محمد عصام يكتب: ماذا وراء قضية الإساءة لزكرياء أبو خلال؟!

أولا دعونا ننوه من باب “من لا يشكر الناس لا يشكر الله”، بما قامت به الجامعة الملكية لكرة القدم، من ردة فعل قوية وسريعة تجاه العفن والحضيض الذي حاول مقترفوه جرنا إليه، باتهاماتهم الباطلة في حق بطل من أبطال ملحمة المنتخب المغرب بمونديال قطر، اللاعب الشاب والأنيق زكرياء أبوخلال، والادعاء غير المؤسس والموغل في الحقد والضغينة، بأنه “سلفي يخترق المنتخب الوطني”.
كما لا يجب أن نمر دون التنويه بمبادرة المجلس الوطني للصحافة وجر مقترفي تلك الكبيرة إلى لجنة الأخلاقيات التابعة للمجلس.
لكن في نفس الوقت لابد أن نطرح الأسئلة المطلوبة والملحة حول الواقعة، من قبيل لمصلحة من انخرط الموقع المذكور في ذلك السعار على لاعب أبدع بالكرة كما أبدع بأخلاقه وسلوكاته خارج الملعب؟ ما الذي يريد مقترفو هذه الحضيض قوله؟ أو بعبارة أدق ما هي أهدافهم المعلنة وغير المعلنة في تسعير الحقد تجاه لاعب تم اختياره بدقة فائقة ضمن مجموعة لا تختلف عنه في شيء من حيث القيم التي يجسدها ويجسدها معه عموم المغاربة في صياغتهم لتدينهم المعتدل والمنفتح، والذي هو في الحقيقة خلاصة تجربة تاريخية جسدت على الدوام فرادة النموذج المغربي وتميزه عبر التاريخ؟
في السياق، يظهر أن معركة كبيرة تم إحباطها قبل وبعد بداية مونديال قطر، تم الإعداد لها في دهاليز الله وحدها يعلم قعرها وحضيضها، وكان الهدف منها تنمية وإنعاش التعبئة لنماذج حضارية مجتثة من عمقها الإنساني، وتميل بالإنسان المعاصر نحو الولوغ في قعر شهوانيةٍ تلغي إنسانيته، وتمحو الفوارق بينه وبين فصائل الحيوانات، تحت مسميات مغرية لكنها في العمق مضللة، من قبيل الحريات الفردية وغيرها من “الأفيونات الجديدة” لتخدير الشعوب وقتل وعيها بذاتها وبكسبها في الحضارة والتاريخ.
هذا المشروع تم إبطاله في قطر، أولا بالإنجاز الخارق لدولة قطر في الملاعب المرصودة والبنيات التحتية المواكبة، وكذلك بالاستثمار الذكي في التعريف بالنموذج الحضاري للإنسان الشرقي وبقيمه ودينه، وكذلك الوقوف سدا وبالقانون أمام المظاهر والسلوكات المرفوضة، من قبيل منع تناول الخمور في الملاعب ومحيطها ومنع السلوكات الأخرى المرتبطة بها.

معركة القيم قد حسمت بالكامل لصالح جبهة التدين والأصالة، وأكيد أن هذا الحسم لن يعجب جهات مختلفة، وأنها لابد أن تحرك أدواتها في الداخل المغربي لتدارك بعض الهزيمة ولو من باب التشويش

إذن على هذا المستوى منيت جبهة الاستثمار في الانحلال بهزيمة مدوية، لكن أداء المنتخب الوطني المغربي وحرص لاعبيه على بث رسائل حضارية كبيرة عقب كل انتصار ونزال، من السجود لله تبارك وتعالى، والاحتفاء بالأمهات، وروح الجماعة التي زرعها وليد الركراكي في المنتخب ومحيطه، والمفاهيم التي ولدها واكتسحت مجال التداول على المستويات المختلفة كرضى الوالدين، “ونديروا النية” وغيرها، جعلت معركة القيم قد حسمت بالكامل لصالح جبهة التدين والأصالة، وأكيد أن هذا الحسم لن يعجب جهات مختلفة، وأنها لابد أن تحرك أدواتها في الداخل المغربي لتدارك بعض الهزيمة ولو من باب التشويش الذي لا يغني ولا يسمن من جوع.
في هذا السياق يمكن أن نفهم سقطة الموقع إياه، وباستحضار تاريخ صاحبه، تتضح الأمور أكثر، فليس سرا أن كثيرا من الجسم الصحفي في هذا البلد وفي غيره، هي مجرد أدوات لتمرير أجندات يتم الاشتغال عليها بدقة، لاستهداف العمق القيمي للمجتمع المغربي، ومعلوم أن المغرب ولج نقاشا عموميا حول تعديل مدونة الأسرة، وما وقع بقطر جعل جبهة كاملة تتوجس بسبب النقاط التي ربحتها الجبهة المقابلة والمدافعة على الأصالة وقيم المجتمع، من خلال ملاحم أبطالنا في المنتخب المغربي وانحيازهم لقيم المجتمع وكسبه في التاريخ.

الصراع الذي كشفت عنه واقعة أبوخلال هو في العمق صراع حول إنتاج القدوات وتنمية الارتباط بالجذور والقيم

إذن فالصراع الذي كشفت عنه واقعة أبو خلال هو في العمق صراع حول إنتاج القدوات وتنمية الارتباط بالجذور والقيم،  وأكيد أن ما وقع اليوم ليس إلا جولة من جولات صراع سيستمر ما دام هناك خلل في موازين النظام الدولي، وسعيه إلى فرض نموذج حضاري واحد بكل الطرق الناعمة والخشنة، وتنميط العالم ضمن رؤية غربية متمركزة حول الذات، وبنزوعات هيمنية واضحة المعالم لا تخطئها العين.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.