التشريع تحت رحمة “غياب النواب”

لم نعلق على المهزلة التي وقعت بمجلس النواب، بعد أربعة أيام فقط من خطاب جلالة الملك لافتتاح الدور الخريفية، بحضور 161 نائبا للجلسة العامة التشريعية للمصادقة على مشروع قانون الإطار رقم 03|22 بمثابة ميثاق الاستثمار، وغياب 234 نائبا.. لم نعلق على ذلك في حينه ليس استهانة بما وقع ورسائله السلبية في كل اتجاه، ولكن انتظرنا أن يُحدث ذلك ردة فعل بحجم الجرم الذي ارتكب في حق الوطن وفي حق المؤسسات، أولا  داخل الهيئات الحزبية وبالخصوص تلك المشكلة للأغلبية المريحة داخل تلك المؤسسة مادامت هي المعنية بنسبة أكبر من غيرها بما اقترفه الغائبون وبشكل يكاد يشبه التواطؤ على الجرم بسبق الإصرار والترصد، وثانيا انعكاس ذلك في وسائل الإعلام باعتبارها سلطة ولها أدوار رقابية لا يستهان بها أو بأثرها.
لكن لا شيء من ذلك وقع،  فالأحزاب التي نقصدها ركنت إلى عادتها القديمة وكأن لا شيء حدث وكأن الأمور عادية ولا تستدعي إعلان ” الطوارئ” داخلها، وتفعيل المحاسبة وترتيب الجزاءات على من تعمد الإساءة لنفسه وحزبه ووطنه بهذا الغياب غير المبرر وبهذا الحجم الذي لا يسر الناظرين من الأقارب والأباعد.
ولسنا في حاجة للبحث عن أسباب ذلك ولا لإجهاد أنفسنا في التحليل ومكابدة المقاربات، فالأمر في غاية الوضوح الفاقع للعيون.. إننا بكل اختصار أمام ثمرة خبيثة لشجرة خبيثة، تمتد جذورها إلى عمق مخرجات الثامن من شتنبر، التي تلبست بكثير من الاختلال، فأنتجت هذا النوع من الكائنات/ النخب التي لا تهمها صورة البلد، ولا تحركها الغيرة عليه، ولا تحمل في داخلها ذرة من المسؤولية،  تقتضي التزاما  وتفانيا في أداء الواجب وتحمل ومكابدة أعبائه حبا وطواعية.
إننا أمام نخب جاءت للسياسة عن طريق الخطأ، أو جيء بها لتقوم بأدوار معينة كان من نتائجها مخرجات الثامن من شتنبر، وبعدها لا يهم ما ستقترفه وتكبده للسياسة من الخسائر، وما ستسببه بسلوكاتها من فجوة بين المواطنين والمؤسسات، وما ستكرسه من عزوف وتذمر من العملية السياسية برمتها، وما ستكون سببا في فتحه من ” مجاهيل” أمام الوطن وساكنيه.
أما بالنسبة للإعلام ولجزء كبير منه، فإن آفة ” التطبيع” مع هذه السلوكات طوعا أو طمعا أصبحت من مشمولات عملية ” التطويع” بالرغب أو الرهب الذي مورس ومنذ مدة على هذا القطاع، فتحول جزء كبير من الإعلام إلى ” مبيض” لفرقاء سياسيين بعينهم، تارة بالتضليل وتارة أخرى بتطبيق الحكمة القائلة ” وكم حاجة قضيناها بتركها”.
في هذه الصحراء القاحلة  يظل حزب العدالة والتنمية شامة بتميز سلوك مناضليه ومناضلاته، فرغم ” التحجيم المقصود” وموقعه في المعارضة، فقد حضر أعضاء المجموعة في تلك الجلسة ولم يسجل إلا غياب واحد وبعذر معقول، كما أن فريقه في مجلس النواب كان سباقا لوضع آليات تتبع الغياب والحضور حتى قبل تضمين مقتضيات متعلقة بها في النظام الداخلي للمؤسسة، وهو بذلك بصم  وما يزال عن مساهمة مقدرة في تخليق الحياة السياسية وضخ المصداقية فيها.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.