لماذا العدالة والتنمية رقم صعب؟

المتتبع لأخبار هيكلة حزب العدالة والتنمية على مستوى كتاباته المحلية، بعد الفراغ من ورش الكتابات الجهوية وقرب الانتهاء من عمليات تجديد الكتابات الإقليمية، بالإضافة إلى تجديد قيادة الشبيبة والتحضير لتجديد قيادة منظمة نساء العدالة والتنمية، سيُطرح في ذهنه سؤال كبير، يتعلق بما الذي يجعل هؤلاء المناضلين متمسكين بحزبهم ومواصلة النضال داخله في هذا الظرف” القاسي” الذي يمر منه الحزب بعد” تسونامي 8 شتنبر”، وما أفرزه من وضع جديد بالنسبة للحزب لا يعكس امتداده المجتمعي ولا حضوره السياسي؟!!!!
ففي العادة عندما يكون حزب معين في وضع شبيه بهذا، فإن الناس تنصرف عنه، ويغادره  من تهافتوا عليه في “وقت الرخاء والغنيمة” والمكاسب والمواقع، ولنا في تاريخ المغرب أمثلة عديدة تجسد حقيقة ترسخت عبر الكسب التاريخي للفاعلين السياسيين، مفادها ارتباط السياسة في هذا البلد بالاستفادة والارتقاء الاجتماعي وحماية المصالح الخاصة والفئوية، وأن الانخراط في حزب دون آخر تحدده “قيمة” وفائض الاستفادة التي سيجنيها الملتحق، ولهذا نرى في تاريخ المغرب كتلة معروفة من “الكائنات الانتخابية” نغير انتماءها كما تغير جواربها، وعادة ما يحكم انتقالاتها وترحالها اللذين بلا حد ولا منطق هو ما تتوفر عليه من “حاسة الاستشعار عن بعد” التي نمتها خلال تجربتها الطويلة في السياسة، حيث تدلها تلك الحاسة على “الجهة الرابحة”، أو بمعنى أدق تستشعر هذه الكائنات إلى أين تتجه موازين القوى، ومن هي الجهة التي تحظى برضى “أصحاب الحال” والتي يتم تهيئة الظروف وتعبد لها الطرق لتحتل صدارة المشهد.هذه الخلاصة هي ما يفسر صعود أحزاب في فترة معينة وبسرعة قياسية، ونزولها بشكل حاد بمجرد انتهاء مبررات الاعتماد عليها والرهان عليها من طرف الماسكين بزمام الأمور المتحكمين في المشهد ومن فيه صعودا وهبوطا، ففي بداية الثمانينيات كان الراحل المعطي بوعبيد وزيرا أولا، وأسس قبيل انتخابات 1983 حزب الاتحاد الدستوري، ليتصدر نتائج الانتخابات بعد التحاق أغلب من تم تجميعهم في حزب سمي التجمع الوطني للأحرار والتي روهن عليها في مرحلة سابقة مع الأستاذ أحمد عصمان، نفس الحكاية تكررت مع حزب البام الذي جمع كل تلك “الخردة” التي “شبعت” انتقالا وتنقلا بين تلك الأحزاب، ومباشرة بعد تأسيسه سنة 2008، والفراغ من مرحلة الاستقطاب التي مرت عبر آلية “حركة لكل الديمقراطيين”، وبقدرة قادر سيتحصل على فريق مكون من 70 نائبا بمجلس النواب وفي “رمشة عين” من الزمان، واليوم كثير من هؤلاء انخرطوا في موسم الهجرة نحو تجمع أخنوش في رحلة عودة جديدة نحو نقطة الانطلاق الأولى.
هذه التحولات تؤشر على فقدان المعنى، وتحول الأحزاب إلى كيانات فارغة من أي مضمون سياسي، جعلها تكون رهينة لفئة من تجار السياسة ومتصيدي الفرص، وهؤلاء هم أول من يتنكر لها في وقت الشدة وانصراف الناس عنها، وتحول “عناية وعين “الإدارة والسلطة عنها نحو بدائل جديدة، تتم صناعتها بنفس الآليات وبنفس المنطق ولتحقيق نفس الأهداف، مع تغيير الوجوه وتجميل الخطاب مع متطلبات المرحلة، حتى أننا يمكن أن نعتبر تاريخ السياسة في المغرب بهذا المعنى، تاريخ تدخلات الإدارة وتحولاتها في التحكم في المشهد السياسي وضبط مدخلاته ومخرجاته.
حالة العدالة والتنمية التي كانت منطلق مقالتنا هذه تجسد اسثناء في هذه الصحراء السياسية، فالعدالة والتنمية حزب بناه مناضلون حقيقيون يربطهم بحزبهم انتماء عميق للفكرة الإصلاحية، وتدرجوا في محاضنه النضالية حتى استوى عودهم على مبادئ واضحة وراسخة لا تشيخ أبدا ولا تتأثر بتموجات الواقع السياسي وحركة المد والجزر فيه.
الانتماء للعدالة والتنمية وللأحزاب التي تشبهه ذات الرصيد التاريخي والامتداد المجتمعي على قلتها، هو انتماء للأفكار ولا يرتبط بعائد المصلحة أو الاستفادة أو الارتقاء الاجتماعي، وهذا لا يعني أن هذه الأحزاب لا تتسلل لها بعض الكائنات المصابة بداء” الاستفادة”، ولكن هذه الأحزاب تستطيع بمناعتها الداخلية أن تلفظ هذه الكائنات خارجها، وهذا ما يفسر إصرار مناضلي الحزب على انتمائهم والعض عليه بالنواجذ مهما كانت الظروف، لأن هذا الانتماء عابر للزمن السياسي الضيق بكل ما يكتنفه من صعود وهبوط، وانتصارات وانكسارات، وهو انتماء يهب أصحابه حياة أخرى لا يمكن قياس الربح فيها والخسارة بمنطق الماديات، ولكن بمنطق التمكين لأفكار معينة واستفراغ الوسع في ذلك، وهو في النهاية انتماء مصيري يتم فيه ربط الأعمار بقدَر الأفكار وجودا وعدما، ولهذا لا يمكن قراءة السلوك السياسي وما يقع اليوم داخل العدالة والتنمية من حرص على استكمال الورش التنظيمي دون تسجيل ما يعكر صفو هذا الاستحقاق التنظيمي، إلا ضمن مصفوفة القيم النبيلة التي تؤطر العمل السياسي النبيل.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.