المحجوب لال
جرت ألسن عقلاء الناس بقولِ: “الحكمة ضالة المؤمن”، وجرى تعريفهم للحكمة بأنها “وضعُ الشيء في محله”، ومن ذلك إبداء الحزن حين التعزية والبسمة حين التهنئة، غير أن رئيس حكومتنا الموقر، لا ينفك يعطي الدليل والبرهان، أنه أبعد الناس عن الحكمة ومعانيها، طلبا وفعلا وحديثا.
وعكس الحكمة أشياء كثيرة، ليس أقلها “الخفة”، تلك التي أبانت عنها صورة رئيس الحكومة بابتسامة عريضة في مهرجان “تيميتار” بأكادير، حرص على انتشارها في مواقع التواصل الاجتماعي ومنابر الإعلام الموالية، في وقت كانت النيران تلتهم أزيد من 6600 هكتار من أراضي خمسة أقاليم بشمال المملكة، فضلا عن 170 منزلا احترق بالكامل.
ولم يكلف رئيس الحكومة نفسه عناء مشاركة منشور لدعم فرق الإنقاذ التي بلغت 2000 عنصر، ولا لشكر الساكنة التي تجندت بكل قوة وتعاون دال على المعدن النفيس والأصيل لهذا الشعب الأبي، ولا لإبداء التعاطف مع المتضررين، والذين منهم من لم يعد له من شيء يملكه إلا ما على الجسد من ثياب.
الرئيس المحزم خلال السهرة بوزير ثقافته ووزيرة سياحته ورئيس جهته، خُيل له، وهو في معقله الانتخابي كما يقال، أن تلك الزيارة ستنفع في التسويق والإعلام، وستجعل شعار “ارحل” الذي ملأ كل وسائل التواصل الاجتماعي بالمغرب، يخفوا صوته ويخبو أمام صورة الرئيس وسط الجماهير.
لكن، ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، جاءت رياح الساهرين في تيمتيار بغير ما تشتهي سفن رئيس الحكومة، إذ ما أن فطن الحضور للضيف غير المرغوب فيه، حتى ارتفع الهتاف بالشعار الحقيقي وليس الافتراضي “ارحل”، فما كان من خيار أمام الرجل سوى الرحيل من ذلك المكان.
الأمل معقود أن يرحل، ليس من رئاسة الحكومة، فهو حتما سيفعل، إن عاجلا أو آجلا، لكن أن يرحل من موضع الخفة التي جعلته يتوعد شعبه بـ “إعادة التربية”. تلك الخفة التي جعلته منذ أول يوم له بحكومة الدكتور سعد الدين العثماني يُبشر بمغرب جديد في 2021، وببرامج للتشغيل وإصلاح الصحة والتعليم، ناسيا أو متغافلا أن عمل اليوم لا يصلح للغد، ولو كان يعلم الخير للشعب فلماذا لا يبدأ فيه حينها لا أن يشترط ذلك بالفوز في الانتخابات، مما أعطى أقوى برهان على “خفة” الرجل وسلوكه الأناني.
تلك الخفة التي تقول له، حين ينظر لملف المحروقات، لا تفكر في الغير ولا في الجماعة، إنما هي الأنا رافعة رأسها فوق كل همٍ عام، ملتوية بإحكام حول ياء الذاتية المقيتة في أرباحي وعوائدي وحساباتي، ونسي أو تناسى، أن السياسة بلغة الحروف، تدبير لنون الجماعة، لذلك المشترك الذي يجمعنا، يحقق مصالحنا، يعالج مشاكلنا، يشاركنا آلامنا وآمالنا وأحلامنا.
فهل يتوب رئيس الحكومة مما فيه، ويتصرف وفق مقتضى المهام الدستورية الجسيمة الموكلة له، على مستوى خدمة المواطنين وتبني سياسات تحقق مصالحهم، أم أنه سيدس رأسه في التراب، رافضا الانصات لنبض الشارع؟
ختاما، لو أن أثر ما يعتمل الشعب من غضب سيكون عليه لوحده لما كان لزاما طول الكلام ودوام التحذير الذي ما انفك ساسة ونقابيون وحقوقيون واعلاميون وغيرهم يحذرون منه، غير أن أثر ما يجري ويقع، تتجاوز حدوده شخصه إلى تهديد الاستقرار الاجتماعي والسياسي في البلاد، هنا، وحفظا على الأخير، لن ننفك من أن نقول لرئيس الحكومة “كفى” و”ارحل”، لأن هذا عين الصواب والعقل والحكمة.