نزار خيرون
ظهر أخنوش في صورة مهزوزة جدا خلال حلوله بمجلس النواب في إطار الجلسة الشهرية لمساءلة رئيس الحكومة، يوم الإثنين، خصوصا حينما تهجم على نائبة برلمانية بدون وجه حق ولا مبرر وبشكل لا يليق برجل دولة.
لم يتمالك أخنوش نفسه أمام خروج النائبة والمناضلة المحترمة الباتول أبلاضي من قاعة الجلسات العامة، لحظة تعقيبه على النواب، لظرف خاص وطارئ حتى تهجَّم عليها ظناًّ منه سوءاً أنها تنسحب، ولم يكتف بذلك إذ أعاد الكرة مرة أخرى لما عادت بعد دقيقة أو دقيقتين، وهو ما يدل على الغُصّة الكبيرة التي يسببها له حزب العدالة والتنمية ومجموعته النيابية الفاعلة والمجتهدة، كما يدل على البغض الكبير الذي يكنه لهذا الحزب، وهو ما أعماه وأسقطه في فخ كبير من الناحيتين السياسية والتواصلية حيث أظهر فعلاً صورته المهزوزة.
بالمناسبة أحيي السيدة النائبة المحترمة الباتول أبلاضي على سؤالها المحترم والغني بالمُعطيات والتساؤلات الحارقة التي ألقت بها بين يدي رئيس الحكومة، كما أحيي السيدة النائبة المحترمة ثرية عفيف على تعقيبها الناري والمليء بالحقائق دون مزايدات، وهذا سبب آخر يفسر ذلك التهجم والصورة اللامسؤولة التي ظهر عليها عزيز أخنوش.
طبعاً لا يمكن تحليل الصورة المهزوزة التي ظهر عليها أخنوش دون الأخذ بعين الاعتبار الكلمات الأخيرة للأمين العام لحزب العدالة والتنمية، وبيانات الأمانة العامة التي حشرت الحكومة في الزاوية و أظهرت عجزها البين والفاضح في تدبيرها للشأن العام ناهيك عن رصد الاختلالات التي تصاحب تدبير حكومة 8 شتنبر لشؤون المغاربة.
أتفهم شخصيا تلك الصورة المهزوزة التي ظهر عليها أخنوش، فالرجل لم يكن قط سياسيا، بل كان مجرد تقنوقراط يُصبغ كل مرة بلون حزب معين، ولم يألف منطق المعارضة يوماً، إنما اعتاد التمجيد والتهليل والتطبيل، وكان يتجنب الصحافة والإعلام حتى وجد نفسه في خضم التفاعلات السياسية بل فاعلا أساسيا فيها، حتى وإن كان متحكما في معظم المنابر الصحفية التي كانت بالأمس القريب تنتقد كل صغيرة وكبيرة في الحكومتين السابقتين بحق أو بدونه، غير أنه من سوء حظه ربما، وجد نفسه أمام صوتٍ معارض يكاد يكون وحيداً، وفي مرمىً حزب تمرس في تدبير الشأن العام وحفظ آلياته وتقنياته وسياساته، بل حزب هو الأول سياسيا وإن حُجِّمَ انتخابيا، وبالتالي نحنُ أمام رجل صدره ضيق جدا أمام الانتقادات وليس عنده إلا منطق التهليل والتبجيل والتطبيل.
ورغم أن عزيز أخنوش يتوفر على أغلبية من ثلاثة أحزاب فقط، وله دعم إعلامي واسع بدون قيد أو شرط، إلا أنه يظهر ضعيفاً جدا أمام حزب لا يتوفر حتى على فريق برلماني ولا يملك إلا العدد القليل من المنتخبين، ومع ذلك فإن رئيس الحكومة يهابه ويخشاه ولن أبالغ إن قلت أنه يخاف منه، ذلك لأنه يعي جيداً أن العدالة والتنمية رغم كل ما مورس ضده ظل مُتماسكاً وصامداً ويتوفر على رصيد كبير من المصداقية وهو الشيء الذي لا يتوفر عليه لا هو ولا حزبه.
كما أتفهم تلك الصورة التي ظهر عليها أخنوش نظراً للغصة التي تلازمه بسبب عدم توفره على الامتداد الشعبي، وأتفهمها أيضاً لكون الرجل يعي جيدا حجم المنصب الذي يتقلده مقابل عدم توفره على الكفاءات السياسية اللازمة والحس الاجتماعي والشعبي للتجاوب مع المواطنين والتواصل معهم، وهذا ما يفسر غيابه الدائم عن النقاش العمومي الذي يطرح بين الفينة والأخرى، وطبعاً فإن فاقد الشيء لا يعطيه فكيف بمن لا يدافع عن وزرائه وحلفائه سيخرج إلى الناس ويشرح لهم ويتواصل معهم، وهو الذي لا يتوفر حتى على النزر القليل من الشجاعة السياسية، ولا يبقى أمامه سوى سياسة النعامة في مواجهة كل أزمة أو نقاش وذلك ما يُتقنه باستمرار.
بالإضافة إلى إخفاقه في تدبير شؤون المغاربة، فقد فشل عزيز أخنوش فشلا ذريعاً في التواصل السياسي بالرغم من دورات الكوتشينغ وعمليات التجميل السياسي التي رافقت ما قبل حملته الانتخابية، وبالرغم من كل الدعم الذي يحظى به إعلاميا ونقابيا وحتى من قبل بعض أحزاب المعارضة، فشل أمام المواطنين و مقابل مكون سياسي يزعجه ويسبب له الأرق، وهذه قصة أخرى و سبب آخر من جملة الأسباب التي تجعله عدوانياً ومجردا من كل لباقة أمام حزب العدالة والتنمية.
اه كدت أنسى، بمناسبة الحديث عن الجلسة الشهرية لرئيس الحكومة بالبرلمان، أتذكر أنه في بداية تنزيل وترسيخ هذا المكتسب الدستوري سنة 2012، عملت عدد من الأحزاب السياسية والفرق البرلمانية لتحول دون حلول رئيس الحكومة آنذاك بالبرلمان بصفة شهرية، وسعت بكل الوسائل إلى تحجيم حضوره من حيث التوقيت، بابتكار بدعة تفريق الأسئلة، ومع ذلك كان رئيس الحكومة يحترم مواعيده الدستورية ويأتي إلى البرلمان بشكل شهري، وظل هذا المكتسب كذلك خلال الولاية التي بعدها إلى أن جاء أخنوش، الذي لم يجد مقاومة من أحد بخصوص هذا الشأن فضرب كل ذلك عرض الحائط وحوّل الجلسة من شهرية إلى شهرينية، اي مرة كل شهرين، وفي الأخير يصدعون رؤوسنا بالديمقراطية وهم عنها بعيدون بعد المشرق عن المغرب.