ماء العينين تكتب عن “الاستقرار والحكامة الأمنية”

14.04.17
بقلم: أمينة ماء العينين*
“الاستقرار…ميزة الاستثناء المغربي”، “الاستقرار…الرأسمال المغربي المربح”، “الإصلاح في إطار الاستقرار…المعادلة التي جنبت المغرب كل المساوئ”..  
هذه المقولات ومثيلاتها هي أيقونات الخطاب السياسي المعاصر في المغرب، وهي ولا شك، تعكس الإحساس الجمعي للمغاربة في سياق إقليمي متفاعل ميزته الأولى “اللاستقرار”.
غير أن توظيف مفهوم الاستقرار في التداول السياسي يحيل حتما على حالة استتباب الأمن والعمل السلس للمؤسسات وفرض الدولة لهيبتها باعتبارها تعبيرا أسمى عن الإرادة الجماعية المعبر عنها بالطرق القانونية.

السؤال المطروح: هل يربط الناس الاستقرار بالأمن في معناه الضيق: أي أمن جسدي يطمئن من خلاله المواطن على حياته وسلامته وهو خارج بيته يمارس حياته العادية؟
لاشك أن هذا النوع من الأمن هو مركزي وأساسي لتكريس الشعور بوجود طرف قوي قادر على توفير الحماية والحد من نزعات الاستقواء والإجرام والاعتداء، هذا الطرف يتمثل في الدولة من خلال أجهزتها الأمنية المختلفة، غير أن الأمن يكتسب أيضا معاني أشمل وأعمق تحيل على ما هو اقتصادي واجتماعي وروحي، فالشاب العاطل عن العمل والذي يعيش في وسط اجتماعي هش لا تتوفر فيه أبسط مقومات الحياة الكريمة، لا يستشعر الأمن في معناه الأول، مما يولد شعور الحقد الذي يؤدي تناميه إلى تهديد هذا الأمن من خلال ظواهر الانحراف والاعتداءات والسرقات، كنتيجة لانعدام الأمن النفسي الذي يرتبط أساسا بالاعتبارات الاقتصادية والاجتماعية. إنها المتلازمة التي لا يجب أن نغفل عنها ونحن نحتفي بالاستثناء المغربي القائم على الاستقرار: لا يمكن للاستقرار أن يستمر ويتجذر وينأى عن التهديد الذي قد يعصف به في أية لحظة دون تثبيت وتجذير وتمنيع بناء الدولة الديمقراطي والاقتصادي والاجتماعي.
فتونس عشية الثورة كانت مستقرة أمنيا، يفوق فيها عدد المخبرين ورجال الأمن عدد المواطنين أنفسهم، غير أن مشاعر الغبن والظلم الاجتماعي سرعان ما دفعت الناس للشوارع مضحين بالأمن والاستقرار الظاهري، باحثين عن العدل والكرامة والحرية، وكذلك حدث في دول لم تعد تملك اليوم مقومات الدولة وهي تعيش حالة الفوضى والعنف المتبادل من طرف الجميع، بعد أن كانت الدولة الطرف القوي الوحيد الذي يحتكر العنف.
لقد اتفق الجميع على حق الدولة في “احتكار العنف المشروع” بتعبير ماكس فيبر، للقضاء على باقي مصادر العنف داخل المجتمع لتحقيق التوازن والتعايش. غير أن علاقة الدولة بالعنف، ظلت دائما ملتبسة خاصة في الدول غير الديمقراطية التي عجزت عن خلق المصالحة بين المواطن ورجل الأمن ،حيث يفترض الأساس الفلسفي لعنف الدولة، علاقة امتنان بين المواطن ورجل الأمن الذي يسهر على حماية الناس وأمنهم.

ومادام المواطن لا يقدر رجل الأمن أو يتوجس منه أو يحقد عليه، فثمة وضعية غير طبيعية تستوجب إعادة النظر.
لقد شكك ماركس في قدرة الدولة على احتكار مشروعية العنف حينما لا تكون مستقلة عن التناقضات الطبقية التي تخلف الصراع والعنف المؤسس على اعتبارات اقتصادية، لأن الطبقات الاجتماعية الأكثر فقرا وهشاشة، تعتبر الدولة مسؤولة عن وضعيتها، ومسؤولة في المقابل على إغناء الأكثر غنى وامتلاكا. حينها ينفض التعاقد القائم على تسليم الجميع باعتبار الدولة حكما يلجأ إلى الوسائل التي يراها ضرورية لتحقيق الإنصاف، ولو كانت الوسيلة هي العنف. وهو ما يتطلب تبديد الاعتقاد السائد بكون الدولة خصم وحكم في الوقت نفسه.
لقد كفل دستور 2011 الأمن والسلامة الجسدية للمواطن، كما أحدث مجلسا خاصا في الفصل 54 وهو المجلس الأعلى للأمن يسهر ضمن ما يسهر عليه، على مأسسة ضوابط الحكامة الأمنية الجيدة.
وإن كانت هذه الضوابط الكفيلة بتحقيق حكامة أمنية جيدة يحتاجها المغرب، لم تحظ بعد بالقدر الكافي من النقاش العمومي، فإن ما نعيشه اليوم من ظواهر اجتماعية تفرض علينا جميعا فتح نقاش موسع حول ملامح الحكامة الأمنية المنتظرة في سياق دستوري يعلي من شأن الحقوق والحريات ضمانا للاستقرار الذي نريد.
*برلمانية عن حزب العدالة والتنمية

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.