بنيس: هجوم “إسرائيل” وتقتيلها لأهالي غزة ليس شأنا فلسطينيا إسرائيليا بل قضية إنسية تتجاوز الحدود الجغرافية والإقليمية
قال أستاذ علم الاجتماع سعيد بنيس، إن أشكال التضامن مع غزة والاحتجاج ضد الهجمات الإسرائيلية في العالم الغربي، أبانت عن نوع من أنواع التحيز للعنف والإرهاب في مقابل “إنسية غربية متحيزة” تدافع حصريا عن “الضحايا والإنسان الإسرائيلي”.
واعتبر أستاذ علم الاجتماع في مقاله المعنون بـ” فلسطين : من الصراع الثنائي إلى ” الإنسية الغربية المتحيزة”، أن هذا التحول في التعاطي مع ما يجري في غزة تلته عدة تغيرات في الخطاب الإعلامي الغربي، مع بعض الاستثناءات التي أضحت نشازا مقارنة مع الإجماع الغربي على تجريم المقاومة، والترافع على “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها” .
ويتجسد هذا التغيير بحسبه، في تحييد و تغييب مقولات “الوحشية” و”التقتيل” على إسرائيل، وتفريخ تعابير الإرهاب والحيوانية والهمجية على العمليات الميدانية للمقاومة، حيث تم التكريس الإعلامي لنسق أسطورة القاتل بالتسلسل وضحاياه من الإسرائيليين، وكذلك صورة الجلاد والمخرب الذي يقتل الأطفال والنساء والشباب ولا يكترث بإنسانية ضحاياه.
لهذا يبدو بحسبه، أن الغرب أعلن “مساندته العلنية للكشف على هذه الجرائم” مثل فرنسا وألمانيا اللتان منعتا المسيرات المتضامنة مع المدنيين الفلسطينيين تحت ذريعة رفضهما التستر على “الارهاب والوحشية”.
ويرى كاتب المقال أن هذا التوافق والإجماع الغربي على رفض المقاومة الفلسطينية، وتقبل ومباركة الغارات الحربية الإسرائيلية ضد غزة، يمكن اعتباره “حركة إنسية غربية” جديدة ذات طبيعة تحيزية وانتقائية تعاكس في فحواها وفلسفتها الحركة الإنسية التي عرفتها أوربا خلال القرنين 15 و 16 والتي قامت على مقولة تمجيد وإعادة الاعتبار للإنسان.
أما في الوقت الراهن فيعتبر بنيس، أنه يمكن معاينة انبثاق “فكر إنسي غربي اختزالي” يقتصر على عنصر بشري محدد، وهو العنصر الإسرائيلي.
من هذا المنظور فبحسب أستاذ علم الاجتماع بنيس، فجرائم إسرائيل التي تنكشف، من خلال مشاهد أشلاء الجثث و الترويع والقتل والتهجير والتجويع والتخويف و الترهيب والتنكيل بأطفال ونساء وشيوخ ساكنة غزة، التي يقترفها الجيش الإسرائيلي، لا يمكن وصفها بـ”لا إنسانية” بل إنها مع كل “المسافة الموضوعية” و”التجرد المفاهيمي” اللازم همجية، وفي نفس الآن يلبسها الإعلام الغربي لبوس الدفاع المشروع.
وأبرز الأستاذ بنيس، أن هذا التحيز الجلي لغالبية الهيئات والقنوات الرسمية الغربية يعتبر نوعا من أنواع الالتفاف على “لا إنسية” الهجوم الإسرائيلي على غزة وتشجيعها على خلق ثقافة جديدة يصنف فيها الإنسان بحسب الرهانات والتحديات الجيوسياسية وكصنف محدث من التراتبية في الإنسانية.
ويمكن تفسير هذا التناقض والتراتبية في الإنسية، بحسبه، من خلال استقراء ردود الفعل الرسمية المؤسساتية الغربية عبر مستويين مختلفين، مستوى خطابي ينم على انفصام لغوي (سكيزوكلوسييا)، يعمد لغة التضامن والمساندة والعاطفة اللامشروطة لإسرائيل ضد المقاومة الفلسطينية، في مقابل نسق دلالي محتشم وحذر لا يتعدى سقف “القلق” من جرائم الجيش الإسرائيلي، والتي تصنف في خانة “الدفاع عن النفس”.
وبموازاة هذه الردود، فقد لاحظ كاتب المقال، تزايد مستوى دبلوماسي يهدف إلى قطع الطريق على الفلسطينيين للمطالبة بدولتهم وحقوقهم الترابية عبر خلق لوبيات قوية ومرافعات مهيمنة تستمد مضامينها من أساطير الضحية التاريخية، الهدف منها تأثيث المنتديات والمحافل الدولية بفضاء من العداء لكل ما هو فلسطيني.
وعليه وانطلاقا مما سبق، اعتبر بنيس، أن هجوم إسرائيل وتقتيلها لأهالي غزة ليس فقط شأنا فلسطينيا إسرائيليا يمكن حصره في صراع ثنائي، بل هو أساسا قضية إنسية تضرب في عمق إنسانية الإنسان، و تتجاوز الحدود الجغرافية والإقليمية وتتصل بماهية و طبيعة الإنسان وتحيل مباشرة على خلل كوني يسائل نبل وفلسفة الفكر الغربي في ظل المشاهد المتكررة للعنف الإجرامي الإسرائيلي ضد الأطفال والنساء والرضع.