محمد عصام يكتب: هل تصلح كرة القدم ما أفسدته السياسة؟

جميل أن نحتفل ونفرح بما يحققه المنتخب الوطني لكرة القدم في كأس العالم المقامة حاليا في قطر، ومتفهم هذا الفرح الذي يجتاح المغرب من أقصاه إلى أقصاه ويوحد المغاربة في تعبيرهم الراقي عن وطنيتهم وحبهم لبلدهم ولعلمهم.
متفهم ذلك لأنه يكشف حاجة هذا الشعب إلى فرح ينسيه ما يكابده جراء غلاء الأسعار وتدهور قدرته الشرائية، فرح يخرجه ولو لبعض الوقت من جحيم الضغط الذي يأتيه من كل مكان ومن كل المواد الأساسية للعيش، فالمواطن المغربي وجد نفسه رهينة حكومة سلمت زمامها “لباطرونا” جشعة تزداد ثراء بازدياد فقر مواطنيها، حكومة ولدت مصابة بعاهة تضارب المصالح، واستفحال النَّفس البورجوازي الذي لا يعرف غير منطق الربح ومراكمته.
في هذا السياق تحاول الحكومة و النخبة التي حملها تسونامي محطة 8 شتنبر، من استثمار انتصارات المنتخب المغربي لكرة القدم والأجواء العامة التي تخلفها تلك الانتصارات، من أجل التنفيس عن أزمتها مع المواطنين، والركوب على الحدث لخلق حالة من التواصل “الانتهازي” يجبر به عقمها التواصلي طيلة سنة من انتدابها، مستثمرة أيضا موقع أحد وزرائها في هرم إدارة الكرة بالمغرب.
لكن الذي لا يجب أن تنساه هذه الحكومة، أن هذه الفرحة هي فرحة عابرة لا يمكن أن تحجب إلى ما لا نهاية وضع الأزمة الذي وجد المغاربة أنفسهم فيه في غياب تام للحكومة واستسلامها لشجع شركات معينة من ضمنها شركة رئيس الحكومة التي تستحوذ على ما يفوق 40 في المائة من سوق المحروقات.
والأسئلة المطروحة على الحكومة لا يمكن لكرة القدم أن تجيب عنها بدلا منها، ومسؤوليتها حول الأوضاع المتردية والغضب المتنامي في كل المجالات ويشمل كل الفئات، مسؤولية قائمة وثابتة، لن تستطيع لحظة فرح عابرة مهما كان عظمتها ودرجة استحقاقها أن تعفيها من تلك المسؤولية.
إن المعركة الحقيقية للحكومة والأهداف التي يجب أن تسعى لإحرازها، يجب أن تكون في شبكة الفقر والبطالة ومحاربة الغلاء وانعكاس التضخم على القدرة الشرائية للمواطنين، فالمندوبية السامية للتخطيط في مذكرة حول نتائج بحث الظرفية لدى الأسر، أكدت أن 81.5% من الأسر صرحت بتدهور مستوى معيشتها خلال سنة 2022، وأن 2.8% فقط تمكنت من الادخار خلال نفس الفترة، كما أن 52.6% من الأسر صرحت بتدهور وضعتها المالية ، و 99.1% أكدت أن أسعار المواد الغذائية عرفت ارتفاعا كبيرا خلال 12 شهر الأخيرة، وأن فقط 2.8% فقط من ينتظر انخفاضها ما يدل على أن مؤشر ثقة المغاربة في التزامات الحكومة من البرنامج الحكومي ووعودها الانتخابوية ضعيف جدا، خاصة وأن التضخم ارتفع خلال سنة 2022 بنسبة 5 .5% أي بزيادة تفوق خمس مرات المعدل المسجل مابين 2017 – 2021 حسب معطيات المندوبية السامية للتخطيط ذاتها، كما أن الحصة الأكبر من التضخم تهم أساسا المنتجات الغذائية والمواد الأولية التي عرفت ارتفاعا مهولا في الأسعار.
هذه هي الأولويات التي يجب أن ينكب عليها عمل الحكومة، ولتدع فرحة المغاربة بفريقهم تكون عفوية وبريئة وصادقة، ولا تعول عليها في إصلاح ما أفسدته يداها.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.