كلمة الموقع: الوزير وهبي ومخاطر مقاربته في تعديل مدونة الأسرة

وأخيرا وبعد غيبة ارتاح فيها الرأي العام من خرجاته المتهورة والمستفزة، عاد وزير العدل السيد عبد اللطيف وهبي ليستأنف مرة أخرى غزواته الكلامية الفاشلة، حيث دعا يوم الثلاثاء 26 مارس الجاري، خلال اجتماع لجنة العدل والتشريع وحقوق الانسان بمجلس النواب بخصوص المسطرة المدنية، التيارات الحداثية إلى مساندته من أجل الإسراع بإخراج مدونة الأسرة في أقرب الآجال، وفي ظل التوجه الحداثي للحكومة الحالية ومخافة أن تأتي جهة أخرى تعيده إلى الوراء!
لقد سبق للسيد وهبي أن جعل مما يسميه إصلاحاته الحداثية المتحللة من المرجعية والثوابت الدينية والدستورية والشعبية والتوجيهات الملكية سواء في موضوع مدونة الأسرة أو فيما يتعلق بالعلاقات الرضائية والإجهاض…، علامته التجارية وبرنامجه السياسي للبقاء على رأس حزبه، لكنه فشل فشلا ذريعا حيث خرج من هذه المعركة بخفي حنين ولم يشفع له لعبه على وتر الحداثة في الحفاظ على منصبه كأمين عام، بل سرعت تلك التصريحات الحداثية خروجه من الواجهة حيث لم يجد حزبه بدا من التخلص من عبء تصريحاته وخرجاته غير المحسوبة.
وإذا كانت تصريحات الوزير وهبي الأخيرة ودعوته التيار الحداثي للتجند وراءه ليست جديدة، حيث سبق له أن نظم في 18 يناير الماضي لقاء مع مجموعة من المنظمات النسائية ليستنجد بها لتساعده على مواجهة التيار المحافظ ولتستفيد من وجوده على رأس وزارة العدل لتمرير إصلاح مدونة الأسرة خارج كل الثوابت والضوابط والتوجيهات. لكن الجديد والخطير هو أن هذه التصريحات ليست معزولة، بل تأتي في سياق سمفونية أصبحت تعزف في الآونة الأخيرة بلازمة واحدة ومتكررة وعبر أصوات مختلفة وهي الدعوة إلى تسريع المصادقة على إصلاح المدونة عبر البرلمان واستغلال وجود “أغلبية برلمانية حداثية” و”حكومة حداثية”.
لذا وفي هذا السياق بالذات، فإن التصريحات الأخيرة للوزير وهبي خطيرة وخطيرة جدا لعدة اعتبارات. فهي أولا تصدر عن مسؤول حكومي، عضو رسمي في الهيئة التي كلفها جلالة الملك باقتراح تعديل مدونة الأسرة ورفع المقترح إلى النظر السامي لجلالته، وبالتالي فهو ملزم مهنيا وأخلاقيا بواجب التحفظ كمسؤول حكومي عضو بهذه الهيئة، كما أنها تصريحات خطيرة لأن مسؤولا حكوميا وعضوا في الهيئة يتجرأ الخوض في هذا الموضوع دون أي اعتبار لهذه المرحلة المخصصة للنظر السامي لجلالة الملك أمير المؤمنين، إذ تأتي هذه الدعوة في وقت اقتربت المدة التي حددها جلالته لهذه الهيئة من نهايتها، بعد أن استكملت هذه الهيئة جلسات الاستماع ومرحلة التداول بشأن الاقتراحات والتوصيات التي قدمت لها، وأعدت بناء عليه مشروعا ينتظر أي يعرض على أنظار جلالة الملك، وبالتالي فالمفروض والواجب على السيد وزير العدل والعضو بالهيئة أن يلزم الصمت وأن يراعي الأدب والتوقير الواجب ويحترم القواعد المرعية في هذا الباب.
كما أن هذه التصريحات والمقاربة التي دعا إليها السيد وير العدل خطيرة أيضا باعتبار أن دعوته إلى تسريع حسم إصلاح مدونة الأسرة عبر تصويت ما أسماه “الأغلبية الحداثية” وفي ظل “الحكومة الحداثية” مخافة أن تأتي أغلبية محافظة في المستقبل، وبغض النظر عن مدى صحة وصف الأغلبية البرلمانية والحكومة الحاليتين بالحداثية، فإنها تصريحات ومقاربة تلغي وتضرب في العمق المقاربة التشاركية الواسعة التي دعا إليها جلالة الملك في الرسالة التي وجهها في الموضوع بتاريخ 26 شتنبر إلى رئيس الحكومة.
كما أنها وهذا هو الأخطر تؤسس لمقاربة جديدة وخطيرة جدا بخصوص نص جوهري مرتبط بالأسرة وبمرجعية وثوابت الدولة والمجتمع وتخضعه لمنطق التناوب السياسي والأغلبية العددية المنتصرة، وبالتالي وإذا سلمنا بما يدعو إليه السيد وزير العدل، فلا شيء يمنع في المستقبل أي أغلبية من الإقدام على تغيير هذا النص وفق قناعاتها ما دام السيد وزير العدل يبيح لنفسه اليوم أن يتصرف ويحسم بمنطق الأغلبية والحكومة الحداثية، وهذا هو منتهى الاستخفاف والعبث وعين الخطر في أمر كبير وأساسي يهم استقرار الأسرة والمجتمع على حد سواء.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.