميراث وما تزال عليه إلى اليوم من خضوعها لأهواء البشر وعاداتهم وأعرافهم،

ومنها ما استمر في بعض المجتمعات الاسلامية من قبيل منع للمرأة من حقها في الميراث خشية أن تنتقل الثروة خارج العشيرة والقبيلة.. وما زال معمولا به في أنظمة الميراث في الغرب من إرجاع حق التوريث لصاحب الثروة، حيث يمكن للهالك قبل موته أن يوصي لمن يشاء ويحرم من يشاء، بل لقطته وكلبه وصديقه أو صديقته وهلم جرا.

-3-

تدقيق معجز في أنصبة المواريث والوصية لا يوجد في شريعة أو قانون وضعي

لقد جاء الاسلام بأحكام في الوصية تمنع الوارث منها ومقيدا إياها بحيث أنه لا وصية لوارث، ومحددا سقفها بحيث لا تتجاوز الثلث ”والثلث كثير “، موزعا للأنصبة بتدقيق كبير كما في قوله تعالى في الآية 11 من سورة النساء التي سلف ذكرها “يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين…”.

وفي قوله تعالى في نفس السورة الآية12: ”ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربُع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دّيْن ولهن الربُع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار وصية من الله والله عليم حليم”.

وهذا تفصيل دقيق ومعجز.. أنزله الله من فوق سبع سماوات ولم يتركه للبشر، وجاء التعقيب عليه بقوله تعالى: “تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم. ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين” (سورة النساء الآية13 – 14)، وهي الأحكام التي كانت من بين العوامل التي قادت المسلمين لتطوير علم الجبر.

المعروف أن ”علم المواريث“، أو ”علم الفرائض“، أو ”فقه المواريث” جزء لا يتجزأ من الفقه الإسلامي. فهذا العلم الجديد في الرياضيات ولد استجابة للتحديات العلمية التي كان يقدمها ”علم المواريث“؛ فضلاً عن أسباب علمية أخرى ساعدت على ذلك ليس هذا المجال لشرحه.

 -4-

صيغة التوصية وليس صيغة الأمر في أحكام المواريث والحكمة من ورائها.

ثم هناك أمر آخر يتمثل في سر افتتاح آية أحكام المواريث بقوله تعالى: “يوصيكم” وإيثاره على قوله مثلا: يأمركم الله أو يفرض عليكم الله؟ والواقع أن هذه الآية لم ترد بصيغة يأمركم وإنما يوصيكم ” لأن الوصية حسب ما ذهب إليه المفسرون؛ هي الأمر بما فيه نفع المأمور “وفيه اهتمام الآمر لشدة صلاحه”.

 -5-

جرأة بعض المحسوبين على النضال في أحكام الشريعة…

لقد صدع رأسنا بعض الحقوقيين وخاصة من ذوي الخلفيات اليسارية فيما سبق أو ما تبقي فيها من اليسارية، يسارية النضال من أجل تغيير أحكام المدونة أو ادعاء الاجتهاد “المستنير” وبعضهم لا يجيد تكوين جملة مفيدة ناهيك أن تكون لهم قدرة على فهم القرآن والسنة وأحكامهما.

كنا سنسمع لهم ونصغي لاجتهادهم لو كان من بينهم علماء في الشريعة واللغة والقانون والتاريخ من قبيل محمد عبده وعبد الله كنون وعلال الفاسي والشيخ الطاهر بن عاشور وفي المعاصرين الدكتور مصطفي بن حمزة، ومثل هؤلاء من لهم أدوات معرفية ومنهجية تؤهلهم للاجتهاد واستنباط أحكام ينزلوها على واقع العصر بأحقية ودون جراءة.

للأسف الشديد فإن بعض المحسوبين على النضال الحقوقي، فضلا عن كونهم بدعوى الاجتهاد يتطاولون على مجال لا يملكون أهليته ولا أدواته، لم يجدوا من قضية يناضلون فيها إلا أحكام الشريعة القطعية، وإلا الرجوع لقضية الإرث ومدونة الأسرة، وكأنه لم يبق في سجل حقوق الإنسان وحقوق المرأة المهضومة في المغرب إلا الميراث؛ وهو من التشريعات القرآنية التي وردت مفصلة وقطعية والأنصبة فيه محددة كما تبين.

وبعضهم ممن ابتليت به وزارة العدل بعد أن يسر الله عليه بنعم لا تعرف طريقها إلى اليساريين المناضلين حقا وصدقا، ظهرت جرأتهم أكثر على القرآن والسنة وإجماع العلماء المعتبرين، وعلى إمارة المؤمنين التي حسمت الموضوع بتأكيدها على أنها لا يمكن أن تحرم حلالا ولا أن تحلل حراما…

يقع هذا في الوقت الذي يمارسون فيها “نضالا ” بإعداد التقارير في المكاتب المكيفة في العاصمة والمدن الكبرى ، ويمارسون خطيئة السكوت والتواطؤ على دوس الحقوق السياسية والاجتماعية كما وقع ويقع عند إفساد الانتخابات ووضع قوانين انتخابية على المقاس، أو ما نشهده من خلال الدوس على حقوق اجتماعية واقتصادية من خلال الصمت على الريع و”طحن” المواطن اقتصاديا واجتماعيا والاغتناء غير المشروع على حساب لقمة العيش ”الحارة” وتمكين الأقارب من خلال مباريات فاسدة ومطعون في نزاهتها، وانتخابات فاسدة بقوانين غير ديمقراطية وممارسات ريعية…

إن الشعب الذي قال كلمته واختار مسيرته خلال للمسيرة المليونية في الدار البيضاء ذات 12 من فبراير سنة 2000 لم يتغير وما زال مستعدا للخروج من جديد، لأنه مؤمن بأحكام الشريعة القطعية والذي لا يمكن ان يأخذ الفتاوى إلا من علمائه المعتبرين الصادقين.

ونحن ننتظر منهم كما تعودنا مواقف واضحة من العلماء أفرادا ومؤسسات “الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا الا الله.

-6-

المرأة المغربية لا تشكو من أحكام الإرث ولكن تشكو من الاستغلال في المعامل والمزارع.

إن المرأة المغربية لا تشكو من حيف المدونة وجور شريعة الإرث.وغيرها من الأحكام التي لها صلة بالأسرة.

ولكنها تشكو من الاستغلال الاقتصادي والاجتماعي في المعامل والمزارع.. وتشكو من غلاء الأسعار وقهر المعيشة.. وتشكو من التحرش في الشارع والإدارة والمعامل. وأغلب نساء المغرب من فئات مستضعفة وفقيرات أبا عن جد ، ينطبق فيهن وفي الرجال أيضا ” ما خلا بومارت ما يتورث”.

اسألوا عن حال بائعات الخبز وخادمات المنازل، وعن زوجات العمال الذين لا يتمتعون حتى بالحد الأدنى للأجور ومعاناتهن مع القفة وليس مع المدونة..

بل اسألوا حتى الموظفات المكافحات بجانب أزواجهن أو المكافحات من أجل مساعدة أسرهن.. واسألوا عن أوضاع خادمات بيوت عدد من “الحقوقيين” و”الحقوقيات” اللواتي يناضلن من أجل تغيير أحكام الشريعة الخاصة بالأسرة والمرأة.

هن لا يشتكين من “جور” شريعة الإرث، لأنه ينطبق على أوضاعهن وأوضاع عائلاتهن مثل شعبي كانت تردده الوالدة رحمها وهي تتحدث عن وضع العوز والفقر الذي كانت تعيشه أسرتنا كثيرة الأطفال (ولدت إحدى عشر نفسا).. ألا قبح الله الأيديولوجيا بمعنى الوعي المزيف.. وتحية للمناضلين والمناضلات الحقيقيات الذين يوجهون نضالهم لمواجهة ما تعانيه المراة المستضعفة في المعامل… أو التي يتاجر بها وبصورتها في الدعايات المتبذلة.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.