قد يكون المثل القائل “من شب على شيء شاب عليه” وكذلك “الطبع يغلب التطبع”، ينطبقان معنى ومبنى على حال مؤسستنا التشريعية، وأن انتظاراتنا منها ستبقى مؤجلة إلى أجل غير مسمى.
فكثيرون أمس صدموا مما راج في أول جلسة مخصصة للأسئلة الشفهية بمجلس النواب بعد جلسة افتتاح السنة التشريعية، حين خاطب رئيس فريق من الأغلبية رئيس فريق من المعارضة بكلام أقل ما يقال فيه أنه ينتمي إلى لغة الشارع، ويسيء إلى قائله وإلى المؤسسة التي ينتمي لها ولعموم الممارسة السياسية في البلد.
ما معنى أن يقول رئيس فريق لنظيره “مالك كتحنقز من الكرسي” ويعيدها مرات مصرا في ذلك على تلويث المؤسسة بهذا المستوى المنحط من التخاطب السياسي، فذلك لا يفيد إلا معنى واحدا “أن الفقيه لي كنتسناو بركتو دخل الجامع ببلغتو”، وأن ما انتقده الشارع المغربي من تغاضي وزير الثقافة على الإسفاف والابتذال الذي اقترفه شخص يقال إنه مغني ويدعى “طوطو”، أصبح ظاهرة عامة لم تسلم منها المؤسسة حتى التشريعية ذاتها.
في نفس الجلسة أصر وزير التشغيل وأشياء أخرى، إلى الاحتماء بلغة موغلة في الديماغوجية والبوليميك، فعوض الجواب عن سؤال المجموعة النيابية للعدالة والتنمية حول إقصاء الشباب من ولوج مباريات التعليم بتسقيف الولوج في 30 سنة، فضل الهروب على الأمام ورمي الكرة في ملعب المعارضة، مطالبا إيااها بالاتفاق أولا بعد أن أثار رئيس الفريق الحركي إشكاليات تتعلق ببرنامج أوراش حيث يتم تسجيل أشخاص في الستين من أعمارهم في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، فقط لمجرد النفخ في الأرقام، وإظهار البرنامج فعالا في التشغيل وهو لا يعدو نوعا من الدعم الاجتماعي المؤقت ليس إلا، مع ما يعتريه من ضعف الحكامة وسطوة الريع السياسي.
ما اقترفه الوزير هنا، أكبر من مجرد هروب إلى الأمام، فهو استبلاد للنواب ولعموم المواطنين، مادام الموضوعان مختلفان، فتسقيف سن الولوج لمباريات التعليم في 30 سنة، فيه مخالفة صريحة وواضحة لمدونة الشغل، ويضرب مبدأ دستوريا كامل الأوصاف يتعلق بمبدأ تكافؤ الفرص، أما تسجيل من وصلوا الستين في الضمان الاجتماعي، فهو يسائل الحكومة عن الهدف منه مع العلم أن برنامج أوراش لا يتيح فرصة الاستفادة منه إلا في حدود ستة أشهر كأقصى تقدير، بمعنى أن ذلك التسجيل لن يترتب عنه قيمة مضافة بالنسبة لهذه الفئة.
الوزير وطيلة الجلسة وكما هي عادته، أفرط في وصف إجراءات حكومته في التشغيل وإدارة الحوار الاجتماعي بأنها غير مسبوقة، وكأن المغرب كان خلاء ولم يتحقق فيه شيء، حتى جاءت حكومته بما لم يستطعه الأوائل، وكأني به يريد أن يقول “إن المغرب سيولد على يديه”.
هذا الوزير وغيره من أعضاء هذه الحكومة عليهم أن يعيدوا الإنصات بتمعن لخطاب الملك في جلسة افتتاح الدورة الخريفية، وأن يفطموا أنفسهم عن المزايدات السياسية، لأنها حين يجد الجد لا تنفع في شيء ولا تغني ولا تسمن من جوع.
رابط المشاركة :
شاهد أيضا