مرة أخرى يستنكف الناطق الرسمي باسم الحكومة عن الجواب عن سؤال يتعلق باختلالات مباراة المحاماة، ففي الندوة الصحفية التي أعقبت اليوم اجتماع مجلس الحكومة، أعاد الناطق الرسمي باسم الحكومة ما سبق له أن صرح به في ندوة الأسبوع الماضي، من كون وزير العدل عبد اللطيف وهبي سيقوم بتوضيح في الموضوع، في إشارة على خرجته على القناة الثانية.
فلماذا يصر الناطق الرسمي على الهروب من هذا السؤال؟ ولماذا الحكومة تتجنب الخوض في هذا الموضوع رغم حجم الغضب والاستهجان الذين فجرهما في صفوف عموم المواطنين وتناقلته وسائل إعلام دولية، وأصبحت معه فضيحة المغرب ب” جلاجل” كما يقول إخوتنا المصريون؟
إن هذه الواقعة تعري بجلاء أن آخر شيء تفكر فيه هذه الحكومة هو المواطن والاهتمام بما يصدر عنه من تفاعل مع الوقائع والأحداث، وأنها تعتبر نفسها غير معنية لا بغضبه ولا باقتراحاته، وأنه كيفما كان الأمر فهي ماضية بكل صلف في تفعيل توجهاتها وتنزيل اختياراتها، ومن بعد ذلك فليكن ما يكون !!!!
إنها نظرة استعلاء وتكبر على المجتمع وما يتفاعل داخله، تترجم توجها في الإدارة وتدبير الشأن العام، لا يولي أهمية لصوت الشعب ولا يقيم له وزنا، وفي المقابل يجسد حالة من الطمأنينة والارتياح لاستتباب الوضع واستقراره، ويعكس أيضا الاطمئنان في التوسل بأدوات الإخضاع الناعمة والخشنة، التي يتم بها ترويض الفاعلين من نقابات وإعلام ومنظمات مدنية.
إننا أمام حالة في التدبير تعتبر نفسها فوق المساءلة، وأن الغضب الشعبي بتعبير وزير ما تبقى من العدل ليس إلا زوبعة صغيرة لن يكون لها أثر على السياسات العامة ولا على مصير الذين يدبرون شؤون الناس.
وهي حالة ليست جديدة على من حملتهم موجة 8 شتنبر إلى سدة التدبير، فمثلا في عز المقاطعة الشعبية والتي استهدفت شركات منها شركة رئيس الحكومة في المحروقات، وطيلة تلك المدة اختار هذا الأخير اللجوء إلى الصمت وكأن الأمر لا يعنيه في شيء، من باب “وكم حاجة قضيناها بتركها”.
وفي الحالات الناذرة لخروج مسؤول حكومي لتوضيح الموقف، خرج لنا من حزب رئيس الحكومة وزير المالية آنذاك محمد بوسعيد ليتهم المغاربة بأنهم “صكوعة” فقط لأنهم عبروا بشكل حضاري عن موقفهم وترجموه إلى عملية مقاطعة ناجعة وناجحة، لينتهي الأمر بالوزير بمغادرة الحكومة دون أن يعرف أحد أسباب المغادرة إلى يوم الناس هذا.
النخبة التي حملتها أمواج 8 شتنبر، هي نخبة تستقوي على الشعب بنفوذها ومالها، فهي أولا لطخت الديمقراطية بإمعانها في الفرز على قاعدة المال والقرب من السلطة وامتلاك النفوذ، وهي الآن تدبر بنفس المنطق الممعن في التنصل لكل أبجديات الديمقراطية، بدءا من تجريد المعارضة من آليات الرقابة كما هو واقع في البرلمان، بالاستعانة بالتفوق العددي لتفريغ الآليات الرقابية من مضمونها أو الالتفاف القبلي عليها ووضع آليات الكبح الذاتية كما يحصل بمكتب مجلس النواب على سبيل المثال، وكما يقع في أغلب المجالس الترابية للأسف الشديد، وانتهاء باحتقار الشعب وعدم التجاوب معه ومع مطالبه.
هذه النخبة قاصرة على فهم الديمقراطية بأبعادها الكبرى، ولذلك تختزلها في أصوات انتخابية حازتها بطرق ليست بالضرورة شريفة، وتجعلها مدخلا للتحكم في القرار والمصائر بشكل لا يقبل المشاركة أو التعقيب او الانتقاد، والحال أن الديمقراطية وإن كانت الأصوات والانتخابات مظهرا جليا لها، فهي فلسفة تقوم على التشارك والإشراك، كما تقوم على الإنصات والتفاعل الإيجابي مع ما يروج في المجتمع.. الديمقراطية في المحصلة لا يمكن اختزالها في الأرقام والأصوات، ولكنها روح يجب أن تسري في كل أوجه الحياة العامة، حيث يجد كل واحد صدى لصوته ورأيه، وتفاعلا مثمرا معه، أما الهروب إلى الأمام فهو سلاح العاجزين والجبناء غير القادرين على مجابهة الفكرة بالفكرة والرأي بالرأي الآخر.
قد تختزل واقعة امتحانات المحاماة أبعادا أخرى ستجيب عنها الأيام اللاحقة من قبيل:
هل ترك الوزير وهبي وحيدا في مواجهة الغضب الشعبي دون إسناد حكومي، هو بداية للتخلص منه، أم هو هروب جبان من الحكومة ورئيسها من تحمل المسؤولية، والنهوض بما يفرضه واجب التضامن الحكومي؟
وهل سكوت حزب وزير العدل أيضا، يحمل نفس الرسائل السابقة؟
هذه أسئلة نتركها للزمن فأكيد أنه لن يبخل بأجوبة عنها مصداقا لقول طرفة بن العبد:
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا
ويأتيك بالأخبار من لم تزود
رابط المشاركة :
شاهد أيضا