تتلاحق فضائح تدبير نخب انتخابات 8 شتنبر للجماعات الترابية، إذ لم يمر وقت كبير حتى بدت رائحة الريع وسوء التدبير تنبعث من هنا وهناك، فهذه جماعات يسيرها من قيل إنهم كفاءات يفشلون في االتمرين السنوي العادي والمتعلق بالميزانية، فيعجزون عن تمريرها بحكم الأخطاء والهفوات المرتكبة فيها، وتلك جماعات يغرق مسيروها في الريع والترضيات والتهافت على الامتيازات، وأخرى غارقة في خلافات وحروب داخلية لا تكاد تنتهي، مما يؤثر على الخدمات والتنمية التي ينتظرها المواطنون، والطامة الكبرى أن جماعات أخرى رؤساؤها ومسيروها تلاحقهم يد العدالة ومنهم من أدين بالسجن النافذ.
تمرين “الميزانية” يهزم “الكفاءات”
يعيش مجلس جهة فاس مكناس، وضعا شاذا وغير عادي واستثنائيا لم يشهده من قبل، ويتعلق الأمر بعدم التأشير على ميزانية المجلس لسنة 2023.
وقال إدريس صقلي عدوي والحسين العبادي، المستشاران بمجلس جهة مجلس فاس مكناس عن العدالة والتنمية، في مراسلة موجهة لرئيس مجلس جهة فاس مكناس، يتوفر pjd.ma على نسخة منها، أن “هذه الحالة جعلت من سنة 2023 سنة بيضاء، عجفاء”، مشددان أن هذا الوضع “ساهم في هدر الزمن التنموي بالجهة”.
نفس الأمر وقع بمجلس جماعة فاس، حيث رفضت مصالح الداخلية الممثلة في السيد الوالي للمرة الثانية، اعتماد ميزانية الجماعة بسبب الخروقات التي شابتها.
وهي خروقات تتعلق أساسا بعدم احترام رئيس المجلس للمقتضيات القانونية المؤطرة لإعداد الميزانية وعرضها على المجلس، وأيضا لغياب التوازن ما بين فقرات الميزانية، خاصة فيما يرتبط بالتقديرات المتعلقة بالمداخيل، بحيث لم تكن دقيقة بالشكل المطلوب ووفق المعايير، وعدم إدراج بعض النفقات الإجبارية.
رئيس فريق العدالة والتنمية بمجلس جماعة فاس محمد خيي، قال في تصريح سابق للموقع، إن إرجاع الميزانية إن دل على شيء فإنه يدل على أن المجلس الحالي قاصر وغير ملم بقواعد تدبير شؤون المدينة، الأمر الذي يعطل التنمية وخدمات القرب.
هدر المال العام
ومن بين مظاهر الريع والإنفاق المبالغ فيه، ما قام به مجلس جهة كلميم واد نون، حين أعلن عن صفقة جديدة لتأجير سيارات لمدة طويلة، وذلك لفائدة عدد من المنتخبين والموظفين بمجلس الجهة بمبلغ مالي قدره 131 مليون سنتيم للسنة الواحدة، وهو ما أثار جدلا واسعا في صفوف المتتبعين للمشهد السياسي بالمغرب، الذين يرون أن هذا الإنفاق مبالغ وفيه هدر للمال العام.
وفي هذا الصدد، وجهت المنظمة المغربية لحقوق الإنسان ومحاربة الفساد، مراسلة إلى وزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت، أبدت فيها اعتراضها على الصفقة الجديدة، كما دعت إلى إيقافها، مطالبة برحيل والي الجهة الذي لم يتفاعل بالجدية اللازمة مع مشاكل الساكنة المتضررة تنفيذا للتوجيهات الملكية السامية.
وسبق للمجلس ذاته أن كان موضوع غضب عارم في منصات التواصل الاجتماعين بعد برمجته لمشروع تبييض واجهات الشوارع الرئيسية بمدن الجهة الأربع بمبلغ 10 مليار سنتيم، وبرمجة هدايا عبارة عن دراريع صحراوية وملاحف بأكثر من 90 مليون سنتيم.
وفي نفس السياق، أثار قرار رئيسة مجلس جماعة الرباط أغلالو، كراء 13 سيارة فارهة قصد توزيعها على أعضاء مكتبها، استياء عارما في صفوف المتتبعين للشأن العام الرباطي، خاصة في عز الأزمة الاقتصادية التي يعرفها المغرب مع الارتفاعات الصاروخية لأسعار المواد الاستهلاكية.
في هذا الصدد، عبر فريق العدالة والتنمية بمجلس جماعة الرباط، عن رفضه الشديد لاستغلال ميزانية التسيير لأغراض قد تجانب الصالح العام، وتقع في فخ ما قد يعتبره المواطن الاستفادة من “الوزيعة”.
حروب داخلية..ونيران صديقة
لم يمض على الولاية الجماعية حالية إلا سنتان، حتى انفجرت كثير من الأغلبيات التي تسير بعض الجماعات، حيث فقدت عمدة الرباط أغلبيتها، بعد أن أقدم مستشارون، من أبرزهم، رئيس مقاطعة حسان، إدريس الرازي، وعادل الأتراسي، رئيس مقاطعة السويسي، وصادق أمين، نائب العمدة، وفتيحة المودني، أمينة المجلس ورفيقة العمدة في سفرياتها المتعددة خارج الوطن، ونواب ومستشارون بمجلس المدينة ومختلف المقاطعات المنتمين إلى حزب التجمع الوطني للأحرار، على انتخاب سعيد التونارتي رئيسا لفريق التجمع بمجلس الجماعة والرازي نائبا له، في استنكار للتدبير الفردي في اتخاذ القرارات الذي تعتمده الرئيسة.
وفي وثيقة موقعة من طرف المستشارين، يتوفر الموقع على نسخة منها، أرجع هؤلاء سبب قيامهم بهذا “الانقلاب”، إلى ما اعتبروه تدبيرا انفراديا في اتخاذ القرارات، وإلى غياب التواصل وتهميش منتخبي الحزب، وكذلك عدم التنسيق وتراكم أخطاء الرئيسة، التي يقول عنها الموقعون إنها أضرت بشكل بالغ بصورة الحزب.
كما أن جماعة مكناس ومن بداية الولاية تعاني من تصدع الأغلبية وانفراط مكوناتها، وقريبا من ذلك تشهده جماعة فاس أيضا، كما تشهده جماعات في مختلف جهات المملكة.
متابعات ومحاكمات
وإذا كانت نخب 8 شتنبر عاجزة على تدبير الشأن العام وتبث ذلك بالمؤشرات، فإنها أيضا كانت محط محاكمات واعتقالات في صفوفها بسبب الارتشاء وهدر المال العام وخيانة الأمانة، فمؤخرا أدانت المحكمة الابتدائية الزجرية بعين السبع، محمد الحيداوي، رئيس فريق أولمبيك آسفي والبرلماني عن حزب التجمع الوطني للأحرار، المتابع في حالة اعتقال، بسنة ونصف حبسا نافذا وغرامة قدرها 2000 درهم، وذلك في ملف ما يعرف بتذاكر مونديال قطر.
ومن جهة أخرى، قضت غرفة الجنايات الابتدائية قسم جرائم الأموال بمحكمة الاستئناف بفاس، بإدانة البرلماني عن حزب التجمع الوطني للأحرار رشيد الفايق ومن معه بتهم “الارتشاء وتبديد أموال عمومية واستغلال النفوذ والسلطة”، وذلك يوم الأربعاء 21 دجنبر 2022.
وأدانت المحكمة المتهمين الرئيسيين، رشيد الفايق بـ6 سنوات سجنا نافذة وغرامة بقيمة 1 مليون درهم، فيما حكمت على شقيقه جواد الفايق بـ3 سنوات سجنا نافذة و غرامة قدرها 50 ألف درهم.
كما حكمت المحكمة نفسها على باقي المتهمين المتابعين في حالة اعتقال، من بينهم الموظف بجماعة أولاد الطيب ع.ر بسنة واحدة سجنا منها 9 أشهر نافذة والباقي موقوف التنفيذ وغرامة 15 ألف درهم، وبنفس العقوبة على ع.ك نائب بالجماعة السلالية لجماعة أولاد الطيب (تسليم وثائق إدارية لمن ليس له الحق فيها)..
وبخصوص المتابعين في حالة سراح، أغلبهم مهندسون ومقاولون، قررت المحكمة إدانة سبعة متهمين منهم بـ6 أشهر نافذة وألف درهم غرامة.