لا ديمقراطية بدون ديمقراطيين حقيقيين

استكثر بعضهم على العدالة والتنمية رفضه للتعديلات المتعلقة بالقاسم الانتخابي واقتراح احتسابه على أساس عدد المسجلين باللوائح الانتخابية، ومنهم من اتهم العدالة والتنمية بالنزوع الهيمني، وآخرون قالوا أن هذا الرفض يستبطن الدفاع عن طموحات شرهة للآلة الانتخابية لهذا الأخير، وأن الدفاع عن القاسم الانتخابي في صيغته الأصلية ليس دفاعا عن الديمقراطية ولا انحيازا لها، بل هو دفاع مستميت عن موقع انتخابي وعن المقاعد، أي أنه في المحصلة دفاع عن مصالح ضيقة  ليس إلا، ومنهم من ذهب إلى بناء خلاصة متعسفة مفادها أن دفاع العدالة والتنمية لوحده على الصيغة الحالية للقاسم الانتخابي، جعله يعيش عزلة سياسية قاتلة.

  ولتمحيص هذه المقولات، نود أن نؤكد أن دفاع العدالة والتنمية على القاسم الانتخابي، هو من صميم الدفاع عن الديمقراطية نفسها، وربط متين بين الأصوات ومخرجاتها، رغم أن عملية الاحتساب  الحالية ووفق أكبر البقايا ليست هي الصورة الأجود لاحتساب التمثيلية على قاعدة التمثيلية النسبية ووفق عدد الأصوات المحصل عليها، ذلك أن الصيغة المقترحة حاليا لاحتساب القاسم بالنظر إلى عدد المسجلين، سيجعل الأصوات المعبر عنها والصحيحة رهينةً وتحت رحمة غير المصوتين، مادام احتساب المقاعد سيسوي بينهما وسيجعلهما في درجة سواء بل إن كفة غير المصوتين هي من سيرجح باعتبار تدني مستوى المشاركة على العموم .

من يريد ربط الحسم في عدد المقاعد بعدد المسجلين، يريد أن يفرغ العملية الانتخابية من مضمونها الديمقراطي، ويستبطن في الآن ذاته رغبة دفينة أصبح الإعلان عنها في العلن دون استحياء، رغبة علنية في التحكم في نتائج خصومه السياسيين ولجم طموحهم الانتخابي المشروع والقانوني، والمتمثل في تفعيل قاعدة التناسب بين الأصوات المحصل عليها وعدد المقاعد،

كيف يمكن أن نقبل من الناحية الديمقراطية على الأقل في جانبها التقني الصرف، أن تحوز لائحة معينة مقعدا واحدا وهي الفائزة مثلا ب 30 ألف صوت، وتتساوى في عدد المقاعد مع لائحتين مثلا  فازت الأولى ب8000 صوت والثانية بأقل من 5 ألف صوت، مادام القاسم الانتخابي في تلك الدائرة مثلا هو 100 ألف صوت على أساس عدد المسجلين.

إن ميزان الديمقراطية بريء براءة الذئب من دم يوسف في هذه الحسبة أو القسمة الضيزى، وأصحابها بعيدون جدا عن تمثل قيم الديمقراطية، بل هم يريدون من خلال هذا الاقتراح، شرعنة الريع الانتخابي بمجازاة الراسبين في معركة الديمقراطية  والإقناع، وتمتيعهم بما لا يستحقون مادامت صناديق الاقتراع قد قالت قولها الذي في حده الحد بين الديمقراطية والاستهتار بها.

وهم بذلك يشرعنون لنكوص سياسي وارتداد عن اللحظة السياسية التي دشنها المغرب منذ إقرار دستور 2011، وتبني  الخيار الديمقراطي كثابت  دستوري للمملكة، فماذا سيتبقى من الخيار الديمقراطي إذا فقد مفعوله في ترجمة الأصوات وإرادة المواطنين في إنتاج أثره في المؤسسات والسياسات العمومية؟ ماذا سيتبقى من الدستور نفسِه إذا تم إفراغ ثابت ” الخيار الديمقراطي” من محتواه والالتفاف عليه؟!

ماذا سيستفيد المغرب من هذا الالتفاف، مادامت النتيجة من هذه الألاعيب هي إنتاج خريطة سياسية مبلقنة، ستفرز مؤسسات هشة تخترقها التناقضات وتعيش تحت رحمتها كل حين، مما يفقدها عنصري النجاعة والفاعلية، ويجعلها رهينة حسابات ضيقة تقاس بحجم مصالح أصحابها ولا تخدم المصلحة العامة في شيء.

ومن أغرب الصيحات وآخر المستغربات و بعد فشل دعوات تبني حكومة وحدة وطنية أو حكومة تقنقراط، دعوة بعضهم إلى أن على حزب العدالة والتنمية أن يعلن أنه ليس معنيا بالمشاركة في الحكومة، وأن يختار المعارضة. بمعنى أن يخوض حملة انتخابية يقول فيها لا تصوتوا علينا أو صوتوا علينا بالقدر الذي نكون فيه فريقا أو مجموعة أو أقل من ذلك كي نمارس المعارضة، وهو ما يعني  أن يمارس الحزب عقابا ذاتيا ويحكم على تجربته بالفشل وينوب عن الناخبين في ذلك إن صح أن تلك قناعتهم وكان ذلك اختيارهم الحر؟

معناه تغيير قواعد اللعبة تماما مثلما حين يعتبر حكم مباراة رياضية الشرود غير شرود والخشونة مستوجبة لورقة صفراء أو حمراء فيمن تعرض للخشونة وهلم جرا .

معناه أن يكفي نفسه وجع وضع برنامج انتخابي وأن يرفع شعار أنا معارض لكل برنامج أو أغلبية أيا كان لونها وبرنامجها. معارض حتى لبرامج كان قد نفذها أو نفذ قدرا منها.

معناه أن يكف عن الإعداد للانتخابات، وحرق الرأس والأعصاب وبذل الجهد في التحضير والمشاركة في الانتخابات… وأن يعطي لمناضليه إجازة إلى ما بعد انتهاء الاستحقاقات الانتخابية أو  أن يدخل الانتخابات مثل فريق كرة القدم (بايع الماتش) كما كان معمولا به في ما مضى من الزمن، حيث تكثر وقائع التلاعب بالنتائج بتواطؤ من اللاعبين ضد فريقهم خاصة في اللقاءات التي تهم فرقا مهددة بالنزول للقسم الأدنى أو مرشحة للصعود إلى القسم الأعلى.

 وللأسف الشديد أن يقترح البعض على الحزب أن يبيع الماتش، أو يقترح حيلا “قانونية” لتزوير الإرادة الشعبية ومعاقبة من بقى فيه إصرار للذهاب لمراكز الاقتراع .

 لهذا نحن مصرون أن نكرر دوما، أنه لا ديمقراطية إلا بوجود ديمقراطيين حقيقيين، يبنون تموقعاتهم على أساس الانحياز للديمقراطية، وليس باحتساب المصالح الضيقة والتاكتيكات البئيسة والمقترحات المهزوزة، نسأل الله أن يحمي فسيلتنا “الديمقراطية” من أعطاب مشهد ونخب لا يسرون الناظرين.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.