بوزيدان يكتب: المتاهة السياسية في انتخابات إسبانيا التشريعة

محمد بوزيدان


عقب هزيمة الحزب الاشتراكي الإسباني الحاكم في الانتخابات البلدية يوم 28 ماي الماضي، أعلن رئيس الحكومة بيدرو سانشيث عن إجراء انتخابات تشريعية سابقة لأوانها يوم 23 يوليوز 2023. وهي الانتخابات التي وضعت الديموقراطية الإسبانية في مأزق كبير بحيث لم تمنح الأغلبية لأي من الحزبين الرئيسيين، مُشَكّلة خيبة أمل كبيرة لليمين.
فقد حصل الحزب الشعبي اليميني ـ الذي كانت كل التكهنات ترشحه لتحقيق اكتساح كبير ـ على 136 مقعدا فقط والحزب الاشتراكي على 122 مقعدا وكل منهما بعيد عن الأغلبية المطلقة المحددة في 176 مقعدا، علما أن عدد مقاعد البرلمان الإسباني هو 350.
وبذلك دخل مجلس النواب الإسباني الذي سيعين رسميا يوم 17 غشت المقبل في متاهة سياسية. كان اليمين يُمني النفس بحكم البلاد، لكن الحليف الأساسي للحزب الشعبي (حزب بوكس اليميني المتطرف بزعامة أباسكال المعادي للمغرب والذي رفع شعارا في الحملة الانتخابية يقول فيه من أجل مناهضة مغربية سبتة ومليلية) أخلف الموعد وتراجع بشكل كبير مقارنة بانتخابات 2019 ولم يحصل إلا على 33 مقعدا، في إشارة إلى الغضب الشعبي على هذا المكون السياسي الذي يُذَكر الإسبان بالديكتاتور فرانكو الذي حكم إسبانيا بيد من حديد، وقد حصل هذا الحزب على 52 مقعدا في انتخابات 2019 بتراجع يقدر بـ 19 مقعدا.
أما سومار وهو تجمع لأحزاب يسارية والحليف الأكبر للحزب الاشتراكي، والذي أسسته وتتزعمه وزيرة الشغل والاقتصاد الاجتماعي في حكومة سانشيث يولاندا دياث، فقد حقق 31 مقعدا.
يبدو من خلال الأرقام المحصل عليها لكلا الطرفين أنهما لن يحكما إسبانيا بسهولة، فاليمين المكون من الحزب الشعبي وبوكس لديه 169 مقعدا، أما اليسار المتمثل في الحزب الاشتراكي وسومار لديه 153 مقعدا فقط، لذلك يحتاج كل فريق إلى إضافة أصوات أخرى للوصول إلى قصر لاثارثويلا. فما هي السيناريوهات المطروحة لدى كل طرف؟
كتبت جريدة الباييس في نسختها الإلكترونية يوم الأحد 23/07/2023، أن حظوظ الحزب الشعبي للحكم تبقى ضعيفة، على اعتبار أن حليفه الرئيسي (بوكس) غير مرغوب فيه من طرف الأحزاب الوطنية الصغيرة التي يحتاج الحزب الشعبي مقاعدها كي يشكل أغلبيته، لذلك تضيف الباييس، أن الخيار الأفضل له هو التقدم وحيدا للحصول على أغلبية مجلس النواب الإسباني، هذا إذا امتنعت الأحزاب الصغيرة المقربة من اليمين (نافارا، كاتالونيا..) عن التصويت فاسحة المجال لحصول ألبيرتو نونييث فييخو زعيم الحزب الشعبي على الأغلبية، لكن هذه الصيغة ستفرز حكومة ضعيفة سيسهل حجب الثقة عنها والذهاب لانتخابات مبكرة، هذا إن لم تجتمع قوى اليسار مع مكونات سياسية أخرى وتسقطها في عملية التصويت الأولى.
أما اليسار بزعامة الحزب الاشتراكي ورئيس الحكومة الحالي بيدرو سانشيث، فإن استطاع جمع أصوات الأحزاب اليسارية وعلى رأسها (سومارو بيلدو..) وكذلك حزب الانفصالي الكاتالاني كارلوس بوجديمونت “معاً من أجل كاتالونيا” فبإمكانه الاستمرار في حكم البلاد وإلا عليه التوجه لمقاعد المعارضة. تبقى كل هذه الاحتمالات قابلة للتحقق، لكن المؤكد أن إسبانيا ستعاني من اضطرابات سياسية في السنوات المقبلة ناتجة عن ضعف حكومتها.
ـ ما موقع المغرب من كل هذا؟
عرفت الحملة الانتخابية حضورا كبيرا للمغرب، بحيث حاول كل حزب استمالة أصوات الناخبين من خلال الحديث عن الملفين المشتركين: سبتة ومليلية وقضية الصحراء، ففي الوقت الذي حاول فيه زعيم الحزب الشعبي فييخو النأي بنفسه وحزبه عن دعم بيدرو سانشيث للحكم الذاتي في الصحراء، معتبرا أن هذا القرار انفرادي وأضر بمصالح إسبانيا خصوصا مع الجزائر التي سحبت سفيرها من مدريد وعلقت اتفاقية الصداقة الثنائية التي أثرت سلبا على العديد من الشركات الإسبانية، رغم أن حكومة الاشتراكيين هي من استقبلت زعيم جبهة البوليزاريو إبراهيم غالي بهوية مزورة تحت اسم ابن بطوش في شهر ماي 2021 للعلاج، لكن ذلك لم يشفع لها. في حين تشبث بيدرو سانشيث بموقفه في دعم مسعى المغرب للحكم الذاتي في الصحراء معتبرا أن وجود دولة مجهرية سيضر بالمصالح الإسبانية، وأن مدريد ليست وحدها التي تدعمه، بل أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية والمجتمع الدولي أيضا.
أما فيما يخص السؤال الذي يطرح نفسه، هل سيتغير موقف إسبانيا من قضية الصحراء إن وصل اليمين للحكم؟ فيجب التذكير أولا أن رئيس الحكومة الإسباني بيدرو سانشيث كانت له الشجاعة في الخروج بموقف إسبانيا من المنطقة الرمادية والحياد السلبي من قضية الصحراء المغربية إلى الإعلان بشكل واضح أنه مع الحكم الذاتي، وهو المقترح الذي يطرحه المغرب لحل هذه القضية، الأمر الذي جلب على سانشيث وابلا من النقد من زعماء أحزاب اليمين أبرزهم خوسيه ماريا أثنار رئيس الحكومة والزعيم السابق للحزب الشعبي، الذي اتهم سانشيث بالإضرار بمصالح إسبانيا.
لذلك لو تُرك الأمر لفييخو ومعه حزب بوكس اليميني المتطرف لعرف هذا الملف تغيرا راديكاليا، ولتراجعت إسبانيا عن موقفها الداعم للحكم الذاتي، لكن القضايا الكبرى التي تكتسي بُعدا استراتيجيا لا يُترك الحسم فيها للحكومات المتعاقبة، بل هناك الركائز الأساسية للدولة الإسبانية وعلى رأسها المؤسسة الملكية وجهاز المخابرات ومعاهد الدراسات والتفكير التي تحدد مواقف الدولة منها. إضافة إلى المصالح المشتركة بين البلدين وأولها اتفاقية الصيد البحري مع الاتحاد الأوروبي والذي تعتبر إسبانيا على رأس الدول المستفيدة منها وملف المهاجرين والعمالة المغربية، لذلك لا خوف من تغيير موقف إسبانيا، فالكلمة للمصالح أولا وأخيرا.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.