ما بعد “المجزرة الانتخابية لـ 2021”.. هل من حق الإصلاحي الانسحاب من الشأن العام؟
المحجوب لال
وصف أحد السياسيين البارزين في حزب الاستقلال الاجماع الحزبي إلا من قائد الائتلاف الحكومي السابق على تمرير قوانين الانتخابات لعام 2021 بكل أعطابها، بـ “الرموك” الذي لا يستطيع أحد الوقوف في وجهه.
والتعبير دال أن القرار اتُخذ وأن من في الطريق بين خيارين، إما الصعود أو الوقوف جانبا، وأما من رفض وقاوم، فالسحق التام، كالذي وقع لحزب العدالة والتنمية.
غير أن الحزب حاول منذ تلك “المجزرة الانتخابية” إحياء نفسه بنفسه، ومقاومة قوى التحكم والاستبداد، التي أرادت إطفاء ضوء “المصباح” إلى الأبد.
الهزيمة الانتخابية أو السقطة أو النكسة أو ما عداها من مسميات، وإن اختلفت في المعنى وحمولته ومسؤولية الحزب فيه أو مسؤولية جهات وقوى أخرى، إلا أنها تتفق أن السبب لا يمكن أن يكون وحيدا، بل هي أسباب متعددة، منها الذاتي والموضوعي.
هذا السقوط ليس الأول في تاريخ الأحزاب السياسية الوطنية والمنبثقة من رحم الشعب، ولن يكون الأخير، بل هو جزء من سيرورة تاريخية تراكمية، توفر الشروط اللازمة لأجل الوصول إلى وعي جماعي/مجتمعي، والتزام نخبوي/حزبي، بأن نجاتنا هي في القيم السياسية الإيجابية المؤطرة للحياة السياسية، وأن خلاف هذه القيم وتمثلاتها العملية، من رشوة وفساد ومحاباة وتزوير واستغلال للسلطة ومراكمة للثروة بطرق مشبوهة، وشراء للذمم ووعود انتخابية كاذبة، وتدليس اعلامي وتلاعب بالعقول وغيرها، لن تدفع بالدولة والمؤسسات والمجتمع إلا إلى الهاوية.
وفي خضم هذه المحاذير، ينبي الوعي اللازم لدى أبناء التيار الإصلاحي من المدخل السياسي، بأن السقوط أو الهزيمة هي شوكة أو عقبة في الطريق، لكنها أبدا لن تمنع الركب من استكمال المسار، وإن أخرته أو عطلته أو شوشت عليه.
والوعي بهذا والاستمرار في معركة التوعية والنضال من أجل وطن حر وديمقراطي، ومجتمع مكرم وحضاري، ودولة قوية وعادلة، هو أكبر رد مؤلم لأعداء التحرر الجماعي، أولئك الذين يستغلون مواقعهم وقربهم من السلطة لأجل أغراضهم الخاصة وأهدافهم الدنيئة، والتي تتوافق لدى بعضهم مع قوى أجنبية عدوة، لا تريد للبلد صلاحا ولا للوطن رفعة.
وخلاصة القول، أن الاستمرار في النضال والالتزام بقضايا الأمة والوطن، ليس شيئا ثانويا نصرف عليه فائض أوقاتنا واهتمامنا، بل هو أمانة ومسؤولية، ألم يقل النبي الكريم عليه صلوات الله وسلامه: “الدين النصيحة، قلنا لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابة ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم”.
فهذا الحديث لوحده كاف لكل عضو بالحزب، ومهما وقع خلال 2021، أن يستمر في النصيحة لمجتمعه ووطنه، لاسيما وأن التحديات القائمة أمام البلد والأمة بل والإنسانية كلها، تنتظر إجابات من مرجعية الوحي، باعتبار أن الأخيرة قادرة على إنقاذ العالم مما هو فيه، من تيه وتخبط وبُعد عن الفطرة وتسليع الإنسان وتحويله إلى شيء.. إنها معركة حضارية وواجب إنساني وضرورة دينية ومسؤولية تاريخية.