[ After Header ] [ Desktop ]

[ After Header ] [ Desktop ]

[ after header ] [ Mobile ]

[ after header ] [ Mobile ]

التليدي: سيناريوهات التعديل الحكومي في المغرب

عن القدس العربي


نشرت المجلة الفرنسية «جون أفريك» خبرا عن تعديل حكومي وشيك بالمغرب، يروح ضحيته كل من وزير التعليم العالي عبد اللطيف ميراوي، ووزير العدل عبد اللطيف وهبي المنتميين لحزب الأصالة والمعاصرة.
بعض الأوساط الحزبية، لاسيما من الأصالة والمعاصرة نفت الخبر، معتبرة أن التعديل الحكومي، يتم وفق الآلية الدستورية، وأن التحالف الحكومي، قائم، وألا مشكلة تواجه الأغلبية الحكومية.
أوساط أخرى، تحدثت عن إمكان دخول الاتحاد الاشتراكي إلى الحكومة، واستندت إلى مؤشرين اثنين: الأول، تصريح وزير العدل، والأمين العام للأصالة والمعاصرة، يتحدث فيه عن الاتحاد الاشتراكي باعتباره حليفا مستقبليا لحزبه في الحكومة. والثاني، هو تلطيف الاتحاد الاشتراكي لمعارضته للحكومة، وابتعاده عن التنسيق مع المعارضة على المستوى التشريعي (البرلمان).
مياه كثيرة جرت تحت الجسر طوال الأشهر التي أعقبت نشر المجلة الفرنسية للخبر دون أن يحدث بالفعل التعديل الوزاري، فقد دخل وزير العدل في حملة إيديولوجية قوية ضد الإسلاميين والتيار المحافظ بقصد الترويج لتعديلاته المرتقبة على مدونة الأسرة و القانون الجنائي، وبرز على الواجهة الإعلامية كمهاجم شرس لأحكام الإرث والوصية والطلاق، ودافع بشكل كبير عن حق الراشدين في بناء علاقات جنسية رضائية من غير أن يطالهم القانون بأية عقوبة زجرية، فيما استمر زميله في مسؤولية وزارة التعليم، في خوض المعارك الدونكشوتية مع مختلف الفاعلين في القطاع، فخاصم ندوة الرؤساء (رؤساء الجامعة) وأصر على فرض أجندته في الإصلاح، وسط ممانعة شاملة من قبل النقابات والأساتذة، وتسبب بقراراته غير المحسوبة في تعطيل أو إبطاء مسار التوظيف بالجامعة، بسبب شروطه المثالية التي يحرص على تطبيقها دون مرونة في التنزيل.
الواقع أن تأخر التعديل الحكومي، زكى لدى العديدين فرضية عدم صحة ما نشرته المجلة الفرنسية، وأن الحكومة ستستمر بتحالفها الحالي، لكن المؤشرات التي يعرفها المشهد السياسي، تقدم تفسيرا آخر، يفسر تأخر إجراء التعديل باعتبارات سياسية تتعلق بما يترتب عنه، وما يجب بذله من أجل إعداد توافق بين مكونات الأغلبية الجديدة، بالشكل الذي يضمن من جهة تماسك الحكومة، ومن جهة ثانية، ألا يكون هذا التعديل سببا في حدوث هزات حزبية، قد تؤثر بشكل كبير، ليس فقط على عملية تشكيل الحكومة، بل على توازن الأغلبية والمعارضة على السواء، فخروج عبد اللطيف وهبي من الحكومة، لا يمكن تسويته بخروج عبد اللطيف ميراوي، فوضعية الأول، وصفته كأمين عام حزب الأصالة والمعاصرة، تجعل خروجه من الحكومة مهددا للأغلبية الحكومية برمتها، وناسفا للتوازن بين الأغلبية والمعارضة، وأن بقاء الأصالة والمعاصرة في الحكومة، مع إخراج أمينه العام تعديل قد يتطلب خلق دينامية داخلية في الأصالة والمعاصرة، تمهد لقيادة بديلة في حال تعنت الأمين العام الحالي ومشاكسته.
المؤشرات التي برزت في الشهر الجاري، تعزز هذه الفرضية، فالأوساط داخل الأصالة والمعاصرة تتحدث عن برودة شديدة في العلاقات بين مكونات الأغلبية، وعن توقف لقاءات أحزاب الأغلبية، بل وتكشف عن توقف الاتصال عبر الهاتف بين رئيس الحكومة ووزراء الأصالة والمعاصرة، بالشكل الذي دفع المكتب السياسي لهذا الحزب إلى إصدار بيان يتضمن نقدا سياسيا حادا لرئيس الحكومة لا يختلف في كثير عن نقد أحزاب المعارضة له، فانتقد على الحكومة ضعف التواصل الداخلي فيما بين أعضاء الحكومة في تسريع الأوراش الإصلاحية، وهي العبارة التي فهم منها عدم تقديم رئيس الحكومة أي دعم سياسي للتعديلات التي يعتزم وزير العدل عبد اللطيف وهبي ضمها إلى مدونة الأسرة والقانون الجنائي، كما انتقد البيان ضعف الحوار الداخلي الفعال بين الحكومة وبين وزراء الأصالة والمعاصرة. بل إن الأمر تعدى ذلك إلى تحميل الحكومة مسؤولية انتشار الإشاعات والأخبار الزائفة عن أدائها، بسبب ضعف تواصلها الخارجي، وعدم تحمل رئيس الحكومة مسؤولية الخروج للمواطنين للتواصل معهم، وتمكينهم من حقهم في المعلومات الصحيحة.
المؤشر الثاني، الذي يقوي فرضية إمكان إجراء تعديل حكومي وشيك، هو الاستفسار الذي وجهه الملك محمد السادس عند بداية أشغال المجلس الوزاري المنعقد بتاريخ 19 مايو، لوزير الفلاحة حول نتائج الموسم الفلاحي الحالي والتدابير التي ستتخذها الحكومة لدعم الفلاحين بسب ارتفاع أسعار المواد الأولية الفلاحية وكذا إعداد الجيد الموسم الفلاحي المقبل.
البعض يرى أن هذا الاستفسار عادي لا يتضمن أي رسالة سياسية بقرب مغادرة هذا الوزير للتشكيلة الحكومية، بحكم أن موضوع الاستفسار توجه إلى تدابير مستقبلية، ولم يتعلق بتقييم سياسة معتمدة، لكن السوابق في هذا المجال تؤكد التلازم الشديد بين الاستفسار وبين وصول معطيات إلى الملك عن حالة تذمر شعبي أو مؤسساتي من سياسة وزارة الفلاحة وتسببها في مضاعفة المعاناة على الناس، لاسيما وأن مؤسسات في الدولة (المندوبية للسلمية للتخطيط) لا زالت إلى اليوم مصرة في تقييمها إلى أن جزءا كبيرا من أزمة ارتفاع أسعار المواد الغذائية تعود إلى أخطاء في السياسة الفلاحية وتوجهها نحو التسويق بدل تلبية حاجة السوق الداخلي.
المؤشر الثالث، هو الحركية الداخلية التي يعرفها الأصالة والمعاصرة، والتي تؤشر على حالة التوتر الداخلي، ووجود قوى داخل الحزب لم تعد تقبل باستمرار عبد اللطيف وهبي على رأس الحزب، فبعد أن أقال عبد اللطيف وهبي مدير فريق حزبه بمجلس المستشارين، فقد قرر الأيام القليلة الماضية إعفاء رئيس الفريق بمجلس المستشارين الخمار المرابط، دون أن يقدم أي تعليل لذلك، فيما تربط أوساط داخلية قرار وهبي بتزايد نفوذ الجبهة المعارضة له داخل الحزب، وتمكنها من كسب مواقع مهمة في البنية المؤسسية التشريعية.
المؤشر الرابع، ويرتبط بموقف حزب الاتحاد الاشتراكي، الذي لم يعد مكتفيا بالتصريح أن التعديل الحكومي يتوقف على المقتضيات الدستورية، وإنما زاد إلى ذلك تلطيف لغة المعارضة، والحديث عن اختلاف المعارضات، واستعداد حزبه للعمل لمصلحة المغرب من أي المواقع، فقد بدا الخروج الإعلامي للكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي السيد إدريس لشكر في برنامج «نقطة إلى السطر» في القناة الأولى، أشبه ما يكون بغزل لرئيس الحكومة، يقدم فيه الضمانات الكافية لدخوله إلى الحكومة ودوره المرتقب في تقوية عملها، وهو الغزل الذي جر عليه انتقاد الأمين العام للعدالة والتنمية عبد الإله بن كيران، الذي تحدث في خطاب أمام حزبه، بأنه لا يعرف في السياسة كيف تتحول المعارضة إلى حزب سياسي يطلب ود الحكومة من أجل تمكينه بمواقع داخلها.
تبعا لهذه المؤشرات، من المتوقع جدا الإعلان عن تعديل وزاري، يروح ضحيته وزراء من الأصالة والمعاصرة، وأيضا وزير الفلاحة، وربما قد يشهد المشهد السياسي السيناريوهات التالية: قبول الأمين العام للأصالة والمعاصرة بخروجه من الحكومة وبقاء حزبه فيها مع دخول الاتحاد الاشتراكي، أو رفض الأمين العام للأصالة والمعاصرة بقاء حزبه في الحكومة في حال دعوته إلى مغادرة الحكومة، وفي هذه الحال، يمكن أن نرى احتمالين اثنين، حدوث دينامية داخلية في الحزب تفضي إلى رحيله من قيادة الحزب، أو حدوث تعديل جوهري في أحزاب الأغلبية الحكومية وخروج نهائي للأصالة والمعاصرة من الحكومة.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.