محمد عصام يكتب: رمال الصحراء الحارقة تلتهم قادة البوليساريو

أول أمس تم التداول الواسع لخبر سقوط قائد درك البوليساريو المسمى الداه البندير، كما راجت أخبار أخرى تفيد أن العملية التي يقال قد نفذتها طائرة مغربية مسيرة عن بعد  كانت قاب قوسين من اقتناص رئيس جمهورية الوهم نفسه.

ومهما يكن من صحة هذا الجزء الأخير من الخبر من عدمه، فإن اقتناص قائد الدرك لم تنفه البوليساريو، ومن المؤكد أن حجم الخسارة لدى هذه الأخيرة  فادح للغاية، وسيكون له أثر بالغ على مجريات الأحداث في القابل من الأيام، سواء على المستوى الداخلي، الذي يعيش على وقع الأزمة وانغلاق الأفق من مدة غير قليلة، تؤشر عليه الاحتجاجات المتتابعة وازدياد السخط على القيادة الحالية وتنامي المعارضة السياسية خصوصا وسط الأجيال الجديدة، وأيضا على المستوى المتعلق بإدارة الصراع في الميدان، وهو ما سيضع البوليساريو في مواجهة سؤال الجدوى فيما يتعلق باختيارها الذي أسمته بإعلان الحرب والتحلل من مقتضيات اتفاق إطلاق النار منذ 13 نوفمبر الماضي،

سقوط قيادة ميدانية مؤسسة من حجم قائد الدرك، بالتأكيد سيعمق الأزمة في الداخل لدى البوليساريو، ولكنه من جهة أخرى يكشف هشاشة الدعاية التي نهجتها البوليساريو، بإدمان الحديث عن حرب تحرير جديدة، ترجمتها إعلاميا إلى أكثر من 150 بلاغا عسكريا يتحدث عن أقصاف وخسائر وبطولات لا وجود لها إلا في مخيلة من ما يزال يعيش زمن الدعاية البائدة المرتبطة بأجواء الحرب الباردة، بينما التزم المغرب بالتعبير عن كونه  ملتزم بما يقتضيه اتفاق وقف إطلاق النار، وسياسة ضبط النفس، وأنه في الآن ذاته سيرد على أي تهديد يمس وحدة أراضيه ويعرض حياة جنوده وقواته للخطر في مناطق الجدار الرملي، وفي إطار هذا المنطق الواضح والمنسجم مع الشرعية القانونية، جاء الجواب سريعا وفعالا وأيضا موجعا للبوليساريو، حين تجرأت على اختراق المنطقة العازلة والاقتراب من الجدار الأمني.

العملية تكشف عن نجاعة كبيرة على المستوى الاستخباراتي، وتؤشر على تفوق تكنلوجي جلي متعلق بآليات الرصد، ومن جهة أخرى تؤشر على التفوق العسكري الذي ظهر من خلال نوعية السلاح المستعمل في العملية،

والعملية أيضا  أنهت بشكل فعال أكذوبة ما يسمى بالأراضي المحررة  في السردية المتهالكة للبوليساريو، وأن المغرب يستطيع أن يضع على  الأرض تجسيدا فعليا لرؤيته التي تعتبر تلك الأراضي عازلة بالتحديد الذي يقره القانون الدولي، وأنه له القدرة بالفعل على فرض هذا الواقع على الطرف الآخر بآليات الردع إن لزم الأمر وهو ما وقع بالفعل في هذه العملية، وقبلها في تحرير معبر الكركرات نونبر الماضي،

العملية أيضا تدفن بشكل نهائي  السردية التي اعتمدتها البوليساريو طيلة الخمسة أشهر الماضية، من ادعاء وجود حرب في المنطقة، بهدف احتواء الداخل المشتعل وتوجيهه نحو عدو مشترك، ولتبرير التجاوزات المتلاحقة في قمع الاحتجاجات المطلبية داخل المخيمات، واتضح الآن أن ما تسميه البوليساريو  حربا وتصدر بشأنه بلاغات يومية عن أقصاف لا تنتهي، ليس إلا مناوشات محدودة ودون أثر يذكر، وبعيدة كل البعد أن تشكل تهديدا المغرب ولاستقراره، وأنه حينما تعلق الأمر بالاقتراب من المواقع المغربية وانتهاك حرمة المنطقة العازلة، فإن الجواب كان صارما، بل كان مؤلما جدا، وفقدت بسببه البوليساريو أحد أعمدتها ومؤسسيها وقادتها الميدانيين، وهو ما سينعكس سلبا على نفسية مقاتليها، وسيعمق بالتأكيد نوازع الشك في القيادة الحالية من طرف الأجيال الجديدة، التي وجدت نفسها رهينة اختيارات لم تشرك في صياغتها، لكنها معنية بأداء فاتورتها من استقرارها الاجتماعي ونمائها الاقتصادي ومستقبلها عموما، في ملف لم ينتج لهذا الجيل غير السراب ولمدة تزيد عن أربعين سنة بلا أفق ولا بوصلة .

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.