بوليف يكتب: قراءة مختصرة للوضع الاقتصادي بالمغرب

إذا أردنا أن نقيم الوضع الاقتصادي بالمغرب خلال مطلع عام 2023 فيجب التنبيه بداية إلى وجود تضارب / تباين (contraste) في فهم وتحليل المعطيات، وكذا التعاطي مع آثارها خلال الفترة السابقة. فمن جهة حقق المغرب خلال 2022 مداخيل استثنائية غير مسبوقة، نختصر أمثلة منها:
– ارتفاع تحويلات مغاربة العالم التي فاقت 109 مليار درهم، مقابل 93.6 م.د سنة 2021 و 64 مليار مثلا سنة 2018، (أي بزيادة +45 مليار درهم خلال 4 سنوات، وزيادة 15.4 مليار عن 2021.)
– ارتفاع مداخيل السياحة إلى حوالي 91.3 مليار درهم (+166 % عن 2021)، و (78 مليار درهم في سنة 2019 العادية قبل كوفيد)…أي +13 مليار خلال 4 سنوات…أو +57 مليار درهم قياسا ل 2021.)
– تحقيق مداخيل قياسية للفوسفاط: حوالي 115.5 مليار درهم، (+44 % قياسا ل 2021، أو ما يعادل+ 36 مليار درهم)، نظرا لارتفاع الأسعار ورغم تراجع واضح للكميات المصدرة…
– إنجاز مداخيل قياسية لمبيعات السيارات: حوالي 111.3 مليار درهم، (+33 %، أو + 27.6 مليار درهم).
– ارتفاع المداخيل العادية (+18.8 % إلى 304.3 مليار درهم) أسرع من ارتفاع المصاريف العادية (+14.5 % إلى 373.8 م.د).
– ارتفاع المداخيل غير الضريبية ب+11 مليار درهم إلى 48.6 م.د. وارتفعت مداخيل المؤسسات العمومية ب+23 % إلى 13.1 م.د.
– كما زادت المداخيل الضريبية بحوالي +37.3 مليار درهم عن 2021 لتصل إلى 252 مليار درهم (+17.4 %)، بتحقيق 113 %عما كان مقررا بالميزانية، وذلك رغم إرجاعات الدولة التي قاربت 20 مليار درهم، رغم أن المبرمج ميزانياتيا لهذه الإرجاعات كان في حدود 11.2 مليار درهم. وقد تحقق ذلك نظرا لارتفاع الضريبة على الشركات ب40 % (+17.8 م.د إلى 62.4 م.د)، وارتفاع الضريبة على الدخل بأكثر من 8 %، وارتفاع الضريبة على القيمة المضافة ب+15.2% (+12 م.د) إلى 75 م.د…
يتضح إذن من هذه المعطيات فقط المرتبطة بالقطاعات المقدمة كأمثلة -ولا مجال هنا للتفصيل في الزيادات في القطاعات الأخرى- أن خزينة الدولة حققت زيادة في حدود +230 مليار درهم عما حققته سنة 2021، ولكل مواطن مغربي أن يتصور ما يمكن فعله بهذه المبالغ الإضافية، والتي غالبها لم يكن متوقعا بتاتا من طرف الحكومة المغربية. فهل استفاد المغاربة من هذا المبلغ الإضافي الكبير؟ وهل استعملته الحكومة (أو جزءا) منه للتخفيف من حدة المشاكل الاقتصادية والمالية لفئات كبيرة من المجتمع؟
ولنبقى موضوعيين، لا بد من النظر في مقابل ذلك إلى ما حصل من ارتفاعات كبيرة في مجال المصاريف الميزاناتية -والتي يرجع بعضها للمحيط العالمي-. فبإلقاء نظرة سريعة على الميزان التجاري سنجد أن الصادرات ارتفعت خلال العام الماضي من جهة ب30 % إلى أكثر من 426 مليار درهم (أي بزيادة+ 100 مليار درهم، وهذا رقم قياسي سنوي)، مقابل ارتفاع الواردات ب+39 % إلى حوالي 737 مليار درهم (وهو رقم قياسي أيضا، بزيادة حوالي 209 مليار درهم)، مما عمق العجز التجاري إلى أكثر من 311 مليار درهم، بزيادة فاقت +56 %…
كما أن المغرب أدى فاتورة طاقية قياسية فاقت 153 مليار درهم، حيث تضاعفت قياسا ل 2021، نظرا لارتفاع الأسعار العالمية (انتقل متوسط سعر “البرنت” من 70 إلى 100 دولار للبرميل بين 2021 و2022، كما ارتفعت الكمية بحوالي 7 %). وقد كان من نتائج ذلك ارتفاع نفقات المقاصة ب 92 % (من 21.8 مليار درهم سنة 2021 إلى 42.1 م.د سنة 2022)، متضمنة الدعم المقدم لقطاع النقل. لكن لا بد من الإشارة هنا إلى أن البرمجة الميزاناتية الثلاثية قد برمجت سنة 2024 مبلغ 8 مليار درهم فقط، مما يعني توجه الحكومة لإلغاء “شبه نهائي” للمقاصة.
ومن جهة أخرى، ارتفعت فاتورة استيراد المواد الغذائية -في بلد المخطط الأخضر- إلى حوالي 87 مليار درهم (بزيادة +45 %)، منها حوالي 26 م د للقمح، مع ارتفاع في حدود 40 % للكميات والأسعار…كما ارتفعت فاتورة استيراد الأمونياك ب +14.5 مليار درهم إلى 21.3 م د وكذا الكبريت +8 مليار درهم، بالنسبة لمدخلات تحويل الفوسفاط…
لكن بالنظر للمعطيات الماكرو اقتصادية المرتبطة باحتياطي العملة، فسنجد أنها كانت في حدود 340 مليار درهم، وهو ما يعادل 5.5 شهر من الواردات -المرتفعة جدا-. ويستعمل هذا الاحتياطي -أساسا- وكذا الفائدة المديرية لتدبير ملف ونسب التضخم. كما أن عجز الميزانية لسنة 2022 بقي في حدود عجز سنة 2021، أي حوالي 70 مليار درهم (حوالي 5.1 % من الناتج).
يتضح من خلال ما سبق أن المداخيل الاستثنائية التي سردنا جزءا منها، والتي لم تكن “تحلم” بها الحكومة بتاتا، استخدمت للحفاظ على التوازنات الماكرو-اقتصادية، ولم تستعمل للدفاع عن القدرة الشرائية للمواطنين في هذه الظرفية الاستثنائية من غلاء الأسعار، ولم تتم إعادة “تدويرها” وتوزيع جزء منها للتقليص من هول الارتفاع الصاروخي للأسعار، باستثناء فئات معينة قليلة كمهنيي النقل وبعض الحرفيين مثلا.
فإذن، كان بالإمكان للحكومة أن تدبر هذه الفوائض الكبيرة الاستثنائية للقيام بإجراءات اقتصادية ومالية واجتماعية استثنائية، لصالح المواطنين والمجتمع، وذلك لإحداث “رجة” اقتصادية حقيقية، وهو ما لم تقم به، وفوتت هذه الفرصة -التي لن تتكرر- نظرا لتدبيرها السيء للأوضاع ولعدم وضوح الأولويات عندها، وعدم قدرتها على اتخاذ القرارات الجريئة التي من شأنها تغيير “وتيرة” منحنى النمو. إضافة إلى تضارب المصالح داخلها وفي الأوساط الحزبية التي يتكون منها التحالف الحكومي، وتغليب التوجه الحكومي الذي “يسخر” قوانين البلاد ومداخيلها للرأسمال وأصحابه، عوض إفادة واستفادة عامل الإنتاج المرتبط بالعمل وصانعيه. وهو ما سنتكلم عنه لاحقا.
لكن بعض أصحاب التفاسير “التبريرية” يرجعون كل ما حصل من زيادات إلى عوامل خارجية، حيث يرجعون نسب التضخم غير المسبوقة بالبلد، إلى الحرب في أوكرانيا وتداعيات الجائحة فقط.
وللرد على مثلا هذه الأقاويل، لا بد من التنبيه في البداية على أنه لا يمكن أن يُعزى الانخفاض في النشاط الذي تم تسجيله في جميع أنحاء العالم بالكامل إلى الحرب الروسية الأوكرانية. فقبل بداية الحرب، توقع صندوق النقد الدولي انخفاضا كبيرا في النمو في الولايات المتحدة، لينتقل من 5.6٪ في 2021 إلى 4٪ سنة 2022 و2.6٪ سنة 2023، مما سيكون له كبير الأثر على النمو العالمي، وخاصة أن الاقتصاد الأمريكي كان على وشك “الإنهاك” بعد الدينامية الأخيرة التي عرفها. لكن بالمقابل، يمكن اعتبار إفريقيا وبعض دول الشرق الأوسط أكثر المناطق تأثرا بالحرب، حيث تستورد أكثر من 50٪ من احتياجاتها من الحبوب من أوكرانيا و / أو روسيا. فبصفة عامة، 35 دولة أفريقية تستورد منهما الغذاء، بينما تستورد 22 دولة الأسمدة من أوكرانيا أو روسيا أو كليهما، كما تواجه بعض البلدان في إفريقيا جنوب الصحراء ارتفاع أسعار القمح بنسبة تصل إلى 50-85٪ بسبب تأثير الحرب على شحنات الحبوب من المنطقة.
أما إذا تناولنا آثار الحرب على ارتفاع الأسعار، فقد أدت الزيادات في أسعار الطاقة والغذاء والمواد الأولية والمستلزمات التابعة، الناجمة عن الحرب إلى تفاقم الضغوط التضخمية في الدول الغربية الرائدة اقتصاديا. فنسب التضخم بلغت مستويات قياسية في العديد من الدول. ففي الولايات المتحدة الأمريكية مثلا، تم جرد مستوى تضخم قياسي، في حدود 7.9 % في فبراير 2022، وهو أعلى مستوى خلال 40 سنة الأخيرة، حتى لأن العديد من المحللين الاقتصاديين يتحدثون حاليا عن الخطأ الاقتصادي، الفادح وذي البعد السياسي الكبير، المرتبط بتأخر تحرك البنك الفيدرالي الأمريكي لاتخاذ التدابير اللازمة لمجابهة الارتفاع منذ 2021، مما جعل الأمر يستفحل لهذا المستوى. كما أن منطقة الأورو تعرف نفس الارتفاع في مستويات التضخم، حيث حطمت رقما قياسيا في مارس، حوالي %7.5…وما زالت هذه النسب جد مرتفعة في العالم.
فماذا عن حالة المغرب؟
فبخصوص الآثار المرتقبة على نسبة التضخم والإنفاق العام بالمغرب، يمكن بداية الحديث عن كون التضخم المرتقب بالمغرب له ثلاث مكونات: مكون أول مرتبط بالتضخم العالمي، وهو التضخم المستورد، ومكون ثاني مرتبط بتراجع العرض، حيث إن الجفاف وتراجع الإنتاج المرتبط بالعديد من القطاعات التي لها علاقة بالماء أدى إلى تقليص واضح (موسم فلاحي لم يتجاوز إنتاج الحبوب خلاله 32 مليون قنطار، مقارنة مع الإنتاج المفترض في قانون المالية المحدد في 80 مليون قنطار)، ثم مكون ثالث مرتبط بارتفاع التكاليف، كما يوضحه مثلا مؤشر أسعار الإنتاج الصناعي.
ومن خلال دراسة قمت بها، موثقة في كتابي الأخير حول الحرب الأوكرانية الصادر صيف 2022، إذا اعتمدنا سيناريو أدنى متفائل يحدد الارتفاع العام العالمي للأسعار جراء الحرب في حدود +1 نقطة فقط، (وقد تضاعف ثلاث مرات باستمرار الحرب سنة كاملة)، فإن ذلك سيعني زيادة أولية في تكاليف الميزانية تقدر ب +5مليار درهم جراء التضخم المستورد، وسيقابله ارتفاع في حدود +12 مليار درهم كتضخم داخلي مرتبط بالمكونين الثاني والثالث. أما إذا اعتمدنا الفرضية التي تحدث عنها والي بنك المغرب بعد لقاء المجلس الإداري للبنك أواخر مارس 2022 والتي حددت آنذاك نسبة التضخم المرتقبة سنة 2022 في حدود %4.7، (وهي نسبة مرتفعة يجب الرجوع لأواسط تسعينيات القرن الماضي لنقف على نسبة مثلها، والواقع المحقق هو أن التضخم فاق ذلك بنقطتين خلال 2022)، فإن التكلفة الميزاناتية أعلاه كانت ستتضاعف إلى حوالي 20-25 مليار درهم، وواقعيا إلى حوالي 38-40 مليار درهم.
أما بخصوص الآثار على تكاليف المقاصة، فقد اعتمد القانون المالي ل 2022 على فرضية سعر الخام “برنت” في حدود 68 دولار للبرميل وسعر الغاز في 450 دولار للطن، مقابل 50 و350 عن سنة 2021 التي كانت فيها الأسعار قد بدأت في الصعود (مع فرضيات 43 و290 بالنسبة لمشروع قانون مالية 2020). واعتبارا لذلك، فقد خصصت الميزانية حوالي 16 مليار درهم لتغطية تكاليف المقاصة. والحصيلة هي أن نفقات المقاصة بلغت أكثر من 42 مليار درهم كما رأينا، مما اضطر الحكومة للرفع من المبالغ المخصصة لذلك بمراسيم عوض القيام بتعديل لقانون المالية.
لكن لا بد من استكمال الصورة الحقيقية لآثار الحرب بالقول أيضا أن الحرب تقدم فرصا للمغرب -لو كانت الحكومة في مستوى الحدث ومهتمة بالتدبير الأمثل لشؤون المغاربة حقيقة- عوض أن تكون تهديدات فقط. فبإمكان المغرب، لو أن حكومته أحسنت التعامل مع الملف الاقتصادي للحرب (لا أدخل في التفاصيل الجيو استراتيجية للحرب لأن ذلك خارج عنه نطاق اختصاصات الحكومة)، العمل على أخذ مكان وتعويض بعض الشركات الروسية (والأوكرانية بدرجة أقل) في مبيعاتها للغرب وتعاملها معه. كما كان يمكن للمغرب أن يستفيد من تحويل بعض الشركات لمكان إنتاجها ومقراتها الاجتماعية من روسيا وأوكرانيا إلى بلد محايد. وخير مثال على ذلك ما قررته مثلا شركة “سوميتومو” اليابانية المتخصصة في تصنيع أجزاء السيارات للعملاقين “فولكسفاغن” و “أودي”، حيث أفادت تقارير إخبارية أن الشركة اليابانية قررت بسبب الدمار الذي أصاب أوكرانيا وغياب الأمن واليد العاملة تحويل إنتاجها من دولة أوكرانيا صوب مصنعها بمدينة طنجة بالمغرب، ونفس القرار اتخذته شركة كبرى أخرى في مجال صناعة السيارات “سكودا” المملوكة للعملاق الألماني “فولكسفاغن”، حيث بعد تعطل الإنتاج بأوكرانيا بسبب الحرب وبلدان أخرى، حصلت الشركة على سعة إضافية من شركة “كرومبيرج” و”شوبير” بالمغرب. كما أنه كان بإمكان المغرب الاستفادة من الاستثمارات الروسية بالمغرب التي توجهت لبعض البلدان “الصديقة” لها.
لكن وجب الاعتراف هنا بأن رؤية الحكومة كانت “ضبابية” في هذا المجال ولم تكن أبدا واضحة لحد الآن. فرغم كل التحفظات والتحديات التي يمكن سردها في هذا المجال، كانت هناك أمور كثيرة كان بالإمكان أن يستفيد منها المغرب جراء الحرب الأخيرة، حيث يمكن أن نقدم نموذجا للقطاع السياحي، وكذا القطاع الطاقي الذي يمكن أن يكون مجالا حقيقيا للاستثمارات الروسية…
وبعد هذه التوضيحات حول التضخم بالمغرب وتداعياته وآثاره، لا بد من الإشارة إلى أن متوسط التضخم في عهد الحكومتين السابقتين كان في حدود 1.9 %. وفي سنة 2021 لم يتجاوز 1.6%…بينما سنة 2022 ناهز 6.6%، مع تقديرات أن يصل سنة 2023 إلى 3.9%، ثم سنة 2024 إلى 4.2%، مما يفيد أن الحكومة الحالية، التي لن تحقق أيا من طموحاتها بهذا الخصوص خلال برنامجها الحكومي، غيرت منحنى التضخم الذي اشتغل عليه المغرب لحوالي 15 سنة ليجعله من بين أفضل الدول عالميا في هذا المجال. مما جعلها سببا في مشاكل عدة مرتبطة بالوضع الاجتماعي، وقد عملت على إدخال المغرب، أو جزء من أبنائه، لمنطقة الفقر -أو الجوع- كما يعبر عنه الآلاف من المغاربة في الوقفات الاحتجاجية مؤخرا. وهو الأمر الذي نراه لأول مرة في تاريخ البلد: الحديث عن التقليص من وجبات الأكل لأسر كانت إلى أمد قريب متوسطة الدخل (تعج الوسائط الاجتماعية بفيديوهات تتحدث عن هذا الواقع بمرارة، وهو ما نلاحظه عندما نتجول في الأسواق وأماكن الاستهلاك.
إذن السؤال الذي يطرح الآن: كيف يمكن أن نعالج واقع الارتفاع المستمر للأسعار بالمغرب؟
والجواب هو استكمال لما سبقت الإشارة إليه آنفا من توجهات كان على الحكومة سلوكها للحد من تزايد الأسعار. وهنا أؤكد مرة أخرى على أنه للاهتمام بمآل الفئات الفقيرة والمتوسطة، على الحكومة أن تكون لها “الكبدة” على الشعب، لكنها لم تكن في مستوى الحدث ولم تتحرك سريعا لاتخاذ إجراءات مؤسساتية وتدابير ميدانية وعملية مرتبطة بتقديم ما يلزم تجاه مختلف الفاعلين والمتدخلين في الأسواق (ابتداء من المنتجين وانتهاء بالمستهلكين…). ونقدم في هذا الصدد بعض المقترحات السريعة دون تصنيفها.
–     التسريع بإخراج مختلف نصوص القوانين واللوائح التنظيمية المنظمة لعمل “مجلس المنافسة”. فلا يعقل أن تكون هناك مؤسسة دستورية بهذا الحجم لا تكاد تسمع لها ركزا، وإذا ما تجرأ مسؤول فيها على اتخاذ قرار يغضب لوبيات أو جهات معينة، تختلق له الأسباب لتتم “إقالته” بطريقة “لينة”. وأتذكر أني لما كنت وزيرا في “الشؤون العامة والحكامة منذ عشر سنوات، كنت قد فتحت هذا الورش وأنجزت نصوصا تنظيمية مرتبطة به…وبعد عشر سنوات لا زلنا ننتظر.
–     إعادة النظر في سلاسل الإنتاج لتجويدها وتطويرها بما لا يسمح للمتطفلين من اغتنام الفرص والاسترباح السهل.
–     دعم المنتجين الصغار والمتوسطين من خلال التكوين وإيجاد طرق التدبير الجيد لتسويق منتجاتهم، من خلال التعاونيات والاتحادات المهنية.
–     العمل على التقليص من “الوسطاء” من خلال تنظيم “الحرفة” الوسائطية وتحديد مهامها ودورها وهوامش ربحها. فلا يعقل مثلا أن ينتج الفلاح الطماطم ويقوم بما يلزم من عمل شاق خلال شهور ليبيعها بدرهمين للكلغ، ليتكلف بها وسطاء بالجملة ووسطاء التقسيط ليصل سعرها ل12/13 درهم للمستهلك النهائي. نفس الشيء بالنسبة للعقار ووووو…
–     جعل مهام المراقبة والزجر “الحقيقي” مهاما دائمة وليست حملاتية (خلال ارتفاع الأسعار أو خلال رمضان مثلا). فرغم تواجد فرق مختصة على الصعيد الترابي، فإن عددها غير كافي بتاتا، كما أن دورية ووتيرة اشتغالها ضعيفة جدا ولا تفي بالغرض نظرا لتشتت النسيج المقاولاتي والتجاري والاقتصادي.
–     العمل على اقتسام القيمة partage de la valeur، بين الرأسمال البشري (العاملين) والرأسمال المالي (أرباب المقاولات)، من خلال -مثلا- حصص الاهتمام intéressementأو حصص المساهمة participation، مما سيمكن الجميع من الاستفادة من ثروات البلاد والتدابير الحكومية.
–     الفصل بين المهام التنفيذية والمهام التجارية والاقتصادية المرتبطة بمن يشرفون على الشأن العام، وهو ما يعرف ب “تضارب المصالح”. فلا يعقل أن يكون صاحب القرار الحكومي مشرفا على مؤسسات اقتصادية وتجارية استراتيجية باعتبار إمكانياته المؤسساتية والتنفيذية لتغيير القوانين وإرباك الإصلاحات المضرة بمصالحه. والناظر مثلا لقانون المالية 2022 يرى كيف أن كل ما هو مرتبط بالرفع من مستوى تضريب قطاع المحروقات الذي حقق أرباحا خيالية لم يتم رفع مستوى تضريبه رغم المقترحات التي قدمت بهذا الشأن، ورغم أن كثيرا من الدول المتقدمة فرضت على هذا القطاع “ضرائب” او “أتاوات” إضافية خلال الفترة الأخيرة. ففي فرنسا مثلا، بلد الحرية الاقتصادية بامتياز، نجد أن شركة عالمية لإنتاج النفط قررت وضع سقف لسعر البنزين والغاز خلال 2023 لن يتعدى 2 أورو. ونحن لا زلنا نتحدث هل يمكن ذلك في ظل تحرير الأسعار؟؟؟؟
–     فرض أسعار ملائمة بطريقة مؤسساتية سريعة لإبطاء مستوى الارتفاع، وذلك بتعديل بسيط للنص التنظيمي المحدد للمواد المحددة أسعارها، وخاصة عندما تكون الظرفية استثنائية كما كان عليه الأمر سنة 2022.  وهذا ما حث عليه مثلا رؤساء دول كبرى كالولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، اللذين طلبا من شركات المحروقات الاكتفاء بأرباح معقولة والانتباه للقدرة الشرائية للمواطنين، فما كان من بعض هذه الشركات إلا الائتمار برغبات/توجهات الرؤساء وقدموا تخفيضات ومساعدات واضحة للمستهلكين.
–     التفعيل السريع والمباشر لدعم فئات المواطنين الأكثر تضررا، وفق منهجية واضحة ومعايير مضبوطة. وهو الأمر الذي كان يجب، وأقول يجب- أن يكون مصاحبا لتحرير أسعار المحروقات. والغريب في الأمر أن كل ما هو مرتبط بهذا الدعم كنا قد أنجزناه نظريا منذ 2013، وفصلنا في كيفية تنزيله والمبالغ الضرورية لذلك، لكن أصحاب “السياسة” يعرفون ما يفعلون، وما كان لذلك أن يتحقق. فقد قام “حزب العدالة والتنمية”، رفقة “حلفائه” بتحرير الأسعار، ولم “يتمكن” من تفعيل الدعم المباشر على أرض الواقع، وسيأتي الوقت لاحقا للتفصيل في ذلك…
–    الانتهاء من “التلاعب” المقصود في ملف شركة “لاسامير” والتسريع بإيجاد حل نهائي لها. وهو ملف سيحتاج منا أيضا توضيحات لاحقة عندما تتاح الفرصة لذلك.

وفي الخلاصة، لا بد من القول بأن هناك إشكالا “سياسيا” لدى الحكومة الحالية، أدى إلى وجود إشكالات على جميع الأصعدة. فكيفية حصول الحزب الأغلبي فيها، وكذا بعض الأحزاب الأخرى، على النتائج التي نعلمها خلال الانتخابات الأخيرة في شتنبر 2021 لا زالت تثير الكثير من الاستغراب والتساؤلات…وبالتالي فأقل ما يمكن أن يقال في هذا الجانب أنها حكومة فاقدة للثقة الشعبية الحقيقية، ومنحت لها “ثقة” مفبركة ما لبثت أن ظهرت نتائجها خلال الثلاث الأشهر الأولى، ولربما في سابقة عالمية مرتبطة  بقصر مدة “زواجها الكاثوليكي”، عندما صدح الملايين عبر مواقع التواصل الاجتماعي بضرورة رحيل قائدها…وهي إشارة واضحة لمن يهمه الأمر أن اللعبة انكشفت بسرعة…أضف إلى ذلك “الضعف” البين لمكوناتها وللعديد من وزرائها، سواء على مستوى الدراية بميادين الاشتغال أو بالعمل المؤسساتي ومختلف تفريعاته، أو بالصلاحيات الفعلية، أو ب”استفادة الأقربين”، أو بطرق التواصل مع المواطنين لتهدئة الأوضاع أو شرح الواقع أو اقتراح البدائل (من الأمثلة: وزير يهدد مسؤولا بأنه يعرف كل شيء عنه حتى “جواربه”، وزير يتحدث عن المراقبة للأسعار للمحلات وكأنها عملية جديدة، وزير يوجه البرلمان لما يجب أن يناقشه، وزيرة تضع زوجها (مسؤولا) في ديوانها، وزير يعلن على أنه سيكون عفو ملكي عن معتقلي أحداث الحسيمة، وزيرة -أقيلت- تمكن زوجها المقاول المعماري من الإشراف على الملف المعماري بمدينة كبرى، مستثمر حزبي يستبق تخفيض/إلغاء ضرائب استيراد العجول لينجز صفقة استيراد دسمة (تسريب قرارات حكومية للأصحاب)، مسؤولون وبرلمانيون من أحزاب في الحكومة في متابعات للاتجار في المخدرات والنصب والاحتيال، تكوين لجن للتحقيق كما في فضيحة بيع التلاعب في بيع تذاكر المونديال التي لم تعلن نتائجها رغم مرور حوالي 4 أشهر…إلخ من الأفعال والقرارات التي كان من المفروض أن يكون لها ما بعدها من الناحية القانونية…).
أما في الجانب الاقتصادي، فلا بد من الإشارة إلى أن الحكومة ذات التوجه الليبرالي “الخشن” لم تستطع أن توفي بما اقترحته في برنامج عملها الحكومي إلا في جزء بسيط منه، غالبيته مما بدأ العمل فيه من طرف الحكومة السابقة، حيث يصعب مثلا على الحكومة الحالية التنصل مما هو مرتبط بالحماية الاجتماعية والتغطية الصحية.
ولتقييم سريع لأدائها، يمكن القول أنه إذا كانت حكومة د.العثماني قد حققت نسبة نمو في حدود 7.6 % سنة 2021 (بينما القانون المالي آنذاك اعتمد على تحقيق نسبة 4.8 %)، فإن الحكومة الحالية خلال سنة عملها الأولى لم تصل إلا إلى حوالي 1.3% (عوض 3.2% المقررة في القانون المالي). وإذا كان عجز الحساب الجاري قد بلغ سنة 2021 حوالي 2.3% من الناتج، فإنه كان سنة 2022 في حدود 3.3%. كما أن العجز التجاري بلغ في عهد الحكومة الحالية، سنة 2022، رقما قياسيا لم يصله في تاريخ المغرب، حوالي 311.6 مليار درهم، بزيادة صاروخية بلغت حوالي 56.5+ % عما حققته حكومة د.العثماني سنة 2021، مما جعل نسبة التغطية تتراجع ب 4.5 نقطة لتصل إلى 57.8%، وذلك رغم الإمكانات الاستثنائية التي أتيحت لها كما رأينا آنفا.
أما بخصوص دين الخزينة، فقد ناهز 950 مليار درهم، بزيادة في حدود +7%. علما أن الخزينة لم تستعمل مبلغ حقوق السحب الخاصة DTS  لصندوق النقد، في مقابل  استعمالها لكامل المبلغ المخصص من خط الاحتياط والسيولة LPL (حوالي 21 مليار درهم). وللإشارة هنا سبق أن نبهنا إلى إمكانية الحكومة استعمال خط تمويل مرن modulable مع صندوق النقد الدولي، وهو الذي ليست فيه شروط ميزاناتية وبدون سقف، لكن شرطه الرئيسي هو أن يخرج المغرب من المنطقة “الرمادية” بالنسبة لمجموعة العمل المالية  GAFI Groupe Action Financière، وهو الأمر الذي تم خلال هذه الأيام، مما دفع المغرب لتقديم طلب لصندوق النقد الدولي للاستفادة من الخط المرن، وهو ما سينظر فيه لاحقا، كما أن المغرب استفاد مؤخرا من خرجته الخارجية للحصول على 5 مليار دولار كقروض، إضافة إلى أنه بإمكانه الخروج لسوق السندات الثانوية إذا توفرت “الشروط المالية” الضرورية لذلك.
أما بخصوص أسعار المحروقات، فقد سبق أن قدمنا أعلاه بعض عناصر الحل المرتبطة بتضارب المصالح وعمل “لاسامير” والوسطاء والأسعار ومجلس المنافسة…غير أنه يمكن أن نضيف لذلك ضرورة تقييم عملية تحرير أسعار المحروقات التي تمت وإعطاء أجوبة حقيقية عن التساؤلات المرتبطة ب: من هم المستفيدون حقيقة من ذلك وكذا المتأثرون سلبا لإنصافهم؟ إعادة النظر في مختلف المكونات للسعر النهائي حيث تقادم بعضها وظهرت لا جدوى البعض الآخر، كما يمكن النظر في نسبة الأرباح والهوامش لكل المتدخلين في القطاع، وكذا اتخاذ قرار “سياسي” نهائي بشأن عملية التكرير بالمغرب، إضافة إلى مراجعة القوانين المرتبطة بقطاع المحروقات عموما (البترول والغاز)، وبالمجال الطاقي برمته، حتى في شقه المرتبط بالطاقات المتجددة. فهل يا ترى هناك استعداد عند رئيس الحكومة للقيام بهذه الإصلاحات الاستعجالية؟ الجواب ما نراه على أرض الواقع، لا ما أقترحه من حلول.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.