العقوبات البديلة حل لمعضلة الاكتظاظ أم جعل السجن حكرا على الفقراء؟

تفاعلا مع النقاش المثار حول العقوبات البديلة، ولاسيما حديث وزير العدل عبد اللطيف وهبي، عن شراء المحكوم عليهم لحريتهم مقابل مبلغ مالي يومي، قال الباحث الأكاديمي بلال التليدي، إن مقترح الوزير جاء بدعوى حل معضلة اكتظاظ السجون، مشيرا إلى أن المسؤول الحكومي بدل أن يمضي رأسا إلى حل هذه المعضلة، والذي يمر أساسا عبر معالجة مشكلة الاعتقال الاحتياطي، فضّل أن يجعل من هذه المشكلة المعضلة مبرراً للجوء إلى العقوبات البديلة.
وأضاف التليدي في مقال رأي نشره بعربي بوست، 25 يناير 2023، المثير في سلوك وهبي أنه لم يجعل العقوبات البديلة حلاً لمشكلة الاعتقال الاحتياطي، التي تعتبر السبب الأول في ظاهرة اكتظاظ السجون، فهذه الحالة (الاعتقال الاحتياطي)، لا تعتبر في القانون الجديد من دواعي اعتماد العقوبات البديلة، لأن الاعتقال الاحتياطي هو إجراء يسبق النطق بالحكم، بل هو مجرد إجراء يسمح بتعميق البحث واستجماع المعطيات التي تسهل المحاكمة.
وأكد الكاتب أن وزير العدل لم يعمل على أن توفر وزارته للرأي العام خلاصات دراسات وإحصاءات أنجزتها لتقييم أثر العقوبات السالبة للحرية، وبشكل خاص، ظاهرة العودة للجريمة، حتى يتم بناء قناعات بشأن هذه العقوبات السالبة، وهل صارت غير قادرة على تحقيق أهدافها الردعية والإصلاحية؟ أم أن المشكلة في مكان آخر، يتطلب البحث عنه؟
وأشار التليدي إلى أنه مهما كانت تبريرات الحقوقيين لاعتماد هذا النمط من العقوبات، فإن حكمة المشرع في العقوبة تَبني أساساً فكرةَ الردع على هذه الآثار، وتفتح قوساً للإصلاح من خلال السياسة السجنية. ولذلك، المفترض في التأسيس لأي مشروع قانوني يخص السياسة الجنائية، أن ينطلق من تقييم تأثير العقوبات المعمول بها في تحقيق الردع والإصلاح، لا مراعاة نفسية المقترف للجريمة على حساب مصالح المجتمع وأمنه واستقراره.
وذكر المتحدث ذاته أن هذه العقوبات، بالإضافة إلى مشكلة الإطار الفلسفي المبرر للجوء للعقوبات البديلة، تطرح إشكالا يمس أهم المبادئ الموجهة للقاعدة القانونية، أي قاعدة العموم، وما يترتب عليها من الشرعية ومراعاة المساواة، كما تُسهم في زعزعة المنظومة الجنائية.
بيان ذلك، يقول التليدي، أن استبدال العقوبات السالبة للحرية بالغرامات المالية، سيكرس من حيث المبدأ واقع عدم عموم القاعدة القانونية، لأن هذا الإجراء القانوني يستهدف بدرجة أولى الأغنياء من المحكومين دون الفقراء، ومن ثم فإنه يمس بمبدأ المساواة، ويعرض شرعية القانون للتهديد، ما دام الفقراء سيكونون خارج الاعتبار، وغير مشمولين بفوائد هذا القانون الجديد، وسيكرس واقعا جديدا يقرر أن السجن مُنشأ فقط للفقراء.
الخطير في المقاربة التي طرحها وزير العدل، يردف الباحث الأكاديمي، هو ما سيترتب على استبدال العقوبات السالبة للحريات بالغرامات المالية من هدم البناء الجنائي برمته، إذ ستُسهم هذه الغرامات في استسهال فئة من الميسورين لبعض الجرائم، وإقدامهم على ارتكابها، ما دامت هناك دائماً فرصة لشراء السجن بالمال.
وأوضح، لأنه مادامت هناك طريقة مقدور عليها للتخلص من العقوبة، فذلك يزيل عنصر الردع، ويُبطل مفعول العقوبة برمتها، ويجعل القانون الجنائي فاقداً لمعناه، خاصة أن المشرع لا يستصغر أي جريمة مهما كانت، سواء تلك التي ترتب عليها عقوبات مشددة، أم التي ترتب عليها عقوبات مخففة، فوازع الردع مقصود في كل العقوبات من دون استثناء، فلا مبرر لإزالة عنصر الردع بتقرير عقوبات يقدر عليها الميسورون.
هذا النوع من مقاربة المنظومة الجنائية، يقول التليدي، يكرس واقع أن حكومة عزيز أخنوش جاءت في الأصل لتعبّر عن مصالح الأغنياء، والجديد الذي سجله هذا القانون، أن هذه الحكومة لا تقتصر فقط على التفكير في أبناء البلد الذين يتمتعون بالحرية، بل تضع نصب عينها مصالح الأغنياء، الذين هم في السجن، أو الذين يُفترض في القادم من الأيام أن يتعرضوا لعقوبة سجنية.
وخلص التليدي إلى أن وهبي بمقرحه، جاء ليعطي ضمانةً لهم، من خلال هذا القانون، بأن المكان الطبيعي للأغنياء في زمن حكومة أخنوش هو مجال الأعمال، وأن الفئة الوحيدة التي تستحق السجن في الماضي والحاضر والمستقبل هي فئة الفقراء.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.