الودغيري: سمة الوضع اللغوي بالمغرب هي الفوضى والتسيب.. وهكذا يكون العلاج

أكد عالم اللسانيات العلي الودغيري، أن السمة الطاغية على الوضع اللغوي بالمغرب هي سمةُ الفوضى والتسيّب.
وأضاف الودغيري في مداخلة له خلال ندوة بعنوان: “الوضع اللغوي في المغرب”، بالمعرض الدولي للكتاب بالرباط، 05 يونيو 2023، أن هذه السمة لها تجليات سلبية، ومنها أن العربية مثلاً تعد من الناحية القانونية لغة رسمية منذ أول دستور (1962)، بل هي اللغة الرسمية في الإدارة والعلم والتعليم والقضاء والتشريع فضلاً عن الدين، واللغة العالِمة في المغرب منذ دخول الإسلام، ومع ذلك لا يوجد لحد اليوم أي مرسوم تنظيمي وتطبيقي لتفعيل هذا الترسيم الدستوري وتنزيله.
وأردف، لذلك هي رسمية في ورقة الدستور وغير رسمية في التعامل الواقعي معها، مشددا أن هذا خلل كبير، وعلامة استفهام كبرى حول من الذي يعوق تحويل التشريع الدستوري إلى نصوص تطبيقية؟ من يقف وراء ذلك؟ هل هي سياسة مرسومة ومخطط لها أم هو مجرد لا مبالاة وإهمال لهذا الموضوع الحيوي جدا؟
في المقابل، يقول الودغيري، اللغة الفرنسية ليست لغة وطنية ولا رسمية ومع ذلك فهي المستحوِذة على أهم المجالات في الإدارة والتعليم والإعلام والاقتصاد والتجارة والعقود والالتزامات والشركات… الخ، من غير حاجة حتى إلى تشريع أو نص تنظيمي.
واسترسل، لذلك نجد أن “اللغة الأجنبية تقوم بدور اللغة الرسمية، واللغة الوطنية لا تقوم إلا بدور المساعد أو الخادم لها في كثير من الحالات. وهذه ظاهرة خطيرة”.
واعتبر المتحدث ذاته، أن هذا يطرح من جهة تغوّلُ اللغة الأجنبية وتطاولها على حقوق اللغة الوطنية والتعدّي على وظائفها حتى في المجالات التي لا يُحتاج فيها إلى استعمال اللغة الأجنبية، ويطرح من جهة أخرى قضية كبيرة جدا هي غياب مفهوم السيادة اللغوية في تفكير الدولة واستراتيجياتها، وغياب مفهوم الاستقلال اللغوي والثقافي الذي يتأسس عليه استقلال القرار السياسي والاقتصادي.
وشدد الودغيري في مداخلته، على ضرورة العمل على عقلنة المشهد اللغوي وضبطه وفق تخطيط لغوي حكيم وبناء، وسياسة لغوية محدَّدة الأهداف واضحة المعالم، يُتوخَّى منها الأثر الإيجابي الذي يساهم في إثراء المشهد اللغوي، والاستفادةِ من التنوع البشري والفكري والثقافي وتفتُّحِ المجتمع وتيسير سُبُل التعايُش السلمي بين مكوّناته، لكن بشرط ضروري وهو ألا يكون ذلك على حساب اللغة الوطنية والرسمية.
وأوضح العالم اللغوي، أن التخطيط اللغوي المطلوب يجب أن يضمن لمختلف التعبيرات المتداولة، ولاسيما الوطنية منها، وجودها ونموها الطبيعي، في تكامل للأدوار والوظائف، مع الاحتفاظ للغة الرسمية والوطنية المشتركة الأكثر كفاءة وتجربة في المجال العلمي مكانتها ووظيفتها الأساسية في التعليم والإدارة والاقتصاد والإعلام والحياة العامة، والحد من تغول اللغة الأجنبية.
وأكد أن الاهتمام باللغات الأجنبية لا ينبغي أن ينسينا ما هو أهم، وهو تنمية لغتنا الوطنية وترقيتها ودفعها لتحتل مكانتها العالمية على كل الأصعدة.
إذن، يقول الودغيري، لا بد من إعادةِ الاعتبار للغة الرسمية والوطنية المشتركة التي لها تجربة طويلة في المجال الثقافي والعلمي والتعليمي وتراكم علمي وحضاري، وجعلِها لغةَ التلقين والتدريس الأساسية ولغةَ الإدارة والاقتصاد والمعاملات المختلفة، إذا كنا نريد حقا بناء مجتمع قوي موحّد منسجِم متلاحِم، مع ضرورة الانفتاح على اللغات الأجنبية ولاسيما الأنجع منها والأفيد لمستقبل بلادنا وأبنائنا.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.