الكتاني يقدم ملامح نموذج جديد لتحقيق إقلاع اقتصادي ببلادنا ما بعد الجائحة

عبد المجيد أسحنون

أكد الخبير الاقتصادي عمر الكتاني، أن المغرب لا يجب أن يفكر فقط في تجاوز التداعيات السلبية لجائحة كورونا على الاقتصاد الوطني، بل التفكير أبعد من ذلك، لجعل الاقتصاد الوطني يحقق إقلاعا اقتصاديا حقيقيا، معلنا أنه منكب على إعداد تصور لنموذج اقتصادي بديل سيحقق في حالة اعتماده إقلاعا اقتصاديا بالمغرب، يعتزم اقتراحه على لجنة النموذج التنموي.

إفريقيا كنز ثمين

ويرى الكتاني في حديثه لـ “مجلة العدالة والتنمية”، في عددها 13 الصادر نهاية الأسبوع الماضي، أنه يوجد بالقرب من المغرب، “كنز ثمين” وهو إفريقيا، مؤكدا أن الدولة التي ستكون غنية من الناحية الاقتصادية والبشرية والعلمية ستكتسح افريقيا، مما يعني أنه توجد أمام المغرب فرصة لا مثيل لها، لأنه يعد البلد الوحيد المؤهل لذلك، بالنظر إلى الأدوار التاريخية الكبيرة التي سبق أن قام بها لصالح إفريقيا، والأدوار التي ما زال يقوم بها إلى حدود اليوم، قائلا “المغرب والمغاربة رفعوا راسنا في إفريقيا بزاف”.

واستدرك الكتاني، “لكن يجب أن نهيئ أنفسنا للاستفادة من هذا الكنز، لذا يجب إصلاح نقط الضعف التي مازالت في الجهاز الاقتصادي والاجتماعي في المغرب”، “باش متبقاش رجل مريضة ورجل سليمة”، موضحا أنه لدينا رجل سليمة وهي المعتمدة على الاقتصاد الرأسمالي، ورجل مريضة وهي المعتمدة على الاقتصاد الاجتماعي، وهذا الأخير مكانه وأرضيته هي البادية.

بناء مدن جديدة

ومن أجل علاج الرجل المريضة المذكورة، يقترح الكتاني، بناء مدن جديدة في المناطق القروية، عوض أن “نريف المدن”، “نمدن القرى”، “لأن المدن الجديدة ستخلق عشرات فرص الشغل، وستحد من الهجرة من البادية نحو المدن التي تخلق مشاكل كبيرة جدا”.

الثلاثية السلبية

وأفاد الكتاني، أن تصوره للنموذج الاقتصادي البديل، ينطلق من جذور الثلاثية السلبية، الأمية والفقر والبطالة، قائلا “هذه الجذور موجودة بالأساس في العالم القروي بالمغرب، حيث إن البادية المغربية تعاني من ضعف في التكوين، ومعروف أن الضعف في التكوين يؤدي إلى البطالة، والبطالة تؤدي إلى الفقر، هذا الثلاثي مشكل كبير ينتج في البادية، ويصدر إلى المدن”.

وتابع الكتاني، أن “القرية لا تخلق فرص شغل كبيرة، لأنها تعيش من نشاط وحيد وهو النشاط الفلاحي، وكل الإصلاحات التي تم القيام بها في المغرب بعد الاستقلال في المناطق الريفية تمت في النشاط الفلاحي، وكأن الفلاح محكوم عليه هو أولاده وأحفاده أن يشتغلوا فقط في الفلاحة، وأن لا يشتغلوا مثلا في الأبناك، وفي التأمينات وفي مجالات أخرى”.

معضلة نموذجنا الاقتصادي

ويرى الخبير الاقتصادي، أن معضلة “نموذجنا الاقتصادي”، تتمثل في تركيزه على المدن، وإهمال 40 في المائة من الشغيلة وسكان المغرب الذين يعيشون في البوادي والأرياف، والذين يعيدون إنتاج البطالة والفقر والأمية، قائلا: إن “ثلتي النساء في البادية لا يقرأن، وهن اللواتي يعتنين بأولادهن”، مضيفا أنه إذا كانت الأمهات “أميات”، توجد حظوظ كبيرة أن الأبناء لن يستطيعوا متابعة دراستهم، وفي هذه الحالة، ليس أمامهم سوى خيارين: إما أن يشتغلوا في الفلاحة، أو يهاجروا إلى المدن، “وهجرتهم إلى المدن تؤدي إلى مشاكل كبيرة في النهاية”، على حد تعبير الكتاني.

حين تسقط الأمطار تنتعش البادية، يقول الكتاني، “ولكن الأموال تذهب للمدن، أي أن القرى تبقى دائما تابعة للمدن، لأن التطبيب وغيره من الحاجات، ومختلف الأدوات التي يحتاجها القاطن في البادية لا توجد سوى في المدن”، مردفا “أما حين لا تسقط الأمطار فإن ساكنة البادية تعيش صعوبات مالية، لذلك تبقى دائما القرية على حالها تنتج الفقر، والفقر يصدر إلى المدن”.

وأكد المتحدث ذاته، أنه وفق المعايير الدولية، فإن 10 في المائة من السكان هي التي يجب أن تشتغل فقط في القطاع الفلاحي، في حين نحن بالمغرب تشتغل فيه 40 في المائة من السكان، أي أن 30 في المائة زائدة عن المعدل، مضيفا أن  30 في المائة الزائدة يجب أن تشتغل في أنشطة أخرى بعيدة عن الفلاحة.

الجهوية المتقدمة

وأشار الكتاني، إلى أن تصوره هذا، منسجم مع منطق الجهوية المتقدمة التي أقرها المغرب، حيث إن أبناء كل جهة سيجدون مناصب الشغل في جهتهم، ولن يضطروا إلى الهجرة إلى جهات أخرى، كما أن أبناء ساكنة القرى لن يضطروا إلى الهجرة إلى المدن، لأن قراهم ستصبح هي نفسها مدنا، تتوفر فيها كل حاجياتهم، مضيفا أنه كل سنة يهاجر ما بين 40 إلى 100 ألف من الأفراد من القرى نحو المدن، وهذا السلوك يجب أن يتوقف.

مصادر التمويل

ونبه الكتاني، إلى أنه من السهل أن يتم اقتراح مثل هذه الأفكار، ولكن الأهم هو إيجاد مصادر التمويل، قائلا “لذلك قمت بتهييء 20 مصدرا للتمويل، 13 منها موجودة، و7 يجب إحداثها”، مضيفا أن من ضمن سبعة مصادر التمويل التي يجب إحداثها صندوق الزكاة.

مخطط خماسي

وأبرز الكتاني، أن هذا التصور يمكن تنزيله على مدى 20 سنة، واعتباره مخططا خماسيا، حيث يتم تحديد الأهداف التي يجب تحقيقها كل خمس سنوات، ويتم الاشتغال عليها، مؤكدا أنه يمكن خلال السنوات الخمسة الأولى تحويل خمس قرى إلى خمس مدن، مما يعني خلق مناصب شغل جديدة والحد من هجرة أبناء هذه القرى نحو المدن القديمة، وأشار إلى أن القطاع الخاص سيساهم كذلك بنسب مهمة في مناصب الشغل الجديدة المحدثة في هذه المدن الجديدة.

ونبه إلى أنه من الضروري خلال الشروع في بناء المدن، تكوين أبنائها، في عدد من المهن التي سيتم فتحها بعد بنائها، وذلك لأنه لا يجب إحضار المكونين أصلا من المدينة، ويبقى أبناء القرى على حالهم.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.