الصغير: مصداقية حكومة أخنوش وثقة الناس فيها منهارة تماما وهذه هي أكبر أزمات البلاد

عادل الصغير


بعد قراءة حوار المندوب السامي للتخطيط السي أحمد الحليمي مع إحدى المواقع الإلكترونية بخلاصاته المفزعة وحلوله الصعبة، تذكرت أول ما تذكرت ما قاله حاميد البهجة المنسق الجهوي للتجمع الوطني بسوس سابقا وهو يخطب سنة 2019 في تجمع لشبيبته والذي أخذته الحماسة والتعالي على المغاربة حتى أنه قال ما مفاده “قبل ما يولي أخنوش وزير ديال الفلاحة كانوا المغاربة ما كيلحقوا لا حليب لا ديسير لا حوت، دابا ولا كلشي موجود” وكان ذلك في سياق اشتغال التجمع آنذاك عبر إعلام المؤلفة حساباتهم البنكية لتسويق فكرة أن الوحيد الناجح في حكومتي ابن كيران والعثماني هو أخنوش الذي دبر قطاع الفلاحة لمدة 14 سنة.
ثم شد اهتمامي تفاعل الناس في الفايسبوك خاصة مع هذا الحوار وأثارني أن الذين تجاوزوا محاولة ترجمة ما قاله المندوب السامي إلى اللغة العربية، اشتغلوا على إعادة تشكيل هذه الخلاصات بزوايا معالجة مختلفة، دون أن يقوموا بصياغة مطالب في اتجاه جهة معينة، المفترض أن تكون هي الحكومة، وبقي الكلام عموما معلقا، في انتظار تفاعل ما قد يأتي، رغم أنه لم يعد أحد ينتظر من هذه الحكومة صرفا ولا عدلا، ذلك أن مصداقيتها وثقة الناس فيها منهارة تماما، وهذه هي أكبر أزمات هذه البلاد.
موضوع انهيار الثقة هذا هو في تصوري ما يدفع المغاربة للصمت إزاء ما يقع، ذلك أن الناس عموما يحتجون لا لإسماع صوتهم ومعاناتهم فقط ولكن بالأساس لكي يتفاعل ويستجاب لمطالبهم، ويحتجون على جهة تحظى لديهم بحد أدنى من الثقة في رغبتها وقدرتها على الاستجابة لهذه المطالب، بينما نحن أمام حكومة تقنية فاقدة للسند الشعبي، منفصلة عن همومه، لا يمكن التعويل عليها لمواجهة التحديات المطروحة على البلاد، أتت بها انتخابات منزوعة المصداقية، لتجزل الهدايا للأثرياء والشركات الكبرى وتحمل الفقراء الكلفة، بل إن رئيسها هو المتهم الأول شعبيا على الأقل بالاستفادة من عائدات موجة الغلاء هذه، وإذا كان الوجه الآخر للاحتجاجات هو استمرار الأمل في وجود جهة ما قادرة وراغبة ومهتمة بالاستجابة لمطالب المحتجين، فعلى من سيحتج الناس وإلى من سيرفعون مطالبهم في ضوء هذه المعطيات.
وكلنا يتذكر الانتفاضات التي شهدتها المنطقة سنة 2011، كانت حظوظ الدول فيها متفاوتة، وكان المغرب بفضل الله الأكثر حظا من بينها، لاعتبارات متعددة، بينما كانت إرادة فرض الصمت على الجميع بالحديد والنار، والهيمنة الكلية على الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في بعض دول المنطقة، مع وجود مؤسسات صورية وضعيفة، -كانت- سببا في قطع كل خيوط الثقة بين الدولة والمجتمع ما نتج عنه انسحاب كلي للمواطنين من الحياة العامة وانقطاع اهتمامهم وتفاعلهم مع قضايا الشأن العام، ، فكانت لحظة الانتفاض انفجارا لم تكن الوعود اللاحقة عنه قادرة على إيقافه.
ونتذكر أيضا عندما تصادف حراك 20 فبراير مع وجود حكومة ضعيفة، فكانت مطالب الشارع ترفع للملك مباشرة الذي استجاب له بشكل سريع من خلال خطاب 9 مارس ما ساهم في تهدئة الشارع، بينما شكل وجود ابن كيران باعتباره شخصية سياسية قوية، جاء لرئاسة الحكومة بانتخابات نزيهة وشفافة وحائزا لثقة فئات واسعة من المواطنين أثرا مختلفا حيث كانت المطالب توجه إليه، وحتى الذين كانوا يريدون شخصا أن يرحل كانوا يختارون ابن كيران لذلك، ذلك أن الدول في حياتها عامة وفي لحظات الاضطرابات تكون في حاجة ماسة لمؤسسات قوية -موقعا وأدوارا- بين الدولة والمجتمع، قادرة على بناء حد أدنى من الثقة في المؤسسات وعلى تمتيع قراراتها وخطابها بمصداقية معتبرة.
أخنوش اليوم وضع البلاد في ورطة متعددة الأوجه، فهو غير قادر على التواصل مع الناس بلغة صادقة يفهمونها لكي يشرح لهم الوضع بشكل يجعلهم يتفاعلون إيجابا معه، وغير قادر على الضغط على الأثرياء والمهيمنين على السوق وهو أحدهم من أجل تخفيف الضغط على المعيش اليومي للمواطنين، فإذا اختار استعارة جملة ابن كيران البراغماتية “أن تكونوا أقل غنى في وطن مستقر أفضل من أن تكونوا أغنياء في وطن مضطرب” فمن سيتفاعل منهم معه وهم أعلم منا بأنه كبيرهم، وهو أيضا عاجز حكوميا على الدفع في قرارات وإجراءات وتدابير تكسب الحكومة بعضا من ثقة المواطنين وكفيلة بتخفيف كلفة العيش على المواطنين ، وإن كان هذا ما نتمناه بصدق، لأننا إن كنا نعارض الحكومة والإرادة التي أنتجتها، فإننا لا نتمنى لبلادنا سوى التقدم والازدهار والاستقرار الذي أصبح على المحك مع تقلص مجال ثقة المواطنين في السياسات والقرارات العمومية، وفي ظل هذه الأجواء الدولية المضطربة، وإن كنت أظن أنه لا يمكن التعويل على أخنوش أو حزبه أو أغلبيته وحكومته على مواجهتها بقدراتهم الذاتية. وبالكفاءات التي بشروا بها.
بالمناسبة: إعلام الأظرفة والصفقات فاقد المهنية والمروءة إذا لم يضر لا ينفع في هذه المراحل، لأنه كلما دافع وطبل إلا وزاد “غرق لمولاه الشقف”، فهو إن كان قادرا في لحظة ما أن يؤثر على صورة الآخر ويلصق فيه كل مشاكل العالم كما حاولوا إيهام بعض الناس سابقا بأن كل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والحقوقية في المغرب مرتبطة بوجود حزب العدالة في الحكومة وأنها ستنتهي بزواله منها، فإنه في المقابل عاجز على البناء وعلى حيازة ثقة الناس هو أيضا بل واحترامهم بله المراهنة عليه لإقناع الناس بالأكاذيب، لأنه كان مفضوحا وزاد انفضاحا، ولأن الواقع المعاش يعلمه الجميع ولا ينفع معه زواق.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.