محمد عصام يكتب: اجتماع الأغلبية.. تمخض الجبل فولد سرابا !!!

بعد مرحلة فراغ قاربت الستة أشهر تقريبا، انعقد أمس اجتماع للأغلبية بمقر حزب التجمع والأحرار، وهو الاجتماع الذي جاء في سياق خاص ودقيق جدا، موسوم بارتفاع التضخم وتواصل ارتفاع أسعار كل المواد وعلى رأسها المواد الغذائية، كما أنه يأتي بعد قرار بنك المغرب برفع نسبة الفائدة إلى 3 في المائة في محاولة للتحكم في المنحى التصاعدي للتضخم، وأيضا بعد خرجة المندوب السامي للتخطيط الذي نسف “السردية الحكومية ” من الأساس، حين اعتبر هذا التضخم بنيويا وليس مستوردا كما تدعي الحكومة، وأنه سيستمر معنا ما شاء الله أن يستمر.
فما الذي قدمته الأغلبية وزعماؤها كأجوبة على هذه السياقات المحدِّدة؟ والتي يجب أن تكون في صلب بل في أولوية هذا الاجتماع وأن تقدم الأغلبية بصددها أجوبة لعموم المواطنين؟
نستطيع بدون مبالغة أن نقول إن الاجتماع من خلال تصريحات الزعماء، كان حدثا فارغا وبدون مضمون جدي يجيب على الأسئلة الحقيقية للمغاربة، كما يجيب على الوقائع التي لا يمكن أن ترتفع بالأمنيات والنوايا الحسنة !!
كل ما حرص الزعماء على لوكه كما هي عادتهم في إنتاج “الجعجعة”  بلا طحين، هو إصرارهم على تأكيد تجانس الأغلبية، وكأنه بهذا التجانس سيتم خفض أثمنة المواد المشتعلة !!
ثم لماذا هذا الإصرار المرضي على تكرار القول في هذا الموضوع، أليس في ذلك دلالة على أن هناك أشياء ليست على ما يرام تعتمل في جسم هذه الأغلبية، وأن تلك التصريحات ليست إلا ذرا للرماد في العيون ومحاولة لإخفاء حالة “التيه” التي تعيشها هذه الأغلبية.
فمجرد عدم انعقاد اجتماع الأغلبية طيلة هذه المدة رغم السياقات الملحة والتي تفرض تكرار الاجتماعات، لأن التحديات التي تمر منها البلاد صعبة للغاية، ورغم أيضا أن ميثاق الأغلبية كوثيقة ملزمة لموقعيها، تتحدث عن اجتماع راتب كل شهر، والحال أن هذه الأغلبية لم تجتمع إلا أربع مرات فقط طيلة سنة ونصف تقريبا، كل هذا كاف لأن نقول بكل جزم إن هذه الأغلبية مهترئة بل “مثقوبة” !!!.
وعلى عكس ما يدعيه عبد اللطيف وهبي في تصريحه عقب الاجتماع، بأن أغلبيته هي وحدها دون غيرها فقط من يملك الحقيقة، وكأنها تتلقى الوحي، فإن التماس الحقيقة يوجد في التفاصيل التي لا يمكن القفز عليها ولا محوها بجرة لسان طويل “ما فيه عظم”، فهل يستطيع وهبي أن يقول الحقيقة كلها للمغاربة في واقعة “إعدام” نائب فريقه بمجلس النواب “هشام المهاجري“، الذي تفرق “دمه” بين المكتب السياسي للبام والفريق، وأخنوش؟ وهل يستطيع أيضا أن يعطينا تفسيرا للنيران الصديقة التي كان وراءها قبل أيام رئيس مجلس المستشارين، النعم ميارة، المحسوب على تلك الأغلبية؟
نقطة أخرى في تصريحات الزعماء تتعلق بالإصرار على مواصلة تنفيذ البرنامج الحكومي، وكأننا في وضع طبيعي ولا تنتصب أمامنا تحديات صعبة، تقتضي التحلي بشيء من التواضع وفتح نقاش عمومي مع كل الشركاء لرسم خطة استثنائية لهذا الوضوع الاستثنائي، وهو ما تقوم به كل الحكومات التي تحترم نفسها في مثل هذه الظروف الاستثنائية، ونحن عندنا حكومة حتى مجرد إعادة النظر في قانون المالية عبر تعديله تعتبره طعنا فيها ومسا بــ “عذريتها” السياسية، والحال أن مثل هذه الظروف الاستثنائية تلزم على المدبرين إعادة النظر في أولوياتهم وفي تدقيقها اعتبارا للسياقات المتجددة والظروف الضاغطة.
فليس في البطولة في شيء الاختباء وراء ادعاء مواصلة تنفيذ البرامج، في وضع الجميع يعلم حيثياته، كما أن الرهان على ارتفاع بعض الواردات الضريبية، وانتعاش قطاع الفوسفاط وتحويلات مغاربة الخارج، لذر الرماد في العيون عبر اجتراح بعض الإجراءات ضعيفة الأثر، كل ذلك لن لن يجدي أمام صعوبة ودقة المرحلة، وهو الأمر الذي تكشفه الوقائع بالملموس ولا يمكن إخفاؤه ولا التستر عليه.
فما الذي تنتظره هذه الحكومة وأغلبيتها؟ هل تنتظر خراب “مالطا” كما يقال؟ ألا تمتلك هذه الحكومة ما يكفي من حاسة سياسية لتلتقط بها رسائل خروج المواطنين إلى الشارع الأسبوع الماضي في أكثر من موقع للاحتجاج ضد الغلاء وانهيار القدرة الشرائية.
الأغلبية والحكومة تكتفي بترديد سرديتها القديمة والتي لا أثر لها في الواقع، كالحديث المتباهي بصرف دفعات الدعم بالنسبة لمهنيي النقل، لكن دون أن يكون لهذا الإجراء أثر ملموس في خفض أسعار المنتوجات التي يدخل ضمنها كلفتها النقل، ودون أن يصل أثرها أيضا السائق المهني المطحون طحنا كغيره من الفئات الهشة.
كما أنها تكرر وبشكل مرضي ومقرف جدا، أنها مستمرة في دعم صندوق المقاصة، والحال أن هذا الصندوق وتخصيص الدعم له، ليس ابتكارا لهذه الحكومة لتمن على المغاربة بما تصرفه عليه من اعتمادات، في حين أن المطلوب منها أن تبتكر حلولا أخرى إضافية لتعزيز دور هذا الصندوق وتكريس أثره في واقع الناس وفي قفتهم اليومية.
الحكومة كان وما يزال في يدها أكثر من حل لكن يبدو أنها عاجزة على الإبداع، لتلبسها بتضارب المصالح إلى أخمص قدميها، وإلا فما الذي يمنعها من تقليص الضريبة على القيمة المضافة وعلى الاستهلاك الداخلي على المحروقات، خصوصا أن إيردات الدولة منها ارتفعت بشكل غير مسبوق بسبب ارتفاع الأسعار إلى مستويات غير مسبوقة؟
ما الذي يمنعها من إلزام الفاعلين في القطاع بخفض هوامش ربحهم كما فعلت دول أخرى أكثر ليبرالية منا كالولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وغيرها؟.
“الحصول إلا بانت المعنى لا فايدة من التكرار” والله غالب على أمره.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.