بصراحة ..أَكْثَرَ بن شماش

محمد عصام

قديما كان يقال ” من كثر لغطه كثر غلطه”؛ هذا إن لم نقل ” كثر سَقَطُه” 
واللغط في ” لسان العرب” هو الجَلَبةُ التي لا تُفهم. وهو أيضا الكلام الذي لا يَبِين
والسقط من الأشياء : ما يتهاون به من رذالة الطعام والثياب ونحوها . وهو أيضا رديء المتاع ؛ و ما أسقط من الشيء 

هذه المقدمة اللغوية التي افتتحنا بها مقالنا لهذا اليوم ضرورية لتأطير ” الإسهال” الكلامي الذي أصاب قائد البام الجديد؛ وهو بعد لم ” يُسخِّن بلاصته؛ وبذلك يكون قد اتبع سنة الذي قبله ” شبرا بشبر ؛ وذراعا بذراع “؛ وجاء في تتمة الحديث ” حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه”؛ وهو فعلا ما قام به ابن شماش وفي أقل من شهر على تنصيبه أمينا عاما للجرار؛ واجتراره نفس السقطات وذات اللغط الذي ملأ به سلفه الدنيا وشغل به الناس؛ قبل أن يستفيق على وقع السقطة الكبرى التي لم تٰبقِ ولم تذر؛ والتي عرّٓته أمام المغاربة وأمام اعضاء حزبه؛ ليتداعوا مسرعين لإكرام جنازتهم ويدروا على ميتهم تراب النسيان ويسكنوه صمت القبور؛ بعد كل الضجيج و الجلبة التي رافقت توليه مهام القيادة. 

وسائق الجرار الجديد يعيد نفس الحكاية وبأسلوب أكثر رداءة وارتباكا من سابقه؛ حيث استهل بقرع طبول الحرب والتوعد بالويل والثبور وعظائم الأمور على مكون سياسي من مكونات المشهد السياسي الوطني؛ وسرعان ما تراجع عن ذلك ليعلن الهدنة من جانب واحد؛ ويعتبر أن لا خصومة له ولحزبه مع أحد؛ وأن التناقض الرئيسي قائم بينه وبين الفقر والهشاشة والمرض الجهل وغيرها؛ ليختم رقصه السريالي بمقال نشره أمس سيرا على هدي سلفه؛ المصاب بلوثة الكتابة؛ كلما ضاقت وعزت عليه منصات الخطابة. 
فما الذي قاله ابن شماش تحديدا

إنه يقول وبالفم المليان وبنبرة المتحدي الواثق من نفسه ومن حزبه:
“ان حزب الأصالة والمعاصرة، المسكون بهواجس المساهمة في البناء، لا يجد حرجا في طرح السؤال الذي يتحاشاه كثيرون:
هل يستقيم كبح ورهن إمكانات التطور الوطني باسم “شرعية انتخابية” هي في الواقع ليست شيئا آخر غير “شرعية ” قاعدة انتخابية لا تمثل الا نسبة ضئيلة جدا لمجتمع يريد أن يتقدم الى الأمام؟”
هذا الكلام لو قاله منتم لتيار راديكالي لا يؤمن بالمؤسسات ولا يشارك في الانتخابات؛ لكان مقبولا منه؛ وإن كان ليس مسَلَّما له بمضمونه؛ فلا شيء يمكن أن يثبت أن من لا يشاركون في العملية الانتخابية كلُّهم على قلب رجل واحد لكي يدعي أحد أنه متكلم باسمهم ونيابة عن كل الصامتين.

كيف سمح سائق الجرار لنفسه أن يخاطب المغاربة بهذا الكلام وهو يتأبط رابع موقع رسمي في الدولة ويرأس مؤسسة دستورية من حجم مجلس المستشارين؟ أليس حريا به قبل أن يشكك في شرعية المؤسسات ونتائج الانتخابات أن يقدم استقالته من منصبه الذي يدر عليه الملايين من خزينة دافعي الضرائب الذين يخاطبهم بهذا الكلام السريالي أم أنه وكما يقول المثل المغربي ” الذيب حرام مرقتو حلال”؟ ثم إذا كان شجاعا كما يدعي لماذا لا يأمر رؤساء الجهات الخمس من حزبه من أصل 12 جهة؛ أن يقدموا استقالتهم هم وبقية زملائهم من رؤساء الجماعات؛ وهم في أغلبهم حصلوا على مواقعهم بطرق “زائفة” وبتحالفات حيكت بليل في غفلة من عين الديمقراطية ورقابة الصناديق وبعيدا عن المنطق السليم للتحالفات؟ 
ثم أليس حريا بنا أن نطرح سؤال لماذا هذه الخرجة بالذات وفي هذا الوقت بالذات؟ ثم لأي جهة يوجه ابن شماش رسائله تلك؟ 

إن قائد الجرار الجديد يريد أن يقدم من خلال مقاله هذا؛ رسالة إلى جهة ما داخل مربع السلطوية يعلن فيها البراءة من كل القيم الديمقراطية واستعداده للانقلاب عنها ما استطاع إلى ذلك سبيلا؛ وكأنه يريد أن يقول لها أنه مستعد للعب كل الأدوار المطلوبة منه بدون قيد أو شرط ولو استلزم الأمر الدوس على مخرجات العملية الانتخابية و الكفر إن اقتضى الحال بالديمقراطية جملة وتفصيلا وليذهب المشروع الحداثي الديمقراطي للجحيم بعد ذلك؟ مقابل ضمان ” ظل ذليل ” بجنب أولي الأَنعام والإنعام. 

هذا الكلام لا نسوقه جزافا بل لقد علمتنا الوقائع أن القوم الذين اغترفوا حتى امتلأوا من حضيض التحكم كان دوما مستعدون للانقلاب على كل شيء؛ و إن اقتضى منهم الأمر المجازفة بأمن واستقرار البلد كما فعلوا استباقا قبيل انتخابات السابع من أكتوبر 2016 فيما سمي بمسيرة ولد زروال؛ أو كما كانوا مستعدين لفعله أيام البلوكاج الشهير حين كانوا يروجون عبر أذرعهم الإعلامية ومأجوريهم بالمناولة من المحللين والأكاديميين؛ للانقلاب على الدستور وتعطيله بمبرر ات أقرب للهلوسات منها لمنطوق وروح الدستور. 

الذي استجد اليوم؛ ليس هو تولي ابن شماش قيادة حزب صنع على أعين السلطوية وضخت فيه جرعات متكررة من ” الدوباج”؛ لا تسطيع أي قيادة كيفما كانت أن تخلصه من لعنة الولادة المشبوهة التي ستظل تلاحقه إلى يوم الدّين؛ بل المستجد أن البلد يمر بمرحلة دقيقة؛ وأن المواطنين جراء ما أصابهم من إحباط ناتج عن الالتفاف على الإرادة الشعبية؛ وصلوا درجة من التذمر قياسية؛ وأن هناك حديثا عن سيناريوهات مشبوهة لأعادة صياغة قواعد اللعب وخلق وقائع جديدة ؛ فالخرجة هي إعلان للتموقع وتقديم لشهادة حسن السلوك وصك على الاستعداد للعب كل الأدوار المطلوبة مع التحلل التام والكامل منكل التزام ديمقراطي أو حداثي.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.