محمد عصام يكتب:على هامش ما وقع في البرلمان.. إذا كنت في المغرب فلا تستغرب !!!

ما وقع بجلسة  أول أمس الخاصة بالأسئلة الشفهية بمجلس النواب، يستحق أن يرويه الرواة للأجيال المقبلة مبتدئين ، بـــ “كان يا مكان”، وفي آواخر الزمان، وفي بلد يُدعى المغرب بين البلدان، غرَب فيه المنطق ومات وهان، وأُقبرت السياسة وكانت في خبر كان، حتى عادت الأغلبية معراضةً وبسبق إصرار و”صنطيحة” اللسان، وأصبح المواطن عاجزا عن الفهم والتبيُّن والبيان، واختلط كل شيء حتى فُقد المعنى وتداخلت الألوان، إلى أن يجود الواحد المنان، بنهار يذهب هذا الظلام والبهتان.
اعتذر على المقدمة السجعية، التي ربما لا تنسجم مع هذه الزاوية، لكن فعلا ما وقع يحمل من الغرابة ما يستحق أن يكون رواية تضاهي في “غرائبيتها” وسرياليتها قصص ألف ليلة ولية.
الحكاية أن النخب التي حملها تسونامي 8 شتنبر، لا يمكن توقع القاع والحضيض الذي تنهل منه، بل إن الخيال يبقى عاجزا عجزا تاما وكاملا، عن تصور ما يمكن لهذه النخبة – وهي في الحقيقة لا تستحق أن يطلق عليها وسم النخبة لأنها والقاع سيان – أن تقترفه من “موبقات” السياسة وشطحات اللامنطق.
ما معنى أن يتدخل نائب من الفريق الاستقلالي والآخر من الفريق التجمعي، وكلاهما من الأغلبية الحكومية، فينعت الأول ما قام به وزير الصحة من زيارة ميدانية لمستشفى الدريوش، بأنه مسرحية، ويقول الثاني ، وهو من نفس حزب الوزير “يا حسرة!!!”، أن الزيارة لم يكن لها من داعٍ؟!!!!
وبغض النظر عن موقفنا من الزيارة وجدواها، وهل حققت أهدافها أم لا، إلا أن أي عاقل على وجه الكرة الأرضية منذ الوجود الأول إلى أن الفناء المحتوم، لا يمكن إلا أن يرحب بالزيارة والتفقد، لأن ذلك من صلب واجبات المسؤول كيفما كان موقعه ودرجة مسؤوليته، ورحم الله سيدنا عمر بن الخطاب الذي قال فيما ُروي عنه ” لو أن بغلة عثرت في طريق العراق، لسألني الله عنها لمَ لمْ تُصلح لها الطريق يا عمر”.
ولسنا هنا للدفاع عن الوزير، لكن ليس هناك أي مبرر موضوعي لهذه النيران الصديقة التي أطلقت من داخل بيت الأغلبية وبشكل عشوائي وبدون منطق أو معنى أو هدف.
الأمر الذي يطرح أولا سؤال المسؤولية السياسية للفرق ورؤسائها، وبالتبع مسؤولية القيادة السياسية لتلك الأحزاب، هل فعلا أننا أمام أحزاب بالمعنى الحقيقي لمفهوم الحزب، أم أننا أمام تجمعات “كلها يلغي بلغاه”؟؟؟!!!!
نحن نعرف جيدا ويعرف معنا المغاربة على جهة التحديد نوع الكائنات التي أريد لها أن تتصدر المشهد السياسي بعد واقعة 9 شتنبر، لكن أن تصل الحالة إلى هذا المستوى من إنتاج الضحالة واقتراف الحضيض، فإنه لا أحد كان بالإمكان أن يوصله جموح “الخيال” إلى توقعه، فالأمر يتعدى سؤال انسجام الأغلبية ومكوناتها، إلى مستوى أكبر، يتعلق هل يعٍ من اقترف ذلك الحضيض، موقعه ومسؤوليته، وجسامة تمثيل الأمة والكلام باسمها، وهل يفهم ما معنى الرقابة على الحكومة، وماذا تعني الأغلبية وماذا تعني المعارضة!!!!!
إننا باختصار أمام نخبة الصفر في السياسة وانتهى الكلام!!!!!
لكن لنقم بتمرين بسيط، ولنبح لأنفسنا أمام بشاعة الصورة وسرياليتها، أن نتساءل عن الدافع الممكن والمحتمل لاقتراف تلك المهزلة؟
وباختصار، إننا أمام كائنات ترتعد فرائصها في مواجهة أي فعل فيه “بعض” من الحكامة وربط المسؤولية بالمحاسبة، إنها كائنات تخشى أن تمتد “المحاسبة” وأن تقوم لها قائمة في هذا البلد، لأنها باختصار تقتات وتنمو وتتغول في غيابها، ومهمتها حسب ما أوتيت من فهم، أنها يجب أن تحصن منافعها وتذود عنها من خلال المواقع التي تحتلها بمشيئة من أراد إخراج المشهد بتلك البشاعة.
مرة قال الوزير السابق للعلاقات مع البرلمان، الحبيب شوباني، في جلسة دستورية قولة بلغية، حين صرح “بأن أصول الريع توجد في التشريع”، واليوم يحق لنا ان نقول إن حماة الريع وحراس معبده و مشَرٍّعي الإفلات من المحاسبة يتربعون على البرلمان جملة وتفصيلا. وتلك من بركات 8شتنبر بامتياز.
والسياق السياسي الحالي للمغرب يكشف أننا نعيش هذا الزمن الذي من تجلياته:
سحب قانون تجريم الإثراء غير المشروع
سحب قوانين تتعلق بحكامة تدبير المناجم وأملاك الدولة البحرية
تعطيل عقد مؤتمر المجلس الوطني للصحافة وتجديد هياكله وتهريب اختصاصاته للجنة مؤقتة والسعي لفرض التعيين بدل الانتخاب في خطوة نكوصية لتحجيم التنظيم الذاتي لمهنة الصحافة.
الإيغال في صرف الدعم العمومي بسخاء للكبار وتمتيعهم بالامتيازات ( 10 مليار درهم للفلاحة/ دعم استيراد الأضاحي وحذف رسوم الاستيراد مع الإعفاء من الضريبة على القيمة المضافة…..).
وغيرها كثير من الأمثلة، التي تقول أننا سلمنا زمامنا، لمن لا تهمه إلا مصلحته الخاصة، ولمن عود الأول والأبدي هو  المحاسبة وما له علاقة بالحكامة من قريب أو بعيد، ولله الأمر من قبل ومن بعد.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.