صالح المالوكي
1. لا ينكر أحد أن محطة انتخابات 8 شتنبر 2021 كانت استثنائية في تاريخ الانتخابات والسياسة عموما في بلدنا بخلفياتها الظاهرة والخفية ونتائجها وتعدد قراءاتها؛ فالبعض يراها انتصار لنخب جديدة تحمل الأزدهار للشعب المغربي وإزاحة للاسلامين الذين كان لهم الفشل الذريع، بينما يرى الإسلاميون وبتعبيرات مختلفة ادناها عدم الفهم لهذه النتائج وأنها غير منطقية ولا تعكس الإنجازات المختلفة والمعتبرة على مستوى الحكومة والجماعات.
2. الملفت كذلك للنظر هو بعض المؤشرات والوقائع فكثير من المؤسسات الدستورية صرحت في تقاريرها وبأرقام دالة أن الحكومة السابقة كانت لها إنجازات متميزة. أما المؤشر الثاني ورغم ما عرفته الحكومة الجديدة من إخفاقات في سنتها الأولى، ورغم احتجاجات المواطنين على تدني أوضاعهم، فإنه لما جاءت الانتخابات الجزئية مرت بنفس صورة سابقتها، وهذا بطبيعة الحال يزيد في تعميق الأسئلة حول مألات السياسة في البلد.
3. أما حزب العدالة والتنمية المتضرر من كل هذه السياقات فقد وجد نفسه مرميا مجروحا مكسورا واختلف الناس حوله فمنهم – وحتى البعض من أبنائه- من يقول انه سقط من الأعلى بسبب أخطائه وتنازلاته وتناقضاته الى غير ذلك، ومنهم من يقول وهم الكثر أنه أزيح عن الموقع والريادة لاعتبارات منها الخفي والظاهر، واليوم فالمتأمل لهذا الحزب يحس أنه رغم أنه استرجع وعيه من الصدمة ولكنه لازال يترنح ويتلمس السبيل إلى استعادة القوة والفاعلية وخصوصا أنه أصيب برضرض قوية وتشتت وهزل ما بقي في جيبه، فدعونا نقترب لنرى التجليات والاكراهات المطروحة على الحزب عموما:
١. لاشك أن رجوع الأمين العام عبد الإله ابن كيران أضفى نفسا جديدا يواكبه قناعة وايمان كثير من نخب الحزب في الاستمرار في نهج النضال الإصلاحي مهما كانت المعيقات.
٢. لابد كذلك أن نسجل كذلك الارتخاء الذي أصاب كثيرا من أعضاء الحزب الى حد الانكفاء والتخلي عند البعض تأثرا بمخرجات انتخابات 8 شتنبر فالاستحقاقات التنظيمية والانتخابية التي جاءت بعد ذلك فيها كثير من الدلالة على ذلك مما يطرح التحديات المنتظرة لاسترجاع القوة التنظيمية أو جلها.
٣. أن الآلة الحزبية للعدالة والتنمية عرفت قوة لم تعرف سابقا في تاريخ بلدنا على مستوى المقرات التي كانت مفتوحة و تنوع الاستحقاقات التنظيمية والتواصلية والإشعاعية وغير ذلك وكان كل ذلك في جله ناتجا عن الاستفادة من التمويل العمومي والذي يدور مع نجاحات الحزب في الاستحقاقات الانتخابية المختلفة، واليوم مع هذا الجفاف الانتخابي الذي عرفه الحزب وجفاف موارده لاشك أنه سيعيش عسرا كبيرا في إعادة تحريك الآلة الحزبية وإن كان من المؤكد انه لازال في الحزب مخلصون سيبذلون ويضحون لكن في تقديري أن الإشكالية ستبقى قائمة.
٤. صحيح أنه ليس من المنطقي أن يستيقظ الحزب مرة واحدة من صدمتة ويرتب كل أوراقه، لهذا فخلال الاجتماعات والاستحقاقات المختلفة التي تلت الانتكاسة كانت هناك كثير من التعبيرات المختلفة عن الإصرار والإرادة في الاستمرار والاحتجاج والتحليل والتأويل لكن كل ذلك لم يرق في تقديري الى مستوى الأطروحة المناسبة والمستشرفة والمعتمدة على القراءة العميقة والموضوعية لذات الحزب وللواقع من حوله مع بناء إجابات عن الإشكالات المطروحة وآفاق مشاركة الحزب في ظل المتغيرات الوطنية والإقليمية والدولية… فلا شك أن كثيرا من المنطلقات والمرتكزات السابقة تحتاح إلى إعادة التمحيص والتدقيق… فاليوم باختصار يحتاج الحزب الى بناء أطروحة جديدة وشاملة ومتداول ومصادق عليها من خلال المساطر الحزبية.
٥. أن المشاركة السياسية في واقعنا المغربي لا يمكن أن نعزلها عن الوضع الدولي والاقليمي ووضعية المشهد السياسي الداخلي وتفاعل الدولة مع كل ذلك… وهنا يعجبني كلام لايفتأ الاخ الأمين العام يكرره وفيه كثير من الحس السياسي والوطنية الصادقة والواقعية التي لا مفر منها يقول: نحن أبناء العدالة والتنمية مخلصون لديننا ووطننا وملكنا وسنبقى كذلك مهما كانت الظروف… فإن ارادتنا دولتنا فمرحبا واذا ظهر لها غير ذلك فمرحبا…. فهو يكرر هذا الكلام بصيغ مختلفة.
٦. وكما ذكرت سابقا وفي مقالات مختلفة أنه إذا أردنا تنمية حقيقية وخصوصا في هذه الظروف الصعبة التي يمر من العالم وتقوية لجبهتنا الداخلية لمجابهة التحديات المختلفة، فلا مفر لنا من ديمقراطية حقيقية وبكل الشروط المتعارف عليها مع طبيعة الحال احترام خصوصيات وثوابت البلد.