استغل القيادي في حزب التجمع الوطني للأحرار والوزير السابق، محمد أوجار، نشاطا حزبيا للرد على ما جاء في كلمة الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، الأستاذ عبد الإله ابن كيران، في اجتماعه مع المجموعة النيابية للحزب.
والذي يبدو من خلال الخرجة إياها، وانتقاء السيد أوجار لهذه المهمة، وهو المعهود عليه الاقتصاد في الكلام والبعد عن “إغراء الكاميرا وغواية الميكروفون” أن حزب التجمع الوطني للأحرار مشغول إلى درجة الهوس بحزب العدالة والتنمية وأمينه العام رغم احتلاله ذيل الترتيب في خريطة ما بعد 8 شتنبر، ورغم تربع التجمع “بقدرة قادر” على قمة المشهد السياسي، واحتكاره مع تحالفه الثلاثي التدبير مركزيا ومجاليا، وأن كلمات ابن كيران توجعه وتصيبه في مقتل.
أوجار آلمه أن ابن كيران وصف حزبه في كلمته أمام نواب المجموعة، بأنه حزب إداري، وحاول عبر سردية ركيكة تبرئة حزبه من تلك الشبهة التي تلاحقه منذ أن راى النور إلى الآن، عبر بعض الوقائع المنتقاة بدقة، للتدليل على أن الحزب كان في محطات معينة على يسار الإدارة، أو على الأقل لم يطاوعها في كل ما أمرت أو أشارت به.
ودعونا نهمس في أذن السيد الوزير السابق مع الاحترام الكامل لشخصه، أن كون حزب التجمع حزبا إداريا، هو من باب” السماء فوقنا”، وأن المغاربة قاطبة وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها لن يختلف بينهما اثنان على أن التجمع كان وما يزال حزب الإدارة وبسبق الإصرار والترصد.
وهذه حقيقة يقولها التاريخ كما يقولها الواقع ولا شك لدي أن المستقبل لن يخرج عن هذه القاعدة.
التجمع الوطني للأحرار، أيها الوزير السابق المحترم، المغاربة كلهم، كبيرُهم وصغيرُهم، يعرفون حق المعرفة الطريقة التي أنشئ بها هذا الحزب، ولأي غاية، والسياق الذي تحكم في تلك الولادة، ولا أحد يمكن أن يجادل أو حتى أن يسمح لنفسه في مناقشة، أن الحزب ولد في حضن الإدارة وبإرادتها.
المغاربة يعرفون أن مهندسي الخرائط السياسية في هذا البلد، وبكل وضوح الإدارة، هي من دفع عددا كبيرا من الأعيان إلى الترشح في انتخابات 1977، لمزاحمة مرشحي الأحزاب الوطنية وخصوصا الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب الاستقلال، وخلق توازن من خلالهم وبالتحديد في المجالات القروية، وفعلا كانت نسبة هؤلاء الأعيان مؤثرة لأن الإدارة يسرت لهم بكل الطرق سبل الفوز في دوائرهم، وبعد ذلك تم الانتقال إلى الخطوة الثانية في المخطط الإداري، وهي تجميع هؤلاء في حزب واحد، تعهد فيه القيادة لشخصية لها وزنها السياسي في تلك المرحلة، حيث تم تأسيس حزب التجمع الوطني للأحرار بقيادة الأستاذ أحمد عصمان الذي ترأس الحكومة في تلك الفترة.
ونهمس أيضا في أذن السيد أوجار، أن حتى اسم الحزب يحمل في دلالته اللغوية إحالة كبيرة وقوية على تلك الملابسات التاريخية التي لا يمكن محوها بجرة “لسان”، فهو تجمع بمعنى تجميع لأولئك الأعيان الذين سُموا أحرارا أي مستقلين، ولا يجمع بينهم أي تصور فكري، أو تموقع أيديولوجي، غير أنهم كانوا يقومون بأدوار وظيفية لصالح الإدارة، ويمتثلون بأوامرها ويلتزمون بإشاراتها حركة وسكونا، ولا أظن أن أوجار يستطيع أن يمحو هذه الدلالة من اسم حزبه، والتي ستظل تلاحقه دوما وتذكر من يحتاج إلى ذلك بأنه حزب إداري بقوة الولادة المشبوهة في حضن الإدارة وتحت عينها التي لا تنام.
حاول السيد أوجار بكل ما أوتي من جهد على نفي وصم “الإدارة عن حزبه” بانتقاء لحظات معينة قال عنها إن الحزب لم يطاوع الإدارة بل إنه تحمَّل من أجل ذلك خصوصا على عهد الرجل القوي في الداخلية الراحل ادريس البصري، والذي أعرفه ويعرفه المغاربة جيدا، أنه لم يحدث قط أن تم اعتقال منتم واحد لهذا الحزب بسبب موقف سياسي أو رأي في قضية ما، كما أنه لم يحدث قط أن سمعنا أو رأينا تضييقا يمارس على هذا الحزب وعلى أنشطته إن وجدت أصلا، وبالتالي لا أدري عن أي تضييق أو معاناة يلمح لها أوجار عاشها حزب التجمع الوطني على عهد البصري.
إن ما جاء في كلام أوجار من وقائع محددة، لا يمكن أن تمحو صفة الإداري عن هذا الحزب، وستظل لصيقة به إلى الأبد، وهي وقائع تعكس فقط بعض الخلافات التي تقع في بعض الأحيان داخل مربع الإدارة نفسِها في تقدير الموقف من بعض القضايا الطارئة، لأن الإدارة ليست دائما على قلب رجل واحد، لكن تخترقها بعض الخلافات التي تعكس المصالح المتباينة للأطراف المشكلة لها، هذه الخلافات تنعكس بالضرورة على أدواتها الوظيفية والتي يعتبر التجمع الوطني للأحرار واحدا من تجلياتها بل هو أبرزُها.
هذا عن التاريخ، أما الواقع فيقول نفس مقالة التاريخ أو أكثر، فالذي جاء بأخنوش ليتولى قيادة الحزب بعد أن غادره منذ انتخابات 2011 التشريعية، هو ذاته من خطط لمسيرة ولد زروال وأفشل الشعب المغربي مخططه، فاستعاد المبادرة بالرهان على أخنوش للالتفاف على إرادة الشعب في انتخابات 2016، والمقامرة بالبلد برمته في إطار ما عرف بالبلوكاج الشهير.
بقية القصة يعرفها المغاربة بل إنهم يعيشون مرارتها كل يوم ومنذ 8 شتنبر 2021.
لكن التاريخ يقول لنا دوما، أن مثل هذه المشاريع التي يتم صياغتها في دهاليز الإدارة، لا يمكن لها أن تستمر، فممكن أن تحسم جولة لصالحها، لكن لا شيء يعلو على إرادة الشعب واختياره.
رابط المشاركة :
شاهد أيضا