المحجوب لال
يقال إن الأزمات تُنعش أرباح التجار، ولذلك تحارِب الدول القوية من يُسمَّون بـ “تجار الأزمات”، لما لسلوكهم من خطر على زيادة المشاق على العموم أو المتضررين، وتكليفهم مشاقا جديدة هم في غنى عنها، وأيضا، لأن الدول لا تقوم إلا على الأقوياء الخلص من أهل الفكر والساسة والاقتصاد والإعلام والنضال النقابي والحقوقي، والذين، تُظهر الأزمات حقيقتهم الناصعة ومعدنهم النفيس، حين ترتفع حرارة الامتحان المحلي والدولي، توترا أو غزوا أو حربا أو صراعات إقليمية أو أزمات طبيعية.
إن كان الأمر كذلك، فالناظر لما نحن فيه في المغرب، منذ تشكيل حكومة شتنبر 2021، برئاسة التاجر الأول عزيز أخنوش، يدرك ويرى، أن سلوكها العام مطبوع بالمتاجرة في الأزمات والاستفادة من استدامتها، خاصة منها ما تعلق بارتفاع الأسعار، لاسيما أسعار المحروقات.
ولو أن الأمر توقف عند استغلال أزمة الغلاء، بدواعي السوق الدولية والحروب الكونية، لهان الأمر نسبيا وتفهمه جزء منا، أما وأن الحكومة، لم تترك من باب للخير إلا أغلقته، ولا بابا للشر إلا وشرعته، فلنا الحق، بما نحمله في قلوبنا من حب لهذا الوطن قدر التقديس، أن نسأل، لماذا تفعلون هذا بوطنكم ودولتكم؟
تلاعبٌ في القوانين الانتخابية بشكل جعل المغرب أضحوكة دولية، واستثناء عالميا في نظام اقتراع ليس له نظير أو شبيه، وتقسيم للدوائر وحذف وتشطيبات مطبوعة بالخصومة والانتقام والاقصاء، وانخراط واضح ومفضوح لعدد من رجال السلطة في المعركة الانتخابية سندا ودعما لفئة، وتضييقا وخنقا لأخرى، وتوزيع للأموال بغير حساب ولا معرفة مصدر..
لم يتوقف العبث هنا، بل استمر باتفاق ثلاثي على الاستحواذ على كل شيء، على الأغلبية الحكومية ومجالس الجهات والعمالات والأقاليم والجماعات الحضرية والقروية والمقاطعات، ثم تقريب للزوجات والأصدقاء والأحبة في المسؤوليات ونيل الصفقات والمشاريع العمومية.
واستمر الإفساد والتخريب، بكيل الاتهام للمواطنين ونعتهم بما لا يليق من الأوصاف، والاستهزاء بمعاناتهم والضحك على ضيق حالهم، والكذب البواح في غير ما مرة، في ثمن الطماطم وسعر خروف العيد، ووفرته في السوق، والادعاء أن إصلاح المقاصة سبب الغلاء، وأن سحب قوانين الحكامة ومحاربة الفساد هو من أجل التجويد، وأن حرمان الوالدين من التغطية الصحية إنما هو في انتظار التوافق وووو وأن مصفاة لاسامير ليس لها من دور، عفوا، بل لها دور..
هذا العبث الذي لا تخطئه عين، ينضاف إلى كارثة أخرى جديدة، هي التضييق على العمل الخيري والتعاوني والتضامني، بتمرير قانون 18.18، بما ينذر بدخول فئات جديدة في مستنقع الفاقة الشديدة، من يتامى وأرامل ومطلقات وذوي احتياج وغيرهم، ممن كانوا يستفيدون من جمعيات تواكب حاجاتهم وتغطي بعض انتظاراتهم، واليوم، تعلن كثير من هذه الجمعيات عن قرب انتهاء دورها وتدخلاتها..
ثم هذا القتل الممنهج لكل عمل صحفي وإعلامي حر ومستقل، وتضييق على العمل الحقوقي والمدني الجاد والوطني، وإفراغ الساحة من كل نقابة أو حزب ذا تأثير وخطاب مسموع، بل تشويه صورة كل نزيه قادر على الإسماع، وتبخيس كلامه واستهدافه بما لا يليق..
الخلاصة، أن هذا الغلاء والتضييق والاعتداء على الجيوب، ومنع الأقلام والمفكرين، وتخويف أصحاب العقول والأفهام، ورسم مسار التشريع وبياضات القوانين، وطي صفحة التراكمات الجادة والإيجابية، بالبرلمان والمؤسسات الدستورية، وغيرها، تجعلنا نتساءل بكل عفوية: ما المرام منها؟ هل هناك جهة داخلية تريد من بلدنا أن ينجر للفوضى واللااستقرار؟ هل يعيقهم دور الملك في الحياة السياسية ويريدونها ملكية برلمانية يسود فيها ولا يحكم كما أشارت إلى ذلك جريدة “كود” قبل أيام؟ أم أن دور الملك كأمير للمؤمنين يقف أمام تخريبهم للأسرة المغربية وتعديلهم لقوانينها المنظمة؟ أم أن حدود شرههم الاقتصادي ورغبتهم الجامحة في المزيد تعيقه بنية الدولة الحالية؟ هل سيدفعون بالأوضاع للانفجار لأجل أرباحهم وخلفياتهم التخريبية والتحكمية مع جعل المواطنين حطب ذلك وشعلته؟ أم أن المواطن ونخبته، سيواجهون التخريب وسيطالبون بالإصلاح وإدارة الدولة بالمعقول؟ تلك هي المعادلة الصعبة حقا، معادلة تحقيق الإصلاح بروح الشعب وطموح الوطنين، لا بأجندات خفية ومشبوهة.