رائد صلاح يكتب: كأس العالم في قطر.. ثقافة وسياسة ثم كرة قدم
الشيخ رائد صلاح
من يتابع وقائع مباريات كأس العالم في قطر، ودلالات هذه الوقائع ودلالات خسارة أو فوز منتخبات كرة القدم على اختلاف أسمائها في هذه المباريات، يجد أنها وما تصنع من أجواء حياتية يومية في قطر تحمل دلالات ثقافية وسياسية ثم تحمل دلالات رياضية نابعة من سيرورة التصفيات في هذه المباريات، وها أنذا أسجّل هذه الخواطر حول كل هذه الدلالات:
1. ظنَّ البعض، ممن لا يزالون يتمسكون بعقدة حتمية سيادة الرجل الأبيض على كل أهل الأرض، أن قطر بما أنها ليست من منظومة الرجل الأبيض، فهي عاجزة عن توفير البنى التحتية والأجواء المناسبة والنظام المطلوب لنجاح مباريات كأس العالم فيها، فهي في نظر أصحاب هذه العقدة الفاشية تملك المال ولكنها لا تملك القدرة على الإبداع في الإعداد والإدارة من أجل نجاح كأس العالم، لأنها دولة عربية ومسلمة وآسيوية وخليجية.
كل هذه الصفات تجعل منها -في نظر أصحاب هذه العقدة الفاشية- دولة متخلفة أو من دول العالم الثالث في أحسن الأحوال التي يجب أن تبقى تابعة لتوجيهات الرجل الأبيض! فمن هي حتى تستضيف كأس العالم؟ ومن هي حتى يضطر كل لاعب كرة قدم أوروبي أو أميركي أن يسافر إليها؟ ومن هي حتى تختم على جوازات سفر كل لاعبي كرة القدم العالميين كشرط لابد منه حتى يدخلوا إليها ويشاركوا في كأس العالم؟ ومن هي حتى تصبح في يوم وليلة قائدة لكل العالم في هذا الحدث الذي يستقطب كل قارات الدنيا، وكل سكانها، مطيعين لتوجيهات قطر على مدار موسم طويل اسمه (كأس العالم 2022)!
لم يقف أصحاب هذه العقدة الفاشية عند هذه الوشوشات، بل حاولوا بمكر الليل والنهار إفشال إقامة كأس العالم في قطر ثم نقله إلى دوله أخرى، وراحوا يذرفون دموع التماسيح على ما أسموه “حقوق العمال” المهدورة في قطر وفق ادعائهم، ويتباكون على الخمر التي ستحرم قطر كل المشاركين في كأس العالم منها، وعلى المثليين الذين ستلجم قطر أفواههم، وتمنعهم من المجاهرة بنصرتهم.
ها هي باريس التي لا تزال تستعرض عضلاتها علينا مدعية أنها حاضنة الثورة الفرنسية وقاهرة الباستيل، لا تزال تحتفظ بجماجم الثوار الجزائريين في متاحفها، ولا تزال تمنع المسلمات الفرنسيات من ارتداء الحجاب بادعاء أنه يصادم الثقافة الفرنسية
لم يكتف أصحاب هذه العقدة الفاشية بكل هذه الحركات البهلوانية الحاقدة الحمقاء، بل راحوا يطبلون ويزمرون، ويؤزون أبواقهم الإعلامية بكل وسائلها المختلفة للنيل من قطر ومن انتمائها الإسلامي العروبي، ومن انحيازها السياسي لهمومنا الإسلامية العروبية الفلسطينية!! وهكذا رموها عن قوس واحدة، ومشوا في النميمة ضدها باللغات الإنجليزية والفرنسية والألمانية والعبرية وحتى العربية في بعض الأحيان.
ثم جاءت لحظة الحقيقة وبدأ هذا الموسم الرياضي العالمي، وتوافدت منتخبات كرة القدم العريقة ذات الاسم العالمي مع الآلاف من مشجعيها إلى قطر، ثم بدأت المباريات على أرض المدرجات التي أعدتها قطر فكانت المفاجأة، وبهت أصحاب العقدة الفاشية من هول ما رأته أعينهم من روعة الإعداد والنظام الذي تفوق على كل دولة من الدول الحاضنة لأصحاب هذه العقدة الفاشية، نعم تفوقت عليهم جميعا بهذا الاتقان الخاطف للأبصار!
فها هي مدرجاتها الثمانية لم تشهد لها مثيلا كل دول الأرض بما في ذلك الدول الحاضنة لأصحاب هذه العقدة الفاشية، وها هي ترعى نظاما لسير كل المباريات على هذه المدرجات، ولحياة المشجعين في هذه المدرجات وخارجها يزاوج بين تمسكها بثقافتها الإسلامية العروبية وعدم فرض سياسة الإكراه الثقافي على ضيوفها لاعبين ومشجعين، فمنعت بحزم طائرة ألمانية أرادت الهبوط في قطر وهي تحمل علم المثليين لأن المثلية ثقافة تُصادِم الثقافة الإسلامية العروبية وترفضها.
من المنطلق ذاته منعت المنتخب الألماني لكرة القدم من وضع شارات على ملابسهم في بداية المباراة تحمل نففلسس الرسالة. لذلك من حق قطر أن تتمسك بثقافتها وأن تمنع ما يصادمها، ومخطئ من يدعي أن ذلك إكراه ثقافي وإلا ها هي أميركا التي لا يزال التمثال الذي أسمته “تمثال الحرية” يقف على قدميه عند ساحل نيويورك، رغم أن أميركا تمنع حتى الآن قيام أي حزب شيوعي فيها وتبرر ذلك أن الديمقراطية للديمقراطيين فقط!
وها هي فرنسا التي تستعرض عضلاتها مدعية أنها حاضنة الثورة الفرنسية وقاهرة الباستيل، لا تزال تحتفظ بجماجم الثوار الجزائريين في متاحفها، وتمنع المسلمات الفرنسيات من ارتداء الحجاب بادعاء أنه يصادم الثقافة الفرنسية، علما بأن كل الرسوم والتماثيل التي صنعتها الأيدي الفرنسية للبتول مريم عليها السلام تبرزها وهي ترتدي الحجاب، فهل معنى ذلك أن البتول مريم عليها السلام تصادم الثقافة الفرنسية أم أن المكيال الاستعلائي المقيت النابع من عقدة سيادة الرجل الأبيض هو الذي لا يزال يُوجّه فرنسا؟ الجواب واضح لكل عاقل.
وها هي الكثير من الدول الأوروبية تمنع المسلمين من مواطنيها من بناء المساجد للعبادة، أو من بناء مآذن لهذه المساجد بادّعاء أن هذا البناء يصادم بيئة الثقافة الغربية، مما يضطر الكثير من المسلمين إلى أداء صلواتهم في مرائب السيارات، أو ملاجئ العمارات السكنية كما كان عليه حال دار الأرقم بن الأرقم في العهد المكي من بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم. لو أردنا أن ندون قائمة سوداء -لهذا الاستعلاء الثقافي القائم على عقدة حتمية سيادة الرجل الأبيض- لكانت طويلة جدا. إذن لماذا يحاول بعض السفهاء حرمان قطر من تمسكها بثقافتها الإسلامية العروبية!
2. قطر لم تُفوت فرصة كأس العالم الذي استضافته على أرضها، حيث استضافت الداعية الإسلامي العالمي ذاكر نايك ونخبة من الدعاة، حتى يقدّموا للضيوف الصورة الحقيقية للإسلام، وليس الإسلام المشوه الذي تقدمه كثير من الأبواق الدولية الرسمية لبذر كراهيته ورفضه.
لنتصور لو أن الإسلام أُعطي فرصة واحدة كي يخاطب العالم، كما هو صافيا بلا تشويه، ستختلف الأوضاع كثيراً عما هي عليه الآن.
3. لفت انتباهي مجموعة فتية فلسطينيين يرتدون الزي الفلسطيني التراثي مع الكوفية الفلسطينية، وكانوا يستعرضون الدبكة الشعبية الفلسطينية في الهواء الطلق أمام كل وفود كأس العالم في قطر، فماذا كانت النتيجة؟ لقد رأيت بعيني فتية من مختلف الدول العربية يحملون العلم الفلسطيني وأعلام دولهم ويشاركون في أداء تلك الدبكة، وهم يغنون لفلسطين؟ ماذا يعني ذلك؟ إن ذلك يعني بوضوح أنَّ كل الشعوب العربية دون استثناء مع الحق الفلسطيني، وليست مع التطبيع ومقاولي التطبيع وبطاناتهم المرتزقة.
4. فازت السعودية في مباراتها ضد الأرجنتين، وفازت المغرب على الدانمارك، وكان هناك التعادل الذي أحرزته تونس والمغرب، فماذا كانت النتيجة؟ عمَّت الفرحة بين كل الجماهير العربية في قطر وخارجها، واعتبرت أن فوز السعودية هو فوزها، وأن فوز المغرب هو فوزها، مما يعني أن وحدة الشعوب لا تزال قائمة، ولم تفككها حدود سايكس بيكو المصطنعة، ولا تزال كل هذه الشعوب تتمنى أن تجدد العهد مع حاضنتها الإسلامية العروبية.
5. حاول مذيع إسرائيلي أن يخدع مشجعا مصريا، فتظاهر أنه مراسل من دولة أخرى، فسأل ذلك الشاب حول كأس العالم في قطر، فكانت المفاجأة أن قال له مباشرة: الحرية لفلسطين، بعد أن عرف حقيقة هذا المذيع.
6. من خلال كأس العالم اختلط كل أهل الأرض بأهل قطر، وبمن حضر من أمتنا الإسلامية وعالمنا العربي وشعبنا الفلسطيني، وتعرفوا عن قرب على الثقافة الإسلامية العروبية وعلى الحق الفلسطيني، ثم إنهم سيعودون إلى بلادهم ويحدثون أهلهم وأصحابهم عن ثقافة الرحمة والتسامح والصفاء، وأن الحق الفلسطيني منتصر ولن يضيع.
7. سيعود كل من زار قطر إلى دولهم وسينقلون لذويهم صورة الإسلام الحقيقية الصافية غير المشوهة كما سمعوها مباشرة ورأوها، سيتباهون بالصور التي التقطوها في قطر، وآخر ما سيتحدثون عنه هو كرة القدم.