في ذكراها الـ26.. كيف نُفذت مجزرة المسجد الإبراهيمي؟

منذ وقوع المجزرة التي ارتكبها المستوطن الإسرائيلي باروخ غولدشتاين بحق المصلين في الحرم الإبراهيمي قبل 26 عاما، يخضع السكان الفلسطينيون الذين يقصدون المسجد للصلاة لإجراءات حصار هي الأشد على مستوى فلسطين، فالاحتلال يحيط المنطقة بنحو 120 حاجزا.

على القادمين للصلاة في مسجد إبراهيم الخليل من البلدة القديمة أن يجتازوا حاجزا عسكريا من ثلاث مراحل في أقل من عشرة أمتار: بوابة دوارة عمودية، وبوابة إلكترونية، وبوابة حديدية تجاورها نقطة عسكرية مأهولة.

وفي المرحلة الثانية، وعلى بعد حوالي عشرة أمتار أخرى، مجموعة بوابات إلكترونية متجاورة، وهنا على المصلين دفع بوابة حديدية أفقية، ثم البوابة الإلكترونية الكاشفة للمعادن، تليها مرحلة تدقيق الهويات من قبل الجنود خلف الزجاج، ثم التسريح عبر بوابة معدنية أفقية إلى مدخل المسجد.

قبل هذه الحواجز، كانت في طريق المسجد نقطتان لجيش الاحتلال، ينتشر بهما قرابة 12 جنديا، الأولى عند بداية الدرج الصاعد للمسجد والمحاذي لحائطه الغربي، والثانية عند الباب المباشر للمسجد في أعلى الدرج.

فجر الجمعة 25 فبراير 1994 وقعت المجزرة التي راح ضحيتها 29 مصليا وعشرات الجرحى، لم يكن الانتشار العسكري كالمعتاد، ولم يكن على الحاجزين أكثر من أربعة جنود، وفق شهادة الحارس محمد سليمان أبو صالح.

ومنذ تعيينه حارسا، كان أبو صالح شاهدا على عشرات الاعتداءات العنيفة للمستوطنين، وكان من رؤوس المستوطنين آنذاك باروخ مارزل وموشيه ليفنغر وعنات كوهين، وجميعهم يواصلون اعتداءاتهم على السكان الفلسطينيين، أما الأبرز فهو باروخ غولدشتاين.

يقول أبو صالح للجزيرة نت، لم تكن مجزرة 25 فبراير الاعتداء الأول لغولدشتاين على المصلين، فقد استبق جريمته بجرائم أخرى على فترات متقاربة دون أن يتدخل جيش الاحتلال ويردعه أو يعتقله. فقد كان دائم الاعتداء على المصلين، وكان يحضر دبابيس اللوحات ويرشها في طريق المصلين فيوقع بالكثير منهم، كما سبق أن ألقى قنابل حارقة على حصير المسجد.

كل هذه التصرفات وغيرها -والحديث لأبي صالح- فتحت أعين حراس المسجد الإبراهيمي على المستوطن الجندي وطبيب الأطفال غولدشتاين، المولود لعائلة أرثوذكسية في بروكلين بنيويورك عام 1956، ففي يوم المجزرة حضر مرتديا خوذة وزيه العسكري ويحمل بندقية ومسدسا وحقيبة، ومضى في طريقه إلى المسجد وتولى أحد الحراس تتبعه.

المجزرة

أمضى باروخ بعض الوقت في الجزء الخلفي من المسجد الذي يقتحمه المستوطنون عادة، لكنه عاد بلا حقيبة، فأثار ذلك انتباه الحراس الذين تتبعوا الحقيبة، فتبيّن أنه أفرغ ما فيها من رصاص في جيوبه، مما عزز الشكوك حوله.

هرع أبو صالح حينئذ إلى المدخل المؤدي إلى صدر المسجد، حيث يؤدي مئات المصلين صلاة الفجر واتكأ عليه وأغلقه بجسده، فإذا بغولدشتاين يطلب منه الدخول باعتباره ضابطا، فرفض، فما كان من الأخير إلا أن أشهر سلاحه ودفع به أبا صالح فسقط أرضا، وإذا بالمستوطن يتكئ على الجدار ويباشر في إطلاق الرصاص من سلاحه تجاه المصلين.

في هذه اللحظة كان أبو صالح فيما يشبه الصدمة ويردد الشهادتين في انتظار صعود روحه إلى السماء، ظنا منه أن الرصاص يطلق عليه. لكن بعد دقائق لم يشعر بنزيف فأدرك أنه لم يصب، ونظر إلى باروخ فإذا به يتعمق في المسجد ويطلق النار.

يقول أبو صالح “وقفت لأحاول فعل شيء، لكنه صوب بندقيته نحوي وأطلق رصاصه فهبطت أرضا ونجوت، ولاحقا وجدت أن الرصاص أصاب الجدار بمستوى رأسي تماما، وواصل باروخ جريمته مع السجود الثاني، مستخدما قنبلتين، إضافة لأمشاط الرصاص التي بحوزته”.

يجزم أبو صالح أن باروخ لم يكن وحيدا “بل ساعده مستوطنون في إطلاق الرصاص، وساعده جيش الاحتلال الذي اقتحم المسجد وسط إطلاق نار كثيف في تلك اللحظات”.

مشاهد الدقائق السبع للجريمة وما تلاها لا تزال في مخيلة الحارس المتقاعد أبو صالح. ومن أكثر المشاهد دموية ما حصل لمؤذن المسجد جميل النتشة الذي كان طويل القامة ويقف خلف الإمام مباشرة، حيث شطر الرصاص جمجمته إلى نصفين، ومثله الطفل ابن الثانية عشرة الذي كان ينزف شريان رقبته في حضن والده.

في ذلك اليوم -يضيف أبو صالح- تحولت ملابس المصلين إلى ضمادات، وتدافع الناس إلى الجرحى لإسعافهم، دون أن يسمح لأحد بالتقدم نحو باروخ، الذي وجد مقتولا بزاوية المسجد الغربية.

من المفارقات التي يرويها أبو صالح أنه اعتقل على حاجز عسكري بعد المجزرة بشهور، واقتيد قسرا إلى المحكمة للإدلاء بشهادته أمام لجنة تحقيق في المجزرة شكلها الاحتلال، وأطلق عليها لجنة “شمغار”، فكانت كل الأسئلة عن قاتل غولدشتاين الذي لا يزال مجهولا وليس عن الضحايا.

وأُغلق المسجد الإبراهيمي بعد المجزرة قرابة ستة أشهر، ومما خلصت إليه اللجنة اقتطاع نحو نصف المسجد للمستوطنين، وإقامة بوابات إلكترونية على أبواب المسجد للحد من وصول المصلين.

القاتل بطل

بعد الجريمة دفن المستوطنون غولدشتاين بمستوطنة كريات أربع، حيث كان يسكن، وحولوا قبره إلى مزار لغلاة المتطرفين وكأنه بطل قومي، في حين يواصل المستوى السياسي دعم المستوطنين بكل السبل، وكان آخرها سماح وزير الدفاع نفتالي بينيت لهم بهدم سوق فلسطيني وإنشاء بؤرة استيطانية فوقه.

في محيط المسجد الإبراهيمي يفرض الاحتلال حصارا مشددا حتى اليوم، ويقيد دخول القادمين من غير سكان المنطقة، ويواصل إغلاق أسواق تاريخية فيها أكثر من 1600 محل تجاري.

وإضافة إلى البؤرة الجديدة على أنقاض سوق الخضار، للاحتلال خمس بؤر استيطانية في البلدة القديمة من الخليل، يسكنها نحو 500 مستوطن، في حين تنتشر عشرات الحواجز العسكرية الثابتة والمأهولة، مما حوّل البلدة إلى معازل، وحياة السكان إلى جحيم.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.