مواقع إعلامية وما يسمى “مؤثرين”، يتنافسون منذ صباح اليوم على التبشير ونشر خبر انخفاض أسعار المحروقات في محطات التوزيع، وكأنهم يزفون إلى المغاربة “ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر بقلب بشر” !!!!
والحال أن الانخفاض لا يتجاوز في أحسن الأحول 32 سنتيما بالنسبة للغزوال، وفي بعض المحطات فقط، و20 سنتيما بالنسبة للبنزين.
هذا كله يقع وثمن النفط في السوق الدولية لا يتجاوز 80 دولارا للبرميل، وهو ما يعني أن سعر الغازوال لا يجب أن يتعدى 10،25 درهما للتر الواحد، وهو ما سبق لوزيرة الانتقال الطاقي أن كشفته في اجتماع للجنة البنيات الأساسية بمجلس النواب في بداية الولاية، وقدمت بخصوصه وثيقة عبارة عن جدول يعكس تحول أثمنة المحروقات بالمغرب صعودا وهبوطا، في علاقتها مع السوق الدولية، قبل أن تتراجع عن ذلك كما تراجعت عن تصريحها بخصوص المخزون الوطني من المحروقات الذي قالت أنه لا يتجاوز 26 يوما في أحسن الأحوال.
معنى هذا الكلام أن الذين يقيمون “عرس” التطبيل لهذا الانخفاض البسيط والذي لا يسمن ولا يغني من جوع، وأيضا لا يتوافق مع ما يجب أن يكون عليه سوق المحروقات اعتبارا لما سبق أن صرحت به الوزيرة بفارق كبير يقارب درهمين ونصف أو يزيد في اللتر الواحد، إنما يقومون بأبشع أنواع التضليل والضحك على الذقون، ولو قدر لـ “جوسيف غوبلز ” رائد “الدعاية” في زمن هتلر، أن يبعث حيا، لرفع الراية البيضاء لهؤلاء “المضللين” وبائعي الوهم، ولكان لسان حاله يقول “يا لوقاحتكم” !!!!!.
نقول هذا الكلام بثابت الوعي وسبق الإصرار، لأنه لا معنى للصوم عن الكلام والأخبار تأتي من كل مكان، حول اقتناء المغرب للنفط الروسي بثمن بخس، يقل عن ثمن السوق الدولية ب 70 بالمائة تقريبا، بل تحول المغرب إلى مصدر لهذا النفط إلى كل من تركيا وجزر الكناري، كما كشفته جريدة ووول ستريت، وبعد ذلك يتسابق هؤلاء في “كراء حنكهم” للتبشير بهذا الانخفاض اليسير في أثمنة المحروقات، كما فعلوا بخصوص الخضراوات واللحوم، رغم أن المغاربة ما زالوا إلى يوم الناس هذا يبحثون عن السوق والجزار الذي اقتنى منه وزير “النطق باسم الحكومة” اللحم ب 75 درهما، ولم يجدوا له إلى حدود الساعة أثرا ولا عنوانا.
إن أقبح ما يمكن أن تجلبه هيمنة “الر أسمال” على الفعل السياسي، هو تزييف الوعي، بالتحكم وإحكام القبضة على الإعلام وتنميطه، وتحويله إلى مجرد “فم تأكل به الحكومة الثوم” وتشيع به التضليل والكذب والتزييف، فمن اليسير أن نمرر عبر هذا النوع من الإعلام ما نريد،ومتى نريد، وكيف نريد، لكن الذي لا يمكن التحكم فيه بتاتا هو مآلات هذا التزييف والتضليل، التي تصل إلى مستويات فقدان الثقة في كل شيء، وبالتالي فتح الباب أمام المجهول.
معركة الثقة هي معركة أساسية في البناء الديمقراطي، وعليها يتأسس كل شيء، ودونها لن تقوم لا للتنمية ولا للديمقراطية قائمة، نظرا للتلازم بينهما كما تؤكده وقائع التاريخ والتجارب الإنسانية الحديثة والقديمة، وقديما قال ابن خلدون رحمه الله “الاستبداد مؤذن بخراب العمران”.
اليوم أصبح كثير من الجسم الإعلامي ومعه أغلب النخب السياسية عراة أمام المواطنين، ورصيدهم صفر من المصداقية، وهو وضع من الخطورة بمكان لأن الاستمرار فيه مؤذن بالخراب لا محالة، ومن يستثمر في هذا المجال أو يعتقد أن العائد منه يغنيه عن كلفة تحصيل المصداقية وتعزيز الثقة، فهو واهم بل غارق في الوهم إلى أخمص قدميه، فعندما يفقد المواطن الثقة جزئيا أو كليا في نخبه، فإنه سيلجأ إلى بدائل أخرى، وباستهلاكها سينمو منسوب الخطورة ولا أحد يمكنه التكهن بمآلاتها وحدودها .
رابط المشاركة :
شاهد أيضا