في كل سنة ومع اقتراب ذكرى المولد النبوي الشريف يحتدم النقاش حول مشروعية الاحتفال به بين المؤيدين والمعارضين، فمنهم من يراه تجسيدا وتعبيرا عن الفرحة بمولد سيد الخلق، ومنهم من يراه بدعة محدثة لا أصل لها ولا يجوز الاحتفال بها.
عمل جائز
العلامة والفقيه المقاصدي الدكتور أحمد الريسوني حسم هذا الجدل، واعتبر أن مجرد الاحتفال الطوعي الاختياري، ذي الطابع الاجتماعي أو الثقافي بذكرى المولد النبوي، عمل جائز لا غبار عليه ولا مانع منه، ولاسيما إذا كان يحقق تقوية محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في القلوب، وتعظيمه في النفوس، وزيادة معرفته في العقول، واستحضار شخصيته في الأذهان.
فكل هذه المقاصد يبرز الريسوني في جواب على أحد السائلين، مشروعة ومحمودة يمكن القيام بأي عمل نظيف يحققها ويخدمها، مضيفا أن المسلمين اليوم في أمس الحاجة إلى معرفة نبيهم وتذكره وتعظيمه ومعرفة أحواله والتشبع بصفاته وشمائله والاقتداء بها، وهذا ما يجب العمل على تحقيقه في كل مناسبة وبدون مناسبة يقول الريسوني.
وقبل ذلك أوضح الفقيه المقاصدي، أن ذكرى المولد النبوي لم يرد في شأنها شيء من القرآن ولا من السنة، فليس لها في الدين حكم منصوص ولا عمل مخصوص، ولهذا لا يجوز بحسبه، تخصيصها بأي عبادة أو أي عمل تعبدي صرف، كصيام أو صلاة، أو أذكار مخصوصة معينة، وأي شيء من هذا القبيل فهو مجرد بدعة وليس من الدين في شيء.
واستدرك، أن المناسبة تجعل الأمر أيسر وأكثر قبولا وتأثيرا، “فما أجمل وما أعظم أن يصبح شهر ربيع الأول شهرا لرسول الله صلى الله عليه وسلم تدرس فيه سيرته الشريفة وشمائله العطرة وصفاته الجليلة ومنهجه القويم، وذلك من خلال الدروس والمحاضرات والندوات، ومن خلال الشعر والإنشاد وغيرهما من التعبيرات الفنية والأدبية، ومن خلال تنظيم المسابقات الثقافية وأن تتشرف بذلك كله بيوتنا وجمعياتنا ومدارسنا…”.
وتابع ” فما أحوجنا جميعا، وما أحوج شبابنا خاصة، إلى أن تمتلئ نفوسنا معرفة وإعجابا بأعظم وأشرف ولد آدم، بدل أن تمتلئ بكل رديء ودنيء وبكل من هب ودب… وما أحوجنا حتى إلى بث الشعور بالفرحة والبهجة والاعتزاز بنبينا وهادينا، وبانتسابنا إليه وبنعمة الله علينا به وبإيماننا به. والله تعالى يقول (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا) ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو رحمة الله التي أرسلها لعباده (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) وهو القائل عليه السلام (إنما أنا رحمة مهداة) فكيف لا نفرح ولا نبث الفرح والسعادة بفضل الله وبرحمته وبنعمته (وأما بنعمة ربك فحدث)..”.
ارتباط الأمة بالنبي
نفس الأمر ذهب إليه المفكر الإسلامي إدريس الكنبوري، حيث اعتبر أن إحياء ذكرى المولد النبوي الشريف -بعيدا عن المؤيدين والرافضين ومبررات الطرفين- فيه تأكيد على ارتباط الأمة بالنبي صلى الله عليه وسلم وسنته، في هذا العصر الذي صار فيه الهجوم على السنة النبوية مخططا غربيا صليبيا خلق له أذرعا في العالم العربي والإسلامي للطعن في السنة والحديث من مدخل الصحيحين، والمناداة بالقرآن وحده دون سنة.
وأبرز في تدوينة على صحفته بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، أنه في هذا العصر يصبح الاحتفال بالمولد النبوي الذي يعم المسلمين قاطبة رسالة إلى العالم وردا على هذه الحرب التي تريد إماتة السنة، مؤكدا أن الاحتفال بالمولد له قوة رمزية تعكس تحلق المسلمين حول رسالة النبي صلى الله عليه وسلم؛ مستطردا “لكن هذا الموقف لا يتبنى بعض التقاليد التي سادت في هذا الاحتفال؛ وإنما المقصود أن في الذكرى تذكيرا للعالم”.
الخلاف قديم
ومن جانبه، قال الشيخ حسن الشنقيطي، إن الاحتفال بذكرى المولد النبوي مسألة دائرة لدى المجتهدين بين المنع والجواز، فالمانعون يعتبرونها بدعة شرعية، ومحدثةً غيرَ مرضية، ويطالبون بدليل خاص عليها لأنها لم تفعل في القرون المفضلة مستدلين بعموم قوله عليه السلام كل بدعة ضلالة، مبينا أن المُجوّزين يرونها بدعة لغوية حسنة وذكرى وعادة مستحسنة لِاشتمالها في نظرهم على محاسن عديدة ومكارم مصلحية رشيدة ومن أبرزها إظهار شكر الله على نعمة النبوة.
وفي هذا الصدد، استشهد في مقاله المعنون بـ” نازلة الاحتفال بالمولد النبوي، وواجبُ المقلدين، أمام خلاف المجتهدين”، بمجموعة من العلماء المؤيدين للاحتفال بهذه الذكرى من بينهم شيخ الإسلام ابن تيمية، حيث قال في هذا الصدد، إنه بالرغم من أنه يرى الاحتفال بدعة شرعية إلا أنه كان منصفا جدا في هذه النازلة، حيث يرى أن من حسُنَت نيته في ذلك محبةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيما للنبوة يكون له في ذلك أجر حيث يقول في اقتضاء الصراط المستقيم : فتعظيم المولد واتخاذه موسما قد يفعله بعض الناس ويكون له فيه أجر عظيم لحسن قصده وتعظيمه لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
كما استشهد بفتوى الحافظ ابن حجر التي ذكرها تلميذه العلامة السيوطي في كتابه “حسن المقصد في أدب المولد وفي كتابه الحاوي للفتاوي (1/229)”، قال فيه “سئل شيخ الإسلام حافظ العصر أبو الفضل ابن حجر عن عمل المولد، فأجاب بما نصه : أصل عمل المولد بدعة ، لم تنقل عن أحد من السلف الصالح من القرون الثلاثة، ولكنها مع ذلك قد اشتملت على محاسن وضدها، فمن تحرى في عملها المحاسن ، وتجنب ضدها : كان بدعة حسنة..”.
[ After Header ] [ Desktop ]
[ After Header ] [ Desktop ]
رابط المشاركة :
شاهد أيضا