حوار.. بوليف: هذه أهم مداخل إنعاش الاقتصاد الوطني وتجاوز تداعيات “كورونا”

قال محمد نجيب بوليف، الوزير السابق والخبير الاقتصادي، إن جائحة كورونا ألقت بأثرها السلبي على الاقتصاد العالمي، وعلى الاقتصاد الوطني بفعل ارتباط المغرب بعدد من الشركاء المتضررين من الجائحة.

وتوقف بوليف، في حوار نُشر في العدد 13 لمجلة العدالة والتنمية، نهاية هذا الأسبوع، عند أهم مظاهر النقص التي يعاني منها الاقتصاد الوطني، مشيرا إلى أهم المداخل الممكن استثمارها لأجل تجاوز هذه النقائص، وكذا أهم الدروس المستفادة من الجائحة، والتي يمكن الانطلاق منها لأجل بناء اقتصاد وطني أكثر قوة وتنافسية وإنتاجية.

1-   ما هي أهم تداعيات جائحة كورونا على الاقتصاد العالمي والوطني؟

من المعلوم أن جائحة كورونا هي جائحة عالمية، ولذلك لها ارتباط وتأثير على جميع الدول، متقدمة أو غير متقدمة، وقد أشار صندوق النقد الدولي إلى ذلك، حين قال إن النمو العالمي سيتراجع بنسبة 6 بالمائة، وأن بعض الدول المتقدمة ستسجل ناقص 9 بالمائة. والمغرب ليس بعيدا عن هذا الوضع، بحكم ارتباطاته الخارجية، إذ أن ثلث مبادلاته تتم مع الاتحاد الأوربي.

الإشكال الذي سيخلقه هذا الوضع للمغرب سيكون على صعيد الطلب، وتراجع الميزان التجاري، وتراجع الإنتاج الداخلي نتيجة عدم وجود مكان لتسويق المنتجات المغربية، مما سيجعل بلادنا تركز في الفترة المقبلة على الطلب الداخلي والاستثمار العمومي والخاص، والمبادلات التجارية.

وهذه العناصر تواجه بعض الإشكالات، فالطلب مثلا، يواجه مشكلة ارتفاع البطالة، وانخفاض الدخل. ويواجه الاستثمار إشكالية توقف عدد منها وتقلص أخرى. كما أن الوضع الإنتاجي لن يكون إيجابيا، وكلها عوامل ستساهم في تراجع النمو سيتراجع بنسبة 5 بالمائة.

وإذا نظرنا إلى الجانب القطاعي، سنجد قطاعات متضررة بشكل كبير من الجائحة، من قبيل القطاع السياحي، والذي بلغت نسبة تضرره 90 بالمائة، مما يعني أنه يصعب عليه استرجاع الثقة في المدى القريب، وهذا مؤشر على استمرار الأزمة فيه، ولنا أن نرى الوضع في تونس، فهي خير مثال على ذلك، فضلا عن بعض الدول الأوربية التي رفعت الحجر الصحي وسمحت بالسياحة، فهي ما تزال تواجه إشكالات كبرى في هذا المستوى، مما يدل على أن السياحة لن تسترجع عافيتها خلال هذه السنة، وربما نرى بعض التحسن في السنة المقبلة. إضافة إلى قطاع السيارات، فهذا القطاع تراجع في أوروبا بنسبة 40 إلى 50 بالمائة، وهو تراجع يلقي بظلاله على المغرب. فضلا عن تضرر المغرب من تأثير الجائحة على عملية مرحبا، هذه العملية التي كانت تدر على السوق المحلية مبالغ مالية مهمة، ذلك أن افتراض انفاق 10 آلاف درهم من قبل كل عائد من المهجر، سيعني ميزانية إجمالية تقدر ب 30 مليار درهم، كلها توجه للاستهلاك الداخلي.

2-    ما هي في نظركم أهم الإجراءات التي ينبغي الإسراع في اعتمادها في القريب العاجل لإنعاش الاقتصاد الوطني؟

على المدى القصير، المطلوب هو الحفاظ على المقاولات الصغيرة والصغيرة جدا، ثم المتوسطة، أما الكبرى فهي عموما لها الإمكانيات الكافية لاسترجاع عافيتها، وفي هذا المستوى، وجب توفير الإمكانيات والتمويل للمقاولات الصغرى والمتوسطة، خلال الشهر أو الشهرين المقبلين، لأجل حمايتها من الإفلاس.

المستوى الثاني، يرتبط بأن الدولة اليوم ليست راعية وإنما مساهمة في الاقتصاد، وهذه المساهمة يجب أن تتضاعف على المدى المتوسط، من خلال الاستثمار، والطلبيات العمومية، التي يجب أن تكون موجهة نحو القطاعات المنتجة، لتوفير ما يلزم على صعيد العرض، وإعطاء نسبة من هذه الطلبيات إلى المقاولات الصغيرة والصغيرة جدا.

ثالثا، أتصور أنه يجب تشجيع الصناعة المغربية لتذهب نحو الصناعات الأساسية، وفي كل ما يرتبط بالغذاء والصحة، بمعنى ما يرتبط بالإنسان، إذ لم يعد هناك من معنى لاستيراد هذه المواد، مما يعني وجوب تشجيع البحث العلمي وتعزيز موارده وإمكاناته.

رابعا، أعتقد أنه من الضروري توفير التمويل، فالدولة عليها أن تكون لها إمكانية مع بنك المغرب، لأجل توفير التمويل بنسب فائدة تقل عن 1 بالمائة.

خامسا، لابد من تغيير طريقة التعاطي مع إشكال التعليم والصحة والرقمنة، ولذلك يجب إعطاء هذه المجالات الأولوية في القانون التعديلي للمالية، هذا القانون ليس مطلوبا منه أن يجيب عن إشكالات جميع القطاعات، ذلك أن بعض القطاعات يمكن أن تبرمج لها مداخل مواكبة خلال مشروع مالية السنة المقبلة، في حين، هناك قطاعات لا تحتمل أي انتظار، بما فيها القطاعات السابق ذكرها، إضافة إلى قطاع الطيران وغيره.

3-   في نظركم ما هي أهم الدروس التي يمكن أن يستفيدها الإقتصاد الوطني من تداعيات جائحة كورونا؟

الدرس الأول الذي يمكن أن نستفيده من الجائحة، وهو أن المغرب ما يزال أمامه الكثير من العمل لأجل تمنيع الاقتصاد الوطني، وخاصة ضد الاختراق الأجنبي بمواد كثيرة يمكن أن ينتجها.

ثانيا، ضرورة الاهتمام أكثر بالجوانب الإنسانية، المرتبطة بالتعليم والصحة والتنمية البشرية عموما، إذ أنه لدينا فيها نقص ملحوظ، فضلا على أنّ أزمة كورونا بينت أن هذه القطاعات يحب أن تكون لها الأولية.

الثالثة، السرعة في الانجاز، لأن العالم يتحول بسرعة، ونحن عليا التفاعل مع هذا الوضع، بالاستثمار في البحث والتطوير والرقمنة والتكنولوجيا الحديثة، وإن لم نفعل سيتجاوزنا الركب العالمي.

الرابعة، أكدت الجائحة وتبعاتها أن الذين كانوا يطالبون الدولة برفع يدها علن الاقتصاد، لم يكونوا على صواب، فالذي تأكد، أن الدولة عليها أن لا تفرط في القطاعات الإستراتيجية، لأن ذلك يرهن بلادنا للخارج.

الخامسة، تأكد اليوم أنّ الاقتصاد المغربي لديه إشكال في التنافسية، ناتجة عن مردودية العاملين والإدارة، لأنها مردوديته جد متدنية، ولذلك هذه فرصة للعمل بمردودية وإنتاجية أكثر، ما دمنا نتحدث عن التحول على صعيد العرض والطلب، فلا بد أن يكون هناك تحول في تقديم المنتج.

الخلاصة الأفقية هي التمويل، فقد أظهر الصندوق الخاص بمواجه تبعات كورونا، والذي قدرت ميزانيته ب 33 مليار درهم، أن توفير الدعم مهم للأفراد وللشركات، هذا التمويل يجب أن يكون بأفضل الطرق، وعليه، لابد من خفض نسبة الفائدة، وتعزيز التمويل التشاركي والتضامني، وخلق ضريبة على الثروة، وتفعيل صندوق الزكاة، وتعزيز شفافية تدبير مداخيل الأوقاف، وغيرها من المداخل التي توفر إمكانيات تمويل مهمة للفاعلين والمستثمرين، وهو ما سيعالج الخلل القائم على مستوى التمويل بالمغرب، والذي يتركز أساسا على التمويل البنكي.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.