حوار.. العربي: مخطئون من يظنون أنه بإمكانهم العودة بالبلاد إلى ما قبل 2011

أجرى الحوار: عبد الإله حمدوشي

نفى عبد الحق العربي، المدير العام لحزب العدالة والتنمية، نفيا قاطعا أن يكون حزب المصباح قد لجأ إلى منطق “الترضيات” في منح التزكيات لمرشحيه في الاستحقاقات الجماعية والتشريعية التي ستجرى يوم 8 شتنبر 2021، شأن ذلك شأن جميع المحطات الانتخابية الماضية. 

وعزا العربي، في حوار خص به “جريدة العدالة والتنمية”، سبب تأخر العدالة والتنمية في الإعلان عن مرشحيه، يعود إلى الضغوطات الجمة التي يتعرض لها المرشحون من أطراف سياسية أخرى، إما من أجل عدم الترشح في لائحة “المصباح”، أو من أجل دعم أحزاب أخرى.

لكل استحقاق انتخابي خصوصيته، وبالنظر لما يميز هذه الانتخابات عن سابقاتها، هل اعتمدتم معايير الترشيح نفسها التي حكمت اختيار مرشحيكم في انتخابات 2016؟

الكل أصبح يعرف أن لحزب العدالة والتنمية مساطر ينطلق منها في اختيار مرشحيه. فإلى جانب احترام الديمقراطية الداخلية، وتجريب مناضلين جدد في مواقع المسؤولية، كانت هناك توجيهات عامة تضمنت معايير لاختيار المرشحين، ولكل مستوى معاييره الخاصة في الترشيح.

على مستوى لجان الترشيح، هناك معايير مرتبطة بالكفاءة والانضباط والالتزام والانسجام، ونحاول دائما ترشيح أفضل ما لدينا من كفاءات ومناضلين. لأن الأمر يتعلق باختيار الأشخاص الذين سيدبرون الشأن العام. وقد عاين المواطنون خلال المرحلة السابقة الأشخاص الذين اقترحهم حزب العدالة والتنمية لتدبير شؤونهم. ويتمثل المعيار الثاني في مبدئي الالتزام والانضباط، وهو المعيار الذي كان الحزب صارما في تنزيله. أما على مستوى هيئات التزكية، فينضاف معيار آخـر، ويتعلق الأمر بالانسجام داخل الفريق، والتوفر على كفاءات من مختلف التخصصات. لأنه حينما نتحدث عن فريق سيدبر المدينة، فلا بد أن يكون منسجما، ومتوفرا على كفاءات معينة. أما الفريق البرلماني مثلا، فإنه لا بد أن يتوفر على كفاءات في التشريع والرقابة والدفاع عن قضايا الوطن والمواطنين. وهنا نحاول التنويع، ليكون لدينا منتخبون من مختلف التخصصات، في مقدمتها الاقتصاد والقانون، بالإضافة إلى تخصصات تقنية وهندسية أخرى.

يلاحظ أن حزب العدالة والتنمية يعتمد عادة مقاربة جد متشددة إن صحَّ الوصف في اختيار مرشحيه للانتخابات، لماذا هذا الحرص، علما أنها مقاربة لا تكلف الوقت فقط، بل أيضا الجهد التنظيمي؟

حزب العدالة والتنمية معروف بالمساطر والديمقراطية الداخلية والانتخاب، لكن بالإضافة إلى ذلك، لدينا ميزة أخرى، لا أعتقد أنها توجد لدى هيئة سياسية أخرى، وهي التداول في المسؤوليات التنظيمية وكذلك العامة، حيث إنه قبل اختيار أي شخص لمسؤولية ما، فإنه يجد أمامه ضرورة المرور من عدة محطات، ولعلّ أبرزها لدى حزب “المصباح” هي التداول وتبادل التقديرات ونحاول الإجابة عن أسئلة أساسية تتعلق في: هل هذا الشخص يصلح لهذه المسؤولية أم لا؟ وهل يصلح لمسؤولية أخرى؟ إنها فعلا محطة متعبة؛ لأنها تحتاج وقتا كبيرا، حيث يتم عقد لقاءات مراطونية لحسم مرشحي الحزب للاستحقاقات الانتخابية، ولذلك نكون آخر حزب يعلن عن مرشحيه.

في الغالب، تكون فاتورة التشديد في اختيار المرشحين، التأخر في الإعلان عمن سيخوضون هذه المعركة الانتخابية، وهذا سيكون له بكل تأكيد أثر في سير الإعداد للانتخابات؟

أرى أن حزب العدالة والتنمية ليس كباقي الأحزاب السياسية، وللأسف أن مرشحيه يتعرضون لضغوطات جمّة من أطراف سياسية أخرى، إما من أجل عدم الترشح في لائحة “المصباح” أو من أجل دعم أحزاب أخرى. وهو ما يدفعنا لتأخير الإعلان عن مرشحينا، لعلمنا الشديد بالضغوطات التي سيتعرض لها مرشحو الحزب ومحاولة ثنيهم عن الترشح باسم العدالة والتنمية. ولذلك نحرص على ألا نعلن عنهم إلا بعد نهاية فترة الترشيحات، لهذا فإن الإعلان المبكر له ثمن باهض بحكم الضغوطات الرهيبة التي يتعرض لها مرشحو الحزب.

 بالنظر لهذه المساطر الصارمة التي يعتمدها الحزب في اختياره المرشحين، هل في نهاية المطاف يلمس المواطن هذا التميز في نوعية المرشحين؟

بطبيعة الحال، فإن المواطن يشعر بالفرق عندما تتضمن لوائح العدالة والتنمية كفاءات وأطر عليا من مستويات علمية عالية، خاصة في لوائح الحزب بالمدن الكبرى.

 ليس هناك من يستطيع القول بأننا نرشح أيا كان في لوائحنا، قد تكون هناك ملاحظة عن شخص أو شخصين، إلا أن المواطن يلمس الفرق في اللوائح، ويستطيع المقارنة بين لوائح الحزب وباقي الهيئات السياسية، حيث يجد أساتذة جامعيين وأطر عليا ونشطاء في المجتمع المدني، بينما يجد في لوائح أخرى أسماء غير معروفة تظهر فقط في المحطات الانتخابية. حتى الخصوم السياسيين في الحملات الانتخابية، يشهدون أن لوائح العدالة والتنمية تتضمن كفاءات، فيما لوائحهم تتضمن من يدفع أكثر. وأكيد أن المواطن لاحظ الفرق الكبير بين زمن كان يحتاج فيه لأيام لقضاء مصالحه بالمقاطعات، وعهد أصبحت نصف ساعة كافية لقضاء مختلف مصالحه، خاصة بالمقاطعات التي يدبرها حزب العدالة والتنمية.

عمليا، ما هي أبرز منطلقات الحزب في منح التزكيات؟

الأمر الذي لا نستحضره خلال منح التزكيات هو الترضيات، ولله الحمد، قد نخطأ أحيانا، لكن الأكيد أنه لا توجد ترضيات، وأستطيع أن أجزم لك أن العكس هو الذي يقع في باقي الأحزاب السياسية.

 يركز الحزب على اختيار أحسن ما لديه من أطر وفاعلين الذين يزخر بهم الحزب، كيف تعاملتم مع هذا المعطى خلال الحسم في الترشيحات خصوصا أمام وجود اعداد كبيرة من هؤلاء الأطر؟

هذه الوفرة في الأطر تتفاوت بين المدن الكبرى والصغرى والعالم القروي، فهناك مثلا مناطق تعرف وفرة في هذه الكفاءات، في حين تعرف مناطق أخرى ندرة كباقي الأحزاب السياسية. وفيما يخص الأماكن التي بها وفرة، نعتمد على الآلية الديمقراطية المسماة التداول، حيث نعمل على مناقشة الأسماء المطروحة، وعند التساوي في معيار ما، يتم اللجوء لمعيار آخر مرتبط بالتضحية والنضالية، عند التساوي في الكفاءة العلمية.

هناك جانب آخر مرتبط بالرصيد الأخلاقي والنضالي، ولنا مقولة خالدة للراحل عبد الله باها رحمه الله تقول: “إذا حطوك خوتك القدام جر وإذا حطوك في الوراء ادفع”، هذه قاعدة نعمل بها، وإخواننا أينما وضعتهم يشتغلون، طبعا ليس لدينا ملائكة، فهناك حالات لأعضاء لا تعجبهم مراكزهم، ويغضبون وقد يلجأ جزء منهم إلى مغادرة الحزب، لكن الأغلبية حتى وإن حدث ذلك، فإنهم يعودون للاشتغال داخل الحزب من أجل استكمال المسار.

يلزم الحزب مرشحين للتوقيع على ميثاق، ما هي فلسفة وقيمة هذه الوثيقة؟ ماذا سيجني منها الحزب؟

في الحقيقة هذا الميثاق هو التزام أخلاقي بالدرجة الأولى، وهو يجعل الناس يميّزون بين الترشح مع العدالة والتنمية وبين الترشح مع غيره.

وبالنسبة إلينا، الترشح مع حزب العدالة والتنمية، يفرض على المرشح شروطا، يجب عليه التوقيع عليها، منها المساهمة المالية للحزب من التعويضات التي سيستفيد منها، وهذا يعني أن المرشح يعرف منذ البداية أنه سيشتغل داخل منظومة حزبية تتخذ قراراتها بالمؤسسات، وتفرض عليه الالتزام بأنظمة وعمل وتصور الحزب.

كيف تعامل الحزب مع عملية التشطيب على قيادات ومنتخبين معروفين ينتمون إليه من اللوائح الانتخابية؟

أولا، الإخوان الذين شطب عنهم ارتكبوا أخطاء، واستهانوا بالموضوع، هذا من جهة، من جهة أخرى، فإن تطبيق القانون بحذافيره، يجب أن يكون على جميع المغاربة على حد سواء، لا أن تجد شخصا معروفا يقطن بالرباط ومرشحا بأكادير، وشخصا آخر معروفا يقطن بالرباط، ومرشحا بالرماني للانتخابات الجماعية، ولم يشطب عنهم أحد. وبالمقابل يتم تسخير أناس معينين لرفع دعاوى ضد سياسيين بعينهم.

لدينا قيادي جرى التشطيب عنه، ووصلنا في مسلسل محاكمته للجلسة رقم 13، فكيف يستقيم أن يتوصل بالاستدعاءات لجلسات المحاكمة، في حين لا يتوصل بإخبار التشطيب عنه من اللوائح الانتخابية؟

الخلاصة، هي أن هذه التشطيبات كانت مقصودة بحد ذاتها، والحزب ندد بها مرارا، وشكلنا فريقا قانونيا لمتابعة الموضوع، لكن يبدو أن الموضوع كان محسوما منذ زمان. وفي رأيي، سكال وحامي الدين، لم يشطب عنهما في غشت 2021، وإنما منذ سنوات، فقط تأخر التنفيذ.

 انتقد حزبكم في مناسبات عديدة شراء الأصوات وتهديد الناخبين وتخويفهم، كيف في نظركم يمكن تجاوز هذه الممارسات غير القانونية؟

هذه الممارسات ليست جديدة، وكانت دائما تقع. في المرة السابقة كانت لصالح حزب معين، وهذه المرة هي لصالح حزب آخر. الجديد هذه المرة، هو أنها اشتدت، وأصبح الناس يتم تهديدهم في مورد رزقهم، وعائلاتهم، حتى وصل الأمر بنا في بعض المناطق، أن نقول للناس: “سيرو بحالكم”، لأنه لا يمكن أن نسمح لهم أن يضحوا بوالديهم أو أبنائهم من أجلنا.

كما أن هناك مبالغ مالية كبيرة، صحيح أن استعمال المال كان دائما، لكن ليس بهذه الكثافة. وهذا يجعلك تطرح ألف سؤال. يبدو أن القوم يريدون إبعاد العدالة والتنمية عن التسيير بأي ثمن كان.

الفرق بين المرة السابقة وهذه المرة، هو أنه سابقا كان حزب العدالة والتنمية مستهدفا، لكن حتى الأحزاب الأخرى أدت الثمن لصالح “البام” آنذاك، لكن هذه المرة، يبدو أنهم استطاعوا جمع جل الأحزاب في جهة، واحدة لعزل حزب العدالة والتنمية. ويبدو أنّ قدر حزب العدالة والتنمية أن يدافع عن الديمقراطية وعن تخليق الحياة السياسية في هذا الوطن.

ومن يظن أن خمس سنوات كافية لتغيير الخريطة السياسية والقضاء على حزب العدالة والتنمية فهو مخطئ وواهم. نحن هنا.. سنظل كما كنا ومازلنا على عهدنا مع المواطنين، ندافع عن مصالحهم كما ندافع عن تخليق الحياة السياسية بمصداقيتنا، وسنعود أقوياء بإذن الله تعالى.

 أثارت القوانين الانتخابية الجديدة جدلا واسعا، خاصة ما تعلق منها بالقاسم الانتخابي على أساس عدد المسجلين، وحذف العتبة، إلى أي حد ستؤثر هذه القوانين على نتائج الحزب في هذه الاستحقاقات؟

لقد نجح المهندس “الشيطاني” الذي اقترح عليهم القوانين الانتخابية، التي لا يوجد لها مثيل بأي دولة بالعالم، والتي لها معنى واحد هو تحجيم حزب العدالة والتنمية في مهمته، ونقول له: “هنيئا لك.. لقد نجحت في مهمة تقليص حجم مشاركة هذا الحزب في المؤسسات المنتخبة، لكن لن تنجح في تغيير واقع أن “البيجيدي” هو القوة السياسية رقم واحد في البلاد، والتي ستظل تؤطر المواطنين وتكسب ثقتهم”.

القاسم الانتخابي سيكون له أثر مباشر في الانتخابات، بالإضافة إلى تفتيت اللائحة الوطنية إلى لوائح جهوية، وحذف العتبة في الجماعات. إنها منظومة متكاملة لتقليص حجم حزب العدالة والتنمية على مستوى الهيئات المنتخبة، لكن يبقى السؤال: كيف سيقلصون وجودنا داخل المجتمع؟

حزب العدالة والتنمية ليس آلة انتخابية أو دكانا انتخابيا يشتغل مرة كل خمس أو ست سنوات. نحن نشتغل خمس سنوات على خمس سنوات أخرى، وسنظل كذلك. إذا بقينا في التسيير، سنحرص على أن نبقى بالمستوى نفسه، وسنحاول تحسين الخدمات للمواطنين. وإذا كنا في المعارضة، نقول لهم: “جهّزوا أنفسكم، إما أن تكونوا في خدمة المواطن بالمستوى المطلوب، وسنصفق لكم وسندعمكم حتى من موقع المعارضة، وإما سنكون لكم بالمرصاد.. فالذين يظنون أنهم يمكن أن يعودوا بالمغرب إلى ما قبل 2011 مخطئون.. والقاسم الانتخابي لن يعيدنا كحزب العدالة والتنمية إلى ما قبل 2011. 

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.