محمد عصام يكتب: ماذا وراء قرار مجلس المنافسة بفتح ملف المحروقات؟
أصدر مجلس المنافسة بلاغا يوم 2 يونيو، يخبر فيه بإعادة فتح التحقيق في ملف المحروقات، ووجود محتمل لممارسات منافية للمنافسة.
المجلس في قراره ذلك استند، على دخول قانون حرية الأسعار والمنافسة، وقانون مجلس المنافسة، لحيز التنفيذ.
جاء هذا القرار بعد الدعوات المتكررة بضرورة تدخل المجلس، خصوصا بعد تقرير اللجنة الاستطلاعية البرلمانية التي أثبتت وجود شبهة التواطؤ من طرف شركات المحروقات، والتي حددت حجم الأرباح غير أخلاقية في درهم إلى درهمين عن كل لتر، وبهذه الطريقة تم إحصاء 7،8 مليار درهم عن سنتي 2016 و2017 لكل واحدة على حدة، عن مجموع استهلاك يقدر بــ 6،3 مليون طن سنويا، وبالإضافة إلى الأشهر الأولى من سنة 2018 قبل إصدار تقرير اللجنة، ليكون مجموع ما “لهفته” شركات المحروقات هو 17 مليار درهم على أقل تقدير باحتساب درهم واحد فقط عن كل لتر، هذا الرقم وصل بعد ذلك في إحدى التقارير المستقلة إلى أزيد من 45 مليار درهم.
تدخل مجلس المنافسة اليوم لا يمكن إلا أن ُيثمن، في انتظار الخلاصات التي نتمنى أن ُتفلت هذه المرة، مما تعرضت له خلاصات وعقوبات المجلس في نسخة إدريس الكراوي، والتي ما يزال المغاربة ينتظرون نتائج التحقيق الذي تم فتحه بخصوصها.
وفي نفس الوقت لابد من قراءة السياق السياسي الذي أنتج هذا التحرك أو ساهم فيه أو دفع في اتجاهه، بشكل يضع قرار المجلس ضمن مصفوفة من الأحداث والوقائع، تبعث رسائل لا يمكن أن تخطئها عين المراقب البصير بالمشهد السياسي المغربي وتموجاته.
المدخل الرئيسي لهذه القراءة، يتمثل في حالة الانسداد الذي أوصلتنا إليه هذه الحكومة، والعجز البيِّن للنخب التي أفرزتها لحظة 8 شتنبر، مركزيا ومجاليا، وعدم جدارتها لتدبير اللحظة المعقدة التي تعيشها البلاد، في ظل تنامي التضخم وغلاء الأسعار وتراجع القدرة الشرائية للمواطنين، والإنهاك غير المسبوق للطبقة المتوسطة، والطحن الكلي للفئات الهشة، والسقوط المروع لكل شعارات الحملة الانتخابية وتبخر الوعود السخية التي رافقتها، بالإضافة إلى تنامي الشرخ داخل التحالف المهيمن حكوميا وترابيا، وما أفرزه هذا الوضع على المستوى السياسي من ازدياد منسوب الشك وعدم الثقة في الحكومة وإجراءاتها، وتنامي موجات الغضب والاحتجاج هنا وهناك.
إن هذا الوضع يعني بعبارة أكثر دقة، أن النموذج الذي تمثله نخب 8 شتنبر قد استنفذ بسرعة قياسية الجدوى منه، ولم يعد هناك ما يبرر تحمل كلفته السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وهذا يعني بطريقة أخرى أن من كانوا يراهنون على هذا النموذج لمسح الطاولة، ومحو أثر العدالة والتنمية، ولحظة ما بعد الحراك الاجتماعي وإقرار دستور 2011، قد ُسقط في أيديهم بسبب فداحة الخسائر التي كشفتها مدة سنة ونصف فقط من التدبير من طرف هذه النخب، وبالتالي لم يعد مسموحا بتحمل كلفة هذا النموذج الباهضة سياسيا إلى ما لا نهاية.
هذا التفسير أو التحليل يجد له مستندا في عدة وقائع تتعلق بالمتابعات التي تم تحريكها في حق مسؤولين كانت ملفاتهم مفتوحة منذ مدة، لكن في الآونة الأخيرة تم تسريع مسطرة المتابعة واتخاذ قرارات بصددها، وبالتبع تحركت عملية عزل من يتوجب عزله من المهام الانتدابية سواء تعلق الأمر بالبرلمان أو بالمجالس الترابية، بالإضافة إلى تحرك وزارة الداخلية لتفعيل مقتضيات منع “تضارب المصالح” وتنفيذ مذكرة وزير الداخلية بهذا الخصوص.
كما أن قرار مجلس المنافسة جاء متزامنا مع بلاغ مؤسسة الوسيط بخصوص امتحان المحاماة، وبلاغ رئيس الحكومة المتجاوب معها، وهو ما يعني بشكل أو بآخر الاعتراف والإقرار بالخروقات والتجاوزات التي رافقت تلك المباراة، عكس ما ظل الوزير المعني بالقطاع يلوكه منذ دجنبر الماضي، وإصراره على تجاوز تلك الاحتجاجات والاعتراضات بالمضي في قرارات تتجاهلها ولا تقيم لها وزنا، بل اقتراف استفزازات مجانية تسيء لسمعة البلد والحكومة قبل أن تسيء لصاحبها الذي يبدو انه غير مكترث بكل ذلك.
خلاصة القول، أننا أمام تدابير تريد أن ترتق “ثقب الثقة” الذي اتسع مع هذه الحكومة، وأن تتدارك العجز في إنتاج المعنى في السياسة الذي” تغرق” فيه نخب 8 شتنبر، فمادامت التدابير الحكومية والأداء الترابي عاجزين عجزا تاما عن الإجابة عن انتظارات المواطنين والتواصل معهم، فلا أقل من اجتراح تدابير موازية تُبقي على الحد الأدنى من الثقة أو تحاول استعادتها قدر المستطاع.
على أي نتمنى صادقين أن ينجح مجلس المنافسة في نسخته الحالية في هذا الامتحان، وأن يتجاوز بما له من صلاحيات الضغوط التي أفشلت نسخة إدريس الكراوي، وأن يبعث رسائل في أن لا أحد فوق المحاسبة، وأن أقوات وأموال المغاربة لن تكون لقمة سائغة للمضاربين والمحتكرين.