قربال يكتب: العمل الحكومي والأفق المسدود
نور الدين قربال
إن ما نعيشه اليوم أزمة سياسية عجز مهنيو هذا المشهد من إيجاد حل له. لماذا؟ لأن مقاربة التشويه اتخذت بعدا تشريعيا وتنظيميا وسياسيا فولدت ميلادا حكوميا غير مفهوم. واستثنائي في العالم. ومما زاد الطين بلة أن هذا الميلاد هيمن كذلك ترابيا إلا بعض الحالات المنفلتة من هذا السيناريو. إضافة إلى التسيب المالي الذي لو تم به أداء حقوق الدولة والعباد لكان فيه الفوز في الدارين. وأؤكد أن الأمور ستتعقد أكثر وسنعمل على ترقيع المشهد من أجل “مكيجته” تخفيفا من الألم وحلما بالأمل. ومن مؤشرات هذه الهزيمة الترابية هو عدم تأشير والي جهة الدار البيضاء سطات على ميزانية جماعة الدارالبيضاء برسم سنة 2023. والعلة في ذلك ما يلي: الوثائق المحاسبتية المرفقة غير مؤشر عليها، خطأ في تقدير حصة الضريبة على القيمة المضافة، عدم احترام دورية وزارة الداخلية المؤطرة، عدم تسجيل متأخرات فوائد قروض صندوق التجهيز الجماعي، وأخيرا وهذه هي الفضيحة برمجة بعض النفقات التي لا تدخل ضمن اختصاصات مجالس المقاطعات. إذن يطرح سؤال الكفاءات مركزيا وترابيا. لذلك صرح السيد عبد الإله بن كيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية قائلا وملخصا “العبث بالانتخابات يجب أن يتوقف“.وفي هذا عبرة لمن أراد الخير لهذا البلد.
التعليم وحكومة “الكفاءات”
رسمت خريطة طريق ما بين 2022 و2026. من أجل إرساء نموذج جديد لتدبير إصلاح التعليم، بالتركيز على المدرسة العمومية. فهل وقع تغيير في المؤسسات العمومية خلال سنة 2022؟ إن كثيرا من المؤسسات العمومية تفتقر إلى شروط التحصيل، فكيف ندعي أمورا غير موجودة على مستوى الواقع. مضمونيا ولوجيستيكيا. كيف يعقل أننا نختار لغة التدريس بناء على ميزان القوة السياسي وكأننا نفتقر إلى مرجعيا ت وعلى رأسها الدستور؟ كيف نحرم أكثر من 50 في المئة من المتابعة لأنهم غير مرتبطين بالشبكة العنكبوتية ولدينا ثلاث شركات تملأ إعلامنا العمومي بالإشهارات؟ وإذا أقبل الناس على المدرسة العمومية لأن كل شيء ارتفع سعره بثلاث مرات أو أكثر. والطبقة الوسطى التي تحدث التوازن داخل الدول انتهكت، وحوصرت من كل مكان. فهل بهذا النقص ستوفر الحكومة التعلمات الأساس عن طريق التفتح، والمواطنة، والإلزامية، والأنشطة الموازية وتواجه الهدر المدرسي؟ وإذا كانت المواطنة هي التلازم بين الحق والواجب، فما هي الحقوق التي وفرتها الحكومة للتلميذ والأستاذ والمؤسسة؟ ومن الأمور التي تثير الإعجاب هو عقد شراكات مع الجماعات الترابية انطلاقا من: الحكامة، والجودة، والمسؤولية، والتمويل والتخطيط. لقد ذكرنا نموذج جماعة الدارالبيضاء أكبر جماعة بالمغرب وكيف رفضت سلطة الرقابة الإدارية التأشير على ميزانياتها، وكم من وحدة ترابية في حاجة إلى تكوين ذاتي وتربية من أجل الحكامة الجيدة انطلاقا من ربط المسؤولية بالمحاسبة. وحسب تقارير مهنية أن 70 في المئة من التلاميذ لا يتحكمون في المقرر الدراسي، عند استكمالهم التعليم الابتدائي، و90 في المئة الإعدادي والثانوي. وغياب هذه المكتسبات الضرورية لمواكبة المقرر الدراسي، مؤشر على أن الأزمة بنيوية. ويبدو لي أن المهندسين لهذا القطاع تائهون، أموال طائلة تصرف واجتماعات متعددة لكن التخطيط يعاكس الواقع ويعانق الإملاءات خاصة على مستوى لغة التدريس. إذن هل بهذا سنحقق ثورة في قطاع التربية والتعليم؟ لماذا اعتمدن الزبونية والحزبية في اختيار أعضاء المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي إلا النزر القليل؟
الدولة الاجتماعية وحكومة “الكفاءات”
أولا الحكومة جزء من الدولة ويجب أن تحترم اختصاصاتها. إن الدولة يتداخل فيها الاقتصادي، وجيوسياسي، والايديولوجي، والأمني، والتعليمي، والدولي، والسياسي، والديمقراطي إضافة إلى البعد الهوياتي والسيادي. إذن يجب أن نحترم نظام الحكم بالمغرب حسب الفصل 1 من الدستور “نظام ملكية دستورية، ديمقراطية، برلمانية واجتماعية”. وإذا سلمنا بأن الحكومة ستساهم في بناء الدولة الاجتماعية فأين نموقع الغلاء الفاحش الذي يعرفه المغرب اليوم؟ لماذا ضربت القدرة الشرائية للمواطنين والمواطنات؟ هل ما وقع ينسجم مع كرامة الإنسان الشعار المرفوع من قبل الحكومة؟ أين تتموقع الفئات الهشة والمتضررة؟ ما هي الإشارات القوية المكفرة عن الربح الفاحش في المحروقات 17 مليار درهم؟ وإذا سلمنا بتعميم التغطية الصحية هل فعلا هيأنا البنيات المستوعبة لهذه الفئات؟ كيف يمكن احتساب التعويضات على الملفات والتي تنتظر ردحا من الزمن؟ هل كل الفئات لها موقع في الضمان الاجتماعي؟ كيف يحدد الدخل الجزافي لبعض الفئات؟ هل الزيادات المحتشمة والمرتقبة للمعاشات تساير الغلاء الفاحش الذي فرضته الحكومة والتي يصرفها الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي؟ إن إنجاح مشروع الدولة الاجتماعية تتطلب كما أكدت على ذلك الحكومة ولكن لم تستطع الوفاء بوعدها نحو: الإقلاع الاقتصادي، والاجتماعي والالتقائية في التدبير، والنجاعة في التسيير. إذن أين نحن من هذه الشعارات الرنانة؟ أين إخراج مليون أسرة من الفقر والهشاشة، أين محاربة البطالة؟ أين مليون فرصة للشغل؟ هل نسبة النمو المقدرة قادرة أن تحقق الوعود الحالمة؟ ألم يؤكد بنك المغرب على تباطؤ النمو؟ كيف تفسرون تسارع وتيرة التضخم؟ هل من حلول استعجالية للزيادات القياسية للأسعار؟ هل فعلا تتوفر الحكومة على إرادة سياسية للإصلاح؟ هل ما زلنا نردد مستقبلا مصطلحي الثقة والأمل؟ لماذا سحبت الحكومة مشاريع قوانين تقلص من الفساد من البرلمان؟ لماذا ترفض الجواب على مجموعة من أسئلة البرلمانيين باعتبارها خارجة عن الاختصاصات؟
حصيلة حكومة “الكفاءات”
أصدرت الحكومة حصيلتها مكونة من 144 صفحة، والغريب لم تأخذ نصيبا فسيحا من النقاش والتداول، لأنه ليس فيها ما يثير الحوار والمناقشة لأن الغالب عليها لغة الخشب لأن الواقع شيء وما يقال شيء آخر. لأن الدولة الاجتماعية رؤية ملكية سديدة كما قال رئيس الحكومة السيد عزيز أخنوش لكن لم تفلح الحكومة في تنزيلها. للاعتبارات التي ذكرتها سابقا. رغم ادعائها بالانخراط الثابت، وبنفس إيجابي رغم الأزمة الدولية الخانقة. لكن الحكومات الجادة هي التي تحل أو تقلص من المشاكل بدل البكاء على الأطلال. لأن خطة التحول الاقتصادي تعثرت، مما عرقل عملية التشغيل. إذن فعلى أي حصيلة يتحدث عنها رئيس الحكومة عندما عنونها ب «المغرب لي بغيناه كاملين”. إننا نريد تشغيلا مستداما ومندمجا، وأمنا طاقيا ومائيا فأين توجيهات جلالة الملك في هذا الباب؟ نريد إتمام الإصلاح الإداري خاصة الرقمي منه، كما نريد مقاولات ومؤسسات عمومية مواطنة، كما نطمح إلى حماية اجتماعية “بالقواعد ديالها” شعارها: الديمومة والاستمرارية والاستدامة.
لقد وعدت الحكومة في برنامجها التي به نصبت، على مجموعة من الالتزامات الملائمة للنموذج التنموي الجديد. وأهمها التوافق بين العرض الصحي والحماية الاجتماعية. أما اليوم فهناك عطب بين الطرفين. أما نتائج الحوار الاجتماعي فهي غير مقنعة. والأهم في هذا كله هو غياب الثقة في العمل الحكومي عند الأغلبية التي تعاني من ضيق العيش.
ومما يؤسف جواب الحكومة على معيار الدعم المخصص لمهنيي النقل والمتجلي في” الحكومة تقدم الدعم بناء على مؤشرات ارتفاع أسعار المحروقات، فإن انخفضت ينخفض الدعم، وإن ارتفعت يرتفع مبلغ الدعم.” والإشكال عند الحكومة أن سعر المحروقات قد يرتفع أو ينخفض عالميا فهي لا تحرك ساكنا المهم أنها تجتهد فقط في اتجاه الرفع رغم قهر القوة الشرائية للمواطنين، فبأي منطق تفكر حكومة الكفاءات؟
الميزانية وحكومة الكفاءات
سجلت الميزانية عجزا قدر ب 30.5 مليار درهم. وبذلك لم تستطع الحكومة المحافظة على التوازن بين التقلبات الخارجية، والموازنة الداخلية. كل هذا ينتج عنه آثارا سيئة على مستوى تقييم التنقيط، ودرجة الاستثمار، والعجز في القيام بالتدابير الاجتماعية. نحو الدعم المقدم للمهنيين هل يحافظ على القدرة الشرائية للمواطنين واستمرار عمليات النقل وتمويل الأسواق؟ لقد تم تخصيص 300 مليار درهم للاستثمار سنة 2023. والتي وزعت بين صندوق محمد السادس للاستثمار، والميزانية العامة، والحسابات الخصوصية للخزينة ومصالح الدولة المسيرة بصورة مستقلة، والمؤسسات والمقاولات العمومية، والجماعات الترابية. والذي أثار انتباهي هو أن الاستثمار المتعلق بالجماعات الترابية يقدر ب 19 مليار درهم ويبدو لي أن موضوع الجماعات الترابية ورش يجب أن يفتح بجدية ومصداقية، خاصة على المستوى السياسي والمالي والتدبيري. لأننا لا يمكن أن نحدث التوازن بين اللامركزية واللاتمركز الإداري. والسؤال الجوهري هل فعلا قامت الحكومة بالتنسيق المحكم مع الأطراف المعنية من أجل حسن التنزيل لمقتضيات القانون الإطار بمثابة ميثاق الاستثمار؟
أمام هذا الوضع المتأزم، كيف سنحد من تأثير تغيير المناخ على الأمن الغذائي؟ ثم كيف ستوفر الحكومة التجهيزات الكافية للتمكن من التعايش مع التغييرات المناخية والتكيف معها؟ لقد استفادت الحكومة من ارتفاع المداخيل الضريبية بنسبة 18.7 في المئة. وهذا كفيل بأن يضمن مصاريف ونفقات للحكومة في قطاعات معينة. لكن سوء التدبير جعل نسبة النمو المتوقعة هي 1.25 حسب صندوق النقد الدولي خلال العام الجاري. وفي هذا الإطار نطرح الأسئلة التالية: كيف سننفذ المشاريع المهيكلة؟ كيف سنوسع الحماية الاجتماعية؟ هل من تحفيزات للاستثمار بالنسبة للقطاع الخاص؟ ماذا أعدت الحكومة للتقليص من عواقب وخيمة قد يفرضها التغيير المناخي؟ مع الإشارة أن البنك الدولي صرح بأن المغرب في حاجة إلى 78 مليار دولار للاستثمار في التنمية المناخية، من أجل مكافحة ندرة المياه والجفاف، ومواجهة الفيضانات، وإزالة الكربون من الاقتصاد، فهل الحكومة ستكون في المستوى بناء على التمويل والحكامة والإنصاف؟
لقد رفعت الحكومة شعار ميزانية المواطن، مركزة على الدولة الاجتماعية، وللإشارة فالحكومة تقلص المفهوم العام للدولة الاجتماعية. نحو إنعاش الاقتصاد، ودعم الاستثمار، والعدالة المناخية، واستعادة الهوامش المالية، وضمان استدامة الإصلاحات. لقد خصصت الحكومة 30.8 مليار درهم لقطاع الماء ما بين 2022-2026. وهذا الدعم غير كاف إذا ربطنا ندرة المياه بالتغيرات المناخية التي ستعرفها بلادنا حسب التقارير الدولية. نؤكد أخيرا وليس آخرا على أن المفروض هو تهيئ بيئة مناسبة للاستثمار على جميع المستويات، مع اعتماد منظومة قانونية متكاملة ومندمجة.
وأخيرا وليس آخرا
نؤكد على أن الريع لم يتوقف، والمؤشر هو استيلاء شركات المحروقات على 17 مليار درهم بشكل مشبوه، ولم نر أي إجراء حكومي رغم مناداة كل الأطراف بهذا ولكن لا حياة لمن تنادي. بماذا نفسر الاحتجاجات القائمة اليوم خاصة من قبل قطاعات لها وزنها داخل المجتمع إضافة إلى تحركات المواطنات والمواطنين هنا وهناك. وأصبح الغلاء كارثة وطنية. ولكن رغم ذلك يمكن للحكومة أن تستدرك من أجل إعادة النظر في المقاربة، من خلال: تجنب المستحيل ونهج سياسة الممكن، والتقرب من الفئات الهشة، وإعادة الثقة والأمل للشعب، والالتزام بمضامين البرنامج الحكومي وملاءمته مع النموذج التنموي، وترقية التواصل، والموضوعية في المقاربة، وتجاوز الخلافات بين عناصر الحكومة، واتخاذ إجراءات جريئة لتجاوز الأزمة، وتجاوز العمل الانفرادي إلى العمل المؤسساتي المسؤول. وأذكر الحكومة بالمبادئ الخمسة التي التزمت بها في البرنامج الحكومي وهي: تحصين الاختيار الديمقراطي وتعزيز آلياته-مأسسة العدالة الاجتماعية-وضع الرأسمال البشري في صلب تفعيل النموذج التنموي لبلادنا-جعل كرامة المواطن أساس السياسات العمومية-توسيع قاعدة الطبقة الوسطى وتعزيز قدرتها الشرائية والادخارية. إذن ما حظ ما سطر من العمل الحكومي أم أن النتيجة هو الأفق المسدود؟