محمد عصام
جرت انتخابات جزئية أمس الخميس 18 يونيو 2020، لشغل مقعدين شاغرين بمجلس المستشارين بكل من جهة الشرق وجهة گلميم واد نون، وفي كلا الدائرتين قدم حزب العدالة والتنمية مرشحا له، إلا أنه لم يظفر بأي واحد منهما، مما جعل البعض يطلق العنان لهوايته المفضلة في قراءة الفناجين والتنجيم السياسي، ويتحدث بكل وثوقية عن التراجع الانتخابي لحزب العدالة والتنمية، بل هناك من استولت عليه سكرة اللحظة فبدأ يبشر ويمني نفسه بإزاحة الحزب من قمة تصدره للمشهد السياسي الوطني منذ استحقاق 25 نونبر 2011 مرورا بالانتخابات الجماعية لشتنبر 2015 إلى الانتخابات التشريعية للسابع من أكتوبر 2016،
وحتى لا يطفح الخيال بأصحابه فإنا نورد الملاحظات التالية:
· إن هذه الانتخابات تتعلق بهيئة ناخبة محددة ومحدودة وليست مفتوحة أمام المواطنين، إذ يتعلق الأمر بشغل مقعدين شاغرين بمجلس المستشارين، وعليه فإن الهيئة الناخبة تتكون من المستشارين الجماعيين وهم ما يصطلح عليهم إعلاميا بالناخبين الكبار، فإذن نحن بصدد تصويت غير مباشر لا يمكن معه بناء صرح من النتائج والأمنيات التي لا يحتملها ولا تسعفها الوقائع ولا السياقات
وقد أثبتت التجربة في غير ما مرة، أن هذه الهيئة الناخبة لا يحكمها منطق السياسة وما يستوجبه من اصطفافات وتموقعات،
· إن ترشيح العدالة والتنمية في الدائرتين نابع من إيمان الحزب الراسخ على ضرورة حماية استقلالية قراره وانضباط مناضليه، وتأكيد التزامهم بالتصدي للفساد الذي يجتاح مثل هذه الاستحقاقات غير المباشرة، وبالعمل من خلال قواعد وأدوات السياسة المبنية على الاقناع وتنمية النقاش السياسي وعدم التماهي أو القبول أو حتى المداهنة مع أي شكل من أشكال العبث بالعملية السياسية وإفراغها من مضمونها، بما يخدم المصالح الضيقة لأصحابها، ويعصف في الآن نفسه بكل المكتسبات التي حققها المغرب في عقلنة السياسة وإنعاش جاذبيتها،
· إن استحقاقي أمس الخميس، استحقاقان جزئيان، ولم يعد خافيا أن الانتخابات الجزئية يحكمها منطق خاص لا علاقة له بالاستحقاقات العادية، التي يتم إجراؤها في سياق وطني موسوم بانخراط الجميع مساهمة وتعبئة ودعاية مما يخلق أجواء من التنافس السياسي تنعش النقاش السياسي وتضمن حدا أدنى من تفاعل المواطنين مع الحملات الانتخابية دعما أو نقدا، مشاركة أو مقاطعة، بينما الانتخابات الجزئية، غالبا ما يتم إجراؤها في أجواء يتقلص فيه النقاش السياسي وتتراجع فيها نسب المشاركة بشكل كبير.
· إن الذين يبنون قصورا من الأماني على نتائج الانتخابات الجزئية، كمن ينتظر السراب الذي يراه قريبا ولا يجد عنده ماء، وأن هزم العدالة والتنمية لا يكون ولن يكون إلا بأدوات السياسة وفي احترام ذكاء وعقول المغاربة، وبناء بديل حقيقي في هذا الاتجاه، أما غير هذا فهو مجرد أضغاث أحلام، آن معها لمن يعنيه الأمر أن يمد رجليه.