أحمد نور الدين: ابتزاز المغرب بين الذئاب الغربية والعداوة الجزائرية

أحمد نور الدين


معروف عن الولايات المتحدة انها ترفع شعار “أمريكا ليس لها اصدقاء دائمون ولا اعداء دائمون، أمريكا لديها مصالح دائمة”. هذا الشعار يختصر كل المسافات، فما دامت الدول الغربية تُقدّر أنّ لديها مصالح حيوية في الجزائر، سواء في الشق الطاقي او الاستراتيجي او الأمني فستعمل على تطويرها او على الأقل الحفاظ عليها. ونحن نعلم أن الغرب يبحث من الناحية الاستراتيجية عن محاصرة الوجود الروسي في العالم عموما بما فيه إفريقيا التي تهمنا في هذا المقال، والجزائر أحد حلفاء روسيا التقليديين وثالث أكبر زبون لصادراتها العسكرية على المستوى العالمي بعد الصين والهند، وقد أصبحت الجزائر جسراً لوجستياً لعبور الإمدادات العسكرية الروسية جواً نحو مالي ودول افريقية اخرى، لذلك فهي تشكل بؤرة تركيز أمريكي وأوربي لتفكيك ارتباطها مع موسكو.
ونفس الشيء بالنسبة للطاقة، فبالإضافة إلى الاستثمارات الضخمة للشركات الأمريكية والأوربية مثل أكسدونتال الأمريكية، وطوطال الفرنسية، وإيني الإيطالية، وغيرها في حقول النفط والغاز الجزائرية، فإن هذا الملف يتقاطع في الظرفية الراهنة مع الهدف الغربي في محاصرة روسيا، فأوروبا بحاجة مستعجلة إلى زيادة تدفقات الغاز من الجزائر لتعويض جزء من الصادرات الروسية، وذلك في انتظار استكمال بناء محطات معالجة الغاز المسال الأمريكي الذي سيعوض على المدى المتوسط والبعيد الغاز الروسي.
وهذه واحدة من الغنائم الكثيرة لواشنطن من حرب روسيا على أوكرانيا. فمن المتوقع أن تستحوذ واشنطن على حصة مهمة من سوق توريد الغاز المسال نحو أوربا، وبذلك ستحقق مكاسب اقتصادية بأرقام فلكية. فقد بلغت قيمة الواردات الطاقية لأوروبا من روسيا، سنة 2021 على سبيل المثال، حوالي 150 مليار دولار. وخسارة موسكو لكل هذه المداخيل سيُكبّد اقتصادها خسائر فادحة قد تعيد إنتاج سناريو الاتحاد السوفييتي في أفغانستان، ولكن مع روسيا هذه المرة في أوكرانيا، فنحن نعلم أن دخول مستنقع الحرب في أفغانستان كان من أبرز العوامل التي سرّعت من تفكّك الإمبراطورية البُلشفيّة. وفوق هذا وذاك، سيتمكن “العم سام” من إعادة أوربا إلى بيت الطاعة بعد محاولات محتشمة للتخلي عن المظلة الأمريكية.
على الصعيد الأمني، ورغم أن الجزائر متورطة في علاقات مشبوهة مع الجماعات الإرهابية كما كشفت عن ذلك وثائق ويكي ليكس المسربة من السفارة الأمريكية بالجزائر على عهد وزيرة الخارجية هيلاري كلنتون، وكما كشفت عنه عملية عين أمناس لجماعة “الموقعين بالدم”، وكما أكده تورط الجنرال آيت واعرابي مع الجماعات الارهابية، فإنّ ذلك لم يمنعها منذ 2010 وربما حتى قبل هذا التاريخ من تقديم تسهيلات بشكل سري، لطائرات الاستطلاع وطائرات الدرون الأمريكية في قاعدة تمنراست العسكرية، بل تحدثت ساعتها تقارير عن وجود عناصر القوات الخاصة الامريكية في تلك القاعدة للإشراف على توجيه ضربات للقاعدة وداعش والجماعات المتحورة الاخرى في دول الساحل مثل بوكو حرام وغيرها.
والوضع لا يختلف اليوم بعد عشر سنوات، بل ربما زادت الحاجة بعد خروج فرنسا من مالي وبوركينافاسو، إلى الحصول على نقطة ارتكاز لواشنطن جنوب الجزائر في حربها ضد الإرهاب وضد مرتزقة فاغنر الروسية، على اعتبار أن الجزائر لديها حدود كبيرة مع مالي والنيجر تتجاوز ألفي كلم (2000 كلم). وهذا دليل على اللعبة المزدوجة والقذرة التي تمارسها الجزائر والتي لا يمكن فهمها دون تفكيك شيفرة عقيدة العداء للمغرب، وإصرارها المرضي على هدم وحدته مهما غلا الثمن.
والولايات المتحدة كما فرنسا وايطاليا وبقية الدول الأوروبية تعلم أن الجزائر في ورطة كبرى وعلى شفا انهيار سياسي واجتماعي كما أكدته تقارير منظمات دولية وتقارير سفارات غربية مختلفة، آخرها مقال السفير الفرنسي السابق بالجزائر كزافيي دريانكور الذي نشرته جريدة “لوفيغاور” مطلع يناير 2023، لذلك فهي تسارع الزمن لانتزاع أكبر قدر من الامتيازات الاقتصادية والطاقية والأمنية، والفوز بأكبر قطعة من الحلوى الجزائرية. أما جنرالات “نادي الصنوبر”، فكل همهم منصب على فك العزلة عن نظام عسكري مرفوض شعبيا، ومخنوق اقتصاديا ومُحتقن اجتماعيا وسياسيا.
وخارج هذا الهدف البئيس الرّخيص، يسعى النظام العسكري الجزائري إلى انتزاع مواقف أو حتى أنصاف مواقف من صراعه ضد المغرب ووحدة وسلامة أراضيه، وفي سبيل ذلك يمكن أن يضحي بمصالح شعبه وسيادته ونفطه وغازه كما حدث مع إسبانيا بعد إعلانها دعم الموقف المغربي في مارس 2021، وكما تؤكده التصريحات المتواترة للرئيس تبون وقيادات الجيش الجزائري، وكما أثبته الواقع عبر إغلاق أنبوب الغاز العابر للمغرب، ومن خلال تبديد مئات المليارات من الدولارات على المشروع الانفصالي في الصحراء المغربية طيلة نصف قرن.
لكل هذه الاعتبارات على المغرب في خياراته الاستراتيجية، ألا يوقع صكّاً على بياض لأي دولة كانت، بل عليه أن يواصل سياسة تنويع الشركاء في كل المجالات الاقتصادية والتجارية والأمنية والاستراتيجية عبر العالم من اليابان إلى البرازيل، وأن يرسخ توجهه وتجذره الإفريقي، وأن يسرّع مخططات الإقلاع الصناعي وتحقيق السيادة في القطاعات الحيوية، وأن يعزز الجبهة الداخلية بالخيار الديمقراطي دون أدنى تردّد.
وإلى جانب ذلك على بلادنا أن ترفع من درجة اليقظة والحذر، وأن تضع السيناريوهات اللازمة لمواجهة تقلبات رياح المصالح الغربية التي تنظر إلى بلدان العالم بمنظار الذئب إلى الغنم، وقد رأينا كيف خطفت واشنطن صفقة الغواصات الموجهة لأستراليا من بين يدي حليفتها فرنسا، فما بالك حين يتعلق الأمر بدولة افريقية أو عربية!

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.