هل تُطفئ “المقاطعة” لهيب أسعار السمك؟

خالد فاتيحي

هل تُطفئ “المقاطعة” لهيب أسعار السمك، على خلفية الارتفاع الملحوظ الذي عرفته هاته الأخيرة منذ بداية شهر رمضان الجاري؟ سؤال طرحناه على مهنيي بيع  السمك بالسوق المركزي بالرباط، حيث جاءت آراءهم متباينة بشأن التأثير الذي يمكن أن تحدثه مقاطعة بعض أنواع الأسماك على أسعار هاته الأخيرة، خاصة تلك التي تعرف إقبالا كبيرا من لدن الزبناء خلال الشهر الفضيل.

تباين مواقف تجار السمك، من تأثير “المقاطعة”، لا يُخْفي توجّس بعضهم من أن يسْري على أنواع الأسماك التي يعرضونها، نفس ما حدث لبعض المنتجات التي طالتها المقاطعة، التي دخلت أسبوعها الخامس، مما أدى إلى تأثر رقم معاملات هاته المنتجات، فيما يرى البعض الأخر في المقاطعة السلاح الواجب رفع في وجه المضاربين و “الشّناقة” لإنهاء “الريع” الذي يشهد قطاع بيع و توزيع السمك بالمغرب.

أسعار لا تسّر الناظرين:

جولة قصيرة، بالسوق المركزي بالرباط، في المكان المخصص لبيع السمك، كافية للإطلاع على أسعار الأسماك، التي لا تسرّ الناظرين، وتصدّ رواد المكان من الراغبين في شراء بعض أنواع السمك، خاصة عشاق تناوله أثناء الإفطار، حيث لم تُفلح محاولات بعض الباعة في استجلاب الزبناء، الذين يكتفي البعض منهم بإلقاء نظرة على الأثمنة من بعيد، كما هو حال ادريس الذي فضّل الاستغناء عن السمك، بالرغم من كونه يعتبره إحدى المواد الأساسية التي ينبغي أن تحْوِيها مائدة رمضان.

وعن رأيه، حول أسباب ارتفاع أثمنة السمك، في رمضان، قال ادريس -الذي ألف التبضّع من السوق المركزي بتحسّر شديد “اللهم إن هذا لمنكر، لم نعد نعرف على من نلقي باللائمة في هذا الموضوع، قبل أن يستدرك “إذا ظهر السبب بطل العجب”..في تقديري النتائج التي تمخضت عنها مقاطعة ثلاث منتجات استهلاكية، أظهرت أن هناك لوبيات تتحكم وتتلاعب في الأسعار، وبالتالي لا أظن أن السمك سيكون بمعزل عن ذلك، ومن ثم أرى أن مقاطعته يمكن أن تسهم في انخفاض أسعاره.

“المسكين والدرويش واللي ما فحالوش،ليه الله، حيث لم يعد يحلم بشراء حتى “السردين” بالرغم من أن المغرب يعتبر من أكبر الدول المنتجة له”، تقول سيدة في عقدها الخامس، حيث اكتفت بشراء نصف كليوغرام، من سمك”السردين” بسبب ارتفاع ثمنه الذي يصل إلى 30 درهما، مستنكرة الثمن الباهظ للسمك بالرباط، حيث اعتبرت أنه من غير المقبول بل من العيب، أن “نتوفر على هذا الكم الهائل من الخيرات السمكية، ونجد بالمقابل الأثمنة المعروضة في السوق، والتي لا تشجع إطلاقا حتى على مجرد الاقتراب من هاته الأسماك.

معطيات مقلقة:

وتتراوح أثمنة السردين في السوق المركزي بالرباط، بحسب ما عاينه ”  pjd.ma” ما بين 20 درهما  بالنسبة للقادم من خارج الرباط،  وما بين 30 درهما ( ديال البلاد)، فيما يبلغ ثمن “الكروفيت” 160 درهما، في حين يصل سعر “الميرنا” إلى 80 درهما للكيلوغرام الواحد، وهي أسعار تلهب جيوب المواطنين، وتجعلهم “يديروا بالناقص” بحسب ما أكده أحد الباعة ل ـpjd.ma”..

وفي هذا السياق، كشفت تقارير إعلامية، أن السوق المغربية تتوفر على نوعين من السردين الصغير والمعروف بالطلب المتزايد عليه والموجود بين الدار البيضاء وآسفي، حيث يبلغ ثمن الصندوق في سوق الجملة 180 درهما، فيما يتراوح ثمن بيع الصندوق من الميناء ما بين 150 و160 درهما.

وحسب معطيات رسمية لوزارة الفلاحة، فإن المغرب يتمتع بأفضل واجهتين بحريتين،يصل طولهما إلى 3500 كلم، حيث تتميز المنطقة الاقتصادية الحصرية المغربية بتنوع كبير لمواردها السمكية، بحيث تتوفر على ما يقرب من 500 نوعا، منها 60 نوعا في طور الاستغلال. وتشكل الأسماك السطحية الصغيرة أساس هذه الموارد بأزيد من80في المائة من المصايد من حيث الحجم، ويصنف المغرب في المرتبة الـ 25 عالميا من حيث إنتاج السمك، والمرتبة الأولى في افريقيا.

أسباب ارتفاع الأسعار:

مؤشرات لا تنعكس على واقع سوق السمك في المغرب، بحسب أنس الشرقاوي ، نائب رئيس جمعية بائعي السمك بالسوق المركزي بالرباط، الذي  أقرّ بارتفاع أسعار الأسماك خلال الشهر الفضيل لاسيما تلك الأنواع التي يقبل عليها الزبناء بكثرة، كما حال “الكلامار، الكروفيت، والميرنا والسردين”، مسجلا ضعف الإقبال على شراء السمك بسبب أسعاره المرتفعة، التي تفوق القدرة الشرائية للمستهلكين، خاصة ذوي الدخل المحدود.

ويعزي الشرقاوي، الذي قال إنه قضى حوالي 30 سنة في المهنة، أسباب ارتفاع أثمنة السمك، إلى ضعف الوفرة، في بعض الأنواع، التي يكثر الطلب عليها، وإلى تقلبات أحوال الطقس خلال الفترة الأخيرة، لكنه يعتبر أن أكبر عامل مساهم في ارتفاع أسعار السمك بالمغرب، يعود إلى التصدير، حيث يتم تصدير أجود أنواع السمك بكميات وافرة   نحو الخارج، فيما يبقى “الفتات” للسوق الوطنية.

وبرأي، أحد مهنيي بيع السمك بالسوق المركزي بالرباط، فإن “المضاربة” و تعدّد “الشناقة” من بين أهم الأسباب التي تقف وراء ارتفاع، أثمنة السمك، مشيرا إلى أنه في الوقت الذي يحق فيه للمغربي أن يشتري “السردين” بسعر يتراوح ما بين  8 إلى 10 دراهم، بات هذا الأخير يقتنيه ب30 درهما، بسبب كثرة “الوسطاء”.

ويشير المهني، الذي فضّل عدم الكشف عن هويته، بسبب “حساسية” الموضوع، إلى أن ثمن الكيلوغرام، الواحد من السردين الذي يقتنيه تجار الجملة، يصل إلى 5 دراهم، معتبرا أن هامش الربح في هذا الإطار لا ينبغي أن يتعدى 2 إلى 3 دراهم في الكيلوغرام.

سلاح المقاطعة:

ويعتبر المتحدث ذاته، أن من شأن مقاطعة بعض أنواع السمك التي تعرف ارتفاعا صاروخيا في أسعارها بالتزامن مع شهر رمضان، أن يُنهي مع مجال “الريع” الذي يشهده القطاع، لاسيما في ظل ضعف مراقبة الأسعار، وغياب مؤسسة رسمية تُشرف على تحديد الأسعار بشكل مضبوط، محملا في مقابل ذلك المسؤولية لوزارة الفلاحة، وللجهات المسؤولة عن القطاع في وضع حد لما وصفه بـ”السيبة”.

وبالرغم، من استنكاره لمشاهد حرق وإتلاف الأسماك، التي أظهرها مقطع فيديو تم توثيقه بسوق أربعاء بني حسان الأسبوعي ضواحي مدينة تطوان، إلا أنه ضمّ صوته إلى صفوف الداعين إلى مقاطعة الأسماك بسبب ارتفاع أسعارها، مشيرا إلى أنه بالرغم من الخسارة التي يمكن أن يتكبّدها الباعة والمهنيون، إلا أن أسبوعا واحدا  أو أسبوعين من المقاطعة كافية لخفض أثمنة السردين بالخصوص إلى ما دون الـ 10 دراهم.

وعلى خلاف ذلك، يرى بعض الباعة الآخرين، في تصريحات متفرقة لـ pjd.ma”.، أن مقاطعة الأسماك ستكون غير ذات جدوى، بسبب غياب البديل، مشيرين إلى أن نجاح حملة المقاطعة التي استهدفت ثلاثة منتجات استهلاكية، ارتبط بوجود بديل كما الشأن بالنسبة للحليب، على عكس واقع الأمر بالنسبة للسمك.

هذا، وفي الوقت الذي ألقى  فيه المنتجون البحريون بالمسؤولية على “مافيات” في الأسواق، والتي لجأت للإحتكار من أجل الرفع من الأسعار خلال أيام رمضان، ما جعل أنواعا من الأسماك تصل إلى أرقام خيالية،  يرى بعض المهتمين والمراقبين، أن دعوات مقاطعة السمك التي أطلقت عبر شبكات التواصل الاجتماعي، من شأنها بعث رسالة قوية إلى لوبيات سوق السمك في المغرب، التي أوغلت في حرمان المغاربة من ثروتهم البحرية، لعلها تستوعب الدرس مما وقع لثلاثة منتجات استهلاكية.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.