حسن بويخف
في افتتاحيتها لهذا اليوم تضع يومية “الأخبار” تحت عنوان “ساعة الحسم” رئيس الحكومة أمام خيار واحد فيما يتعلق بموقفه المنتظر حول “القاسم الانتخابي”، فإما أنه سيكون بدرجة “رجل الدولة” إن هو حسم لصالح الانقلاب على الدستور وعلى الخيار الديمقراطي بترجيح أغرب مقترح تقدمت به الأحزاب السياسية المغربية فيما يتعلق بتدبير الانتخابات، والذي انتصرت له اليومية بكل ما أوتيت من قوة، وإما أنه سيكون مجرد “سياسي” إذا هو انتصر للخيار الأكثر ديمقراطية، والذي يستمر حزب العدالة في الدفاع عنه بعدما تنصلت باقي الأحزاب من موقفها منه وكان أحد محاور حملاتها وبرامجها الانتخابية السابقة!
وهذه المقاربة التي لم تدع الخيار لرئيس الحكومة تجعله إما معبرا عن مصلحة الدولة إن هو رجح رأيها وتوجهها أو أنه لمصلحة حزبه إن هو اختار غير ذلك.
والأغرب من هذا أن اليومية أفتت بأنه في حال انتصر رئيس الحكومة لتعزيز الخيار الديمقراطي واحترام الدستور :”في هذه الحالة ينبغي للمؤسسات رفع يدها وترتيب المسؤوليات السياسية والقانونية اللازمة والتي يتطلبها الحفاظ على قاعدة التوازن” ولا ندري من هي المؤسسات التي توجه لها الافتتاحية هذه الأوامر؟ وما هي المسؤوليات التي ينبغي أن ترتبها؟ إننا أمام كلام خطير جدا وغريب جدا. ولإدراك خطورته نقرأ ماذا أضافت اليومية في نفس الفقرة لتوضيح مبتغاها:” … عندها لن نكون أمام حزب يشتغل من داخل المؤسسات ويحترم الأطر القانونية القائمة ويخضع للتوافقات السياسية، بل أمام قوة سياسية جذرية مستعدة لفعل أي شيء من أجل الحفاظ على امتيازاتها الظرفية…”! بمعنى أن حزب المصباح أيضا ليس له خيار، إما أن يكون على هوى الجريدة والجوقة التي تروج لموقفها وإما أنه “قوة جذرية”، وبالطبع فموقف الدولة من القوى الجذرية معروف.
ولمزيد من تأكيد خطابها الذي ينطوي على تهديدات خطيرة وتحريض خطير ضد الحزب وضد رئيس الحكومة تختم الافتتاحية بتهديد وتحريض مباشرين وتقول، في حال استمر الحزب بالتشبت بموقفه كحق يضمنه له الدستور، واختار رئيس الحكومة الانتصار للدستور وللخيار الديموقراطي، ” … هنا فقط ينبغي للعبة أن تتوقف ويتم تحذير اللاعب المخل بالقواعد المعمول بها، وربما إذا استمر في تحديه اللجوء لقرارات قاسية حماية له وللجميع”.
هذا أخطر موقف سياسي تتورط فيه يومية صحافية بالدعوة إلى أساليب سلطوية في تدبير الاختلاف السياسي بين الأحزاب، فهي تريد التحكم في مؤسسة رئيس الحكومة بفرض توجه واحد عليه، كما لم تدع إلى إعمال القانون من طرف المؤسسات المخولة وعلى رأسها القضاء، ولكنها تدعو إلى استعمال أساليب “التحذير” واتخاذ “قرارات قاسية” وهي لغة السلطوية في كل مكان وزمان. وانزلاق اليومية إلى هذه اللغة متفهم، لكون موقفها الذي تسانده يفتقر إلى سند دستوري وقانوني، لذلك ليس أمامها سوى لغة الإكراه.
إن روح الديموقراطية هو حرية الاختيار، سواء تعلقت بالانتخابات أو بالمواقف الإديولوجية والسياسية، وأن القانون ليس راقصة ترقص تحت طلب الأكثر عطاء أو جاها، بل القانون قواعد واضحة. والدولة ليست جاهلة بقواعد اللعب وبالقوانين، كي تحتاج من يحرضها ويخيفها ويحرضها على ارتكاب الحماقات.
إن الإصابة بفيروس الانتخابات أخطر بكثير من تهديدات جائحة كورونا، لأنها تدفع صاحبها إلى الفتنة.