“إذا لم تستح فاصنع ما شئت”

في الوقت الذي شرعت فيه المؤسسة التشريعية منذ أمس الثلاثاء، في مناقشة مشاريع القوانين التنظيمية المتعلقة بالانتخابات، وبعد أن أكد وزير الداخلية في عرضه لتلك المشاريع أمام أعضاء لجنة الداخلية بمجلس النواب، أن المقاربة التي اعتمدت في إنتاج تلك النصوص كانت مقاربة تشاركية بالاستماع لكل الفرقاء وجمعهم لتحصيل أكبر مساحة من الاتفاق، وهو ما أنتج مساحات معتبرة من التوافق وبقيت نقط خلافية محدودة ستحسم فيها الآليات المتاحة لممثلي الأمة في تداركها، في هذا الوقت الهام والحاسم لبلادنا ولممارستنا الديمقراطية، تأبى بعض الأطراف الإعلامية إلا تكدير صفو هذه اللحظة، والسباحة ضد التيار العام الذي تريد سفنه الخير لهذا الوطن وأهله ولتجربته الديموقراطية الفتية.

فكتب بعضهم وفي الصفحة الأولى وبالبند العريض، منع رؤساء 13 مدينة من الترشح للانتخابات البرلمانية ضمنهم رباح والأزمي  وبوانو والصديقي والعماري والمعتصم، مرفوقا بصور هؤلاء حتى يكون البيان مبينا، وتصل الرسالة بأمان لكل الشرائح، فالصورة في كثير من الأحيان أبلغ من الكلمات وأسرع في الوصول من الحروف، فما الذي يريده أصحاب العنوان بهذه الصيغة التقريرية التي تفيد أن المنع قائم وناجز وتام؟ ماذا يريدون بهذا العنوان الملغوم وبلغة المتخصصين في الإعلام بهذا التضليل المبين الكامل الأوصاف؟ علما أن المادة المنشورة بالعنوان أعلاه كانت عادية وتتحدث عن نقاش مفتوح في لجنة الداخلية بمجلس النواب والتعديلات التي جاءت في مشاريع القوانين المعروضة عليها، أيريد هؤلاء مغالطة الرأي العام بهذه الصيغة التي جاء بها العنوان وإيهامه بأن المعنيين به ممن  حددتهم الصور بدقة ممنوعون من الترشح للانتخابات البرلمانية المقبلة؟ ألا يدخل هذا التضليل ضمن حملة غير نظيفة ضد طرف سياسي وبأدوات غير مهنية وغير أخلاقية؟ ثم من منع أو سيمنع هؤلاء من الترشيح وهم الذين يتمتعون بكامل حقوقهم السياسية التي تفرضها مواطنتهم غير قابلة للتشكيك أو المزايدة عليها.

والحال أن اللحظة هي لحظة تستوجب انخراط الإعلام بشكل فعال في النقاش العمومي الذي فتحته هذه المشاريع، والسعي بكل تجرد إلى تمنيعه من كل أدوات جرفه الى مستنقعات الحسابات السياسية الضيقة، والحرص على كماله وتمامه بتمام استجابة تلك التعديلات لما يحسن أداءنا الديمقراطي، ويعزز مصداقية مؤسساتنا، ويضخ جرعات إضافية من الثقة لدى المواطنين في الانتخابات وفي العملية السياسية والفاعل السياسي عموما، بغض النظر عن الانتماءات والمواقع.

فالشكل الذي اختارته رقابة “حارس البوابة” لتلك المادة العادية جدا، يكشف أن البعض لا يستطيع فطم نفسه عن عادات حليمة القديمة، فالمقتضيات الواردة في مشروع القوانين التنظيمية تتعلق بتوسيع حالات التنافي لتشمل رئاسة الجماعات التي يفوق عدد سكانها عن 300 ألف مع عضوية البرلمان، وهذا المقتضى في حال اعتماده وهو ما نتمناه إن شاء الله، لا يعني شخصا أو أشخاص محددين بأسمائهم وذواتهم، وإنما بصفات مؤسساتية سيكتسبها أصحابها بعد اجتياز قنطرة الانتخابات، وهو ما لم يحدث بعد، علما أن الانتخابات المقبلة ستكون انتخابات تضم كل أصناف الانتخابات الجماعية والبرلمانية والمهنية وفي يوم واحد حسب ما جاء في المشروع، وهو ما سيجعل الترشح لرئاسة جماعة  يفوق عدد سكانها 300 ألف نسمة متعذرا على من سيرشح نفسه لعضوية مجلس النواب، مما يجعل ذلك العنوان المتحدث عنه موغلا في التضليل وتزييف الوعي.

هذه السقطة ليست الوحيدة ولن تكون الأخيرة، فقد “طيبنا” البعض قبل هذه الواقعة، عن الحديث عن اعتقال العثماني لمشاريع القوانين التنظيمية، وأن هناك إرادة منه لتأجيل الانتخابات سنة أخرى خارج المواعيد الدستورية والقانونية، ورغم أنه قد اتضح الخيط الأبيض من الخيط الأسود، بخروج المشاريع الى ساحة النقاش المؤسساتي والعمومي، فإن القوم لا يملكون الجرأة للاعتراف بخطئهم أو خطيئتهم، مادام ما كانوا يقولونه كان كذبا صريحا وافتراء بواحا، ولهذا كان مما جاء في الأثر  “إذا لم تستح فاصنع ما شئت”.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.