محمد عصام يكتب: حكومة “الحبة والبارود من دار القايد”
بعد سلسلة غير مفهومة وغير مبررة، من رفع أثمنة المحروقات طيلة هذا الشهر، وأثر ذلك على بقية أسعار المنتجات الأخرى وكذلك الخدمات، باعتبار أن سعر المحروقات مكون أساسي من مكونات كلفة إنتاج وتوزيع كل المنتجات بدون استثناء، أعلنت الحكومة أنها ستستأنف صرف الدعم المخصص لمهنيي النقل شهر شتنبر المقبل.
الناطق الرسمي باسم الحكومة كان مزهوا بهذا القرار في الندوة الصحفية التي أعقبت مجلس الحكومة أمس الخميس، حيث لم يكتف فقط بذكر كلفة هذا الدعم في المرحلة السابقة المقدرة في 5 مليار درهم ، بل تعمد ذكر مقابلها بالسنتيم من باب تضخيم الرقم إمعانا في الزهو والافتخار.
لكن الذي لا تنتبه له هذه الحكومة، ولا يمكن لها أن تنتبه له، بحكم تلبسها بتضارب المصالح وهيمنة الرأسمال عليها وعلى مكوناتها، أن هذا الإجراء المتعلق بدعم مهنيي النقل رغم ما تم ضخه فيه من اعتمادات مقدرة، لم يكن له أثر في التحكم في الأسعار وتجنب ارتفاعها، وهو ما تشير له أرقام ومؤشرات مندوبية التخطيط بوضوح تام.
إن أقصى ما تستطيعه هذه الحكومة، هو اللجوء إلى هذه الآلية، أي الدعم كلما اشتد عليها الخناق، دون القدرة للجواب عن سؤال الأثر على حياة المواطنين، فهي غير معنية بذلك، أكثر من هوسها بدعم المقربين منها من ذوي الرأسمال والنفوذ، كما فعلت في قطاع الفلاحة مثلا، بتخصيصها 20 مليار درهم للتصدي لآثار الجفاف عبر دفعتين، سيستفيد منهما بشكل أساسي الكبار بينما لن يصل منهما للفلاح الصغير والفلاحة المعيشية إلا الفتات، ونفس الشيء وقع بالنسبة للماشية، حيث أقرت الحكومة دعما بـــ 500 درهم عن كل رأس غنم مع الإعفاء من رسوم الاستيراد وكذلك من الضريبة على القيمة المضافة، دون أن يكون لكل هذا أثر على ثمن الأضاحي ولا على ثمن اللحوم الحمراء التي عرفت زيادات قياسية بعد عيد الأضحى وهي مرشحة للارتفاع في المقبل من الأيام، في حين أن المواطن ما زال يبحث عن مكان بيع اللحم بـــ 75 درهم للكيلو الذي اشتراه منه الناطق الرسمي باسم الحكومة.
ما سبق يحيلنا للحديث عن طبيعة هذه الحكومة المنتمية للرأسمال والفقيرة لدرجة العدم من الحس الاجتماعي، فهذا النوع من الحكومات أقصى ما تملكه، هو أن تتباهى بالأرقام، التي لا تعني شيئا في الواقع، لغياب الأثر ومحدوديته على حياة المواطنين، بقدر ما يدين ذلك سياسات هذه الحكومات، لأن تلك الأرقام والأموال يتم تدويرها بين ذوي القربى والكبار من الرأسماليين الذين تعتبر الحكومة في المحصلة امتدادا لهم ولنفوذهم وطموحاتهم الطبقية والرأسمالية.
إن حكومات الرأسمال وتضارب المصالح، بقدر فقرها” الاجتماعي”، بقدر سخائها تجاه حاضنتها الرأسمالية، وهذا ما يفسر سخاءها الحاتمي في صرف الدعم للأحباب وذوي القربى السياسية، وعليه إذا عدنا إلى ما صرفته هذه الحكومة من دعم سنجد أرقاما كبيرة، لكن الأثر يكاد يكون صفرا.
من جهة أخرى، هذا العشق المرضي لسياسة “الدعم” والإدمان المكثف عليها، هو من باب الشجرة التي تخفي غابة، فحيثما وُجد الدعم حتما يوجد الريع، خصوصا إذا كان هذا الدعم فئويا ولم تصاحبه آليات الحوكمة والرقابة القبلية والبعدية، وهو الأمر الذي تجلى بوضوح في الدعم المتعلق بالتصدي لأثار الجفاف وكذلك لاستيراد الأضاحي.
وعودة إلى موضوع المحروقات، فالزيادات الأخيرة والمتتالية، جاءت في سياق التحرك المحتشم لمجلس المنافسة، وكأني بالقوم يريدون أن يرسلوا رسالة إلى من يعنيهم الأمر، أنهم فوق المحاسبة وأنهم أقوى من الجميع، وأنهم يستطيعون التحكم في السوق كما يريدون، وأنهم لا يبالون بمؤسسة الرقابة التي يجسدها مجلس المنافسة، وأنهم يريدون تذكير من يعنيه الأمر، بأن قدرتهم وصلت درجة تفجير مجلس المنافسة في نسخة ادريس الكراوي، وأنهم لن يتأخروا لحماية مصالحة في فعل أي شيء كيفما كان.