رغم كل الذي وقع في البلاد، من غلاء يأكل الأخضر واليابس، وخروج مؤسسات وطنية منها بنك المغرب وبعدها المندوبية السامية للتخطيط، لتدقا ناقوس الخطر بخصوص الوضع الاقتصادي والاجتماعي، وأن المسار الذي تمضي فيه البلاد لا قدر الله قد يوصلنا إلى الحائط، رغم كل ذلك تصر من حملتهم رياح وموجة تسونامي 8 شتنبر على صم آذانهم، بل الإصرار على التجاهل وكأن الأمور عادية، ولا تتطلب منهم وقفة تأمل ولحظة مصارحة كاشفة مع الوطن ومع المواطنين، وفتح نقاش يستوعب الجميع لتدارك ما يمكن تداركه قبل فوات الأوان.
لقد ابتلينا بحكومة ونخب انحصر عندها الزمن في لحظة 8 شتنبر ولا تريد الخروج منها، وتعتبر تلك اللحظة أم الشرعيات التي لا تقبل المساءلة أو حتى النقاش، وهذا يبدو جليا في طريقة رد رئيس الحكومة على حوار المندوب السامي للتخطيط، والذي كان واضحا بل صادما حين أعلن أن التضخم على عكس ما تدعيه الحكومة ليس مستوردا بل أصبح بنيويا وسيلازم الاقتصاد الوطني لمدة، مما يجب معه التفكير في كيفية جديدة للتعامل معه، فلم يجد رئيس الحكومة المصاب بخرس تواصلي مزمن لا تخطئه العين، سوى الرد بنوع من الأستاذية والثقة الزائفة بإصرار الحكومة على تطبيق برنامجها الحكومي وان لا شيء يمكن أن يثنيها على المضي في تنزيله سواء كان تضخما بنيويا أو مستوردا.
فما الذي يريد أن يقوله رئيس الحكومة بهذا الجواب؟
فرغم الملاحظة الكبيرة على طريقة الرد، حيث اختار رئيس الحكومة أن يكون الرد مجرد تصريح لنفس المنبر الذي سبق له أن حاور المندوب السامي وبلغة موليير زهدا أو تعاليا على اللغة الرسمية للبلاد، وكأن اللحظة التاريخية وخطورة الوضع لا تستدعي خروج رئيس الحكومة مع منبر عمومي لمخاطبة المغاربة بوجه مكشوف، ولطمأنتهم ووضعهم في الصورة، وكيف تفكر الحكومة وما هي الإجراءات المستعجلة والمتوسطة والبعيد المدى التي ستتخذها للجواب على ما تطرحه المرحلة من رهانات وامتحانات قد تعيدنا لا قدر الله إلى مربع “التقويم الهيكلي” الذي كابدناه في ثمانينيات القرن الماضي.
إن المسؤولية السياسية تقتضي من رئيس الحكومة في مثل هذه اللحظات أن يبذل جهدا مضاعفا في التواصل، على الأقل أن يستفيد من الدرس الفرنسي مادام هواه فرنسيا وهو ما لا يحاول إخفاءه، ففي فرنسا، ماكرون ووزراءه في ظل الأزمة الحالية يخرجون في القنوات ووسائل الإعلام المختلفة لشرح مواقفهم ومحاولة إقناع الفرنسيين رغم تصاعد موجات الرفض لهم وتنامي الاستهجان لسياستهم ولتواصلهم.
فما الذي يمنع أخنوش ومن حوله وهم الحريصون على تقليد فرنسا في كل شيء على مكابدة امتحان التواصل؟ بل ما الذي ينتظره أخنوش ومن دفع به في إطار طبخة 8 شتنبر، حتى يخرج للناس بوجه مكشوف، ويتحمل مسؤوليته كاملة، عوض القذف بالناطق الرسمي إلى النار وإلى مزيد من اقتراف الخطايا والكبائر التواصلية، أو تفويض الأغرار من المتخمين بريع لائحة الشباب، ليعيثوا نزقية وارتكابا للآثام في التواصل وفي السياسة معا.
أخنوش مطالب وعلى جهة الاستعجال أن يجيب المغاربة بلا لف ولا دوران، كيف تحول بلد فلاحي بامتياز، إلى بلد أصبح الناس يتندرون فيه بغلاء الطماطم وقفز البصل إلى مستويات غير مسبوقة في تاريخ المغرب؟
أخنوش مطالب وهو الذي لا يكف عن التباهي بارتفاع عائدات صادرات المغرب من الخضروات وغيرها من المنتوجات الفلاحية، في وقت تسجل فيه أرقام الإنتاج استقرارا. فهل أصبح المغرب يغذي أوروبا وغيرها من وجهات التصدير في مقابل تجويع المغاربة وطحنهم بالغلاء؟
أخنوش أيضا كما هو مطالب أن يجيب على ما قاله المندوب السامي من كون التضخم ليس مستوردا، وأنه أصبح اليوم بنيويا وإلى أجل غير مسمى، فهو مطالب أيضا أن يجيب على التقارير الوطنية حول أسواق الجملة وما يقع فيها من مضاربات يظهر أثرها سريعا وفادحا في قفة المواطنين. وأن يتحلى بالشجاعة السياسية الكافية حتى لا يقع فيما وقع فيه ناطقه الرسمي الذي يقول الشيء ونقيضه دون أن يرف له جفن، فتارة يقول أن المضاربين معروفون لدى الحكومة، وأنها ستقوم باللازم تجاههم، وتارة يقول أنه لا يعرف المضاربين لا بوجوههم ولا صافتهم ولا عناوينهم، ويطلب من قبيلة الصحفيين أن تعينه على معرفة مضاربهم أو أوكارهم !!!!!
أخنوش الذي يتغنى بالحكومة الاجتماعية، عليه أن يدرك أن الطريق إليها يمر أولا وحتما عبر قفة الغذاء، وعليه أن يحذر من تكرار ما اقترفه زعيم شبيبته التي بناها على عجل، حين اعتبر الحديث عن الغداء والغلاء من سقط الكلام الذي يجب تجنبه تنزيها، حتى لا يتم التشويش على ما أسماه أوراشا استراتيجية، بل إنه اعتبر الغلاء ظاهرة فايسبوكية أما الواقع فشيء آخر، وهو في ذلك يسير على نهج سلفه الذي سبق له تصدر لائحة الريع الشبابي، الوزير الناطق بأي شيء حين حديثة عن لحم 75 درهما !!!!! تشابهت قلوبهم وألسنتهم !!!!
معضلة هذه الحكومة أنها لا تتوفر على خلفية سياسية واضحة، وأخنوش بالضبط يجسد “الدرجة الصفر في السياسة” بامتياز، ولمن يجادل في هذا فليتصفح تاريخ الرجل، فمساره في السياسة هو مسار قتل السياسة بسبق الإصرار والترصد، حتى أني أتذكر كلمة قالها ذات بلوكاج في لمز لا بن كيران ومن معه بوصفهم ب “الحرايفية ديال السياسة”، وهو ما يستمر إلى اليوم في قوله حين يدعي أن حكومته خلقت للعمل لا للكلام، وكل هذا يعكس عقدة لديه تجاه السياسة وأهلها، وذلك بحكم أن بضاعته فيها صفر كامل الأوصاف.
أخنوش حين أوتي به لرئاسة جهة سوس ماسة لم يعرف له قبلها انتماء أو تدافع سياسي، وكان أول ما قام به في سابقة في تاريخ الجماعات الترابية أن كلف مكتب ماكنزي الشهير لإنجاز استراتيجية لعمل مجلس الجهة، وهو ما شكل في وقته حدثا غير مسبوق، وهو ما يكشف أيضا الفراغ في التصور وامتلاك الرؤية لتدبير المجلس، وهما معا من ثمرات السياسة التي يكرهها أخنوش أو يجهلها على أقل تقدير، والاستعاضة عن ذلك بشراء الخبرة بالمال العام، وهي “البلية” الملازمة له إلى حدود الساعة في الحكومة وفي الجماعة وإلى أن يرث اله الأرض ومن عليها، فذاك مبلغه ومنتهاه في العلم والتدبير.
أخنوش وُضع اسمه في ورقة سلمت لعباس الفاسي في ليلة القدر تضم لائحة وزراء حكومته، وكان أخنوش فيها مرتديا اللون الأصفر أي لون الحركة الشعبية، قبل أن يقلب أحرضان رحمه الله الطاولة ويتم طرد حزبه من الحكومة، ليجد أخنوش نفسه كائنا أزرق وفي وزارة ضخمة تضم الفلاحة والصيد البحري، وهناك سيبقى متشبثا بمقعده عاضا عليه بالنواجذ، إلى أن جيء به مرة أخرى في إطار وصفة 8 شتنبر رئيسا للحكومة بعد أن أدى دوره بتفان في محطة البلوكاج وفي المسك بزمام 4 أحزاب دفعة واحدة.
أخنوش أيضا ركب سفينة حركة كل الديمقراطيين، قبل أن تتمزق أشرعتها بقوة رياح 20 فبراير، وتغرق تلك السفينة، ليُقذف له بطوق النجاة بإعطائه زمام الحزب الأزرق، بعد أن كان قد تخلى عنه عقب انتخابات 25 نونبر 2011، وتصريحه الشهير بأنه سيعتزل السياسة بشكل نهائي.
في كل هذه المراحل وإلى الآن، يظهر أخنوش “مفعولا به ” في السياسة، وأن أقصى ما يمكن أن يأتيه في السياسة، أن يكون أداة وظيفية في إطار طبخات تعد على نار هادئة أو حارقة حسب السياقات، وفي كل الحالات يكون أكبر همه ومنتهى طموحه أن يكون له موقع في واجهة المشهد، وأن يضمن عبره تأمين مصالحه ومصالح امبراطوريته في المال الأعمال، أما السياسة و”تهراس الراس” فهو متروك “للحرايفية” كما قال أخنوش يوما ما.
لكل ما سبق فإن انتظار شيء من أخنوش وممن حوله، هو انتظار للسراب أو لـ “غودو” الذي لن يأتي أبدا، فالحكومات المسؤولة في مثل هذه الوضعيات لا تلوك الجمل الفارغة، ولا تجنح للمسكنات، بل تعري على ساعد الجد، وتجتهد في مكابدة الحلول واجتراح البدائل، ولا تستنكف عن التواصل لأنه مدخل مهم في صياغة الحلول وفتح الآفاق نحوها، لكن فاقد الشيء لا يعطيه في حالتنا في المغرب، فأقصى ما يملكه أخنوش هو “دفتر شيكاته” الذي يشتري به الخبرة من مكاتب الدرسات، والحل موجود في السياسة وليس في مكاتب الدراسات.
رابط المشاركة :
شاهد أيضا