مؤشرات عديدة تدل أن اسرائيل تتخبط، أولها انكسار سقف الأهداف المعلنة، فالقضاء النهائي على المقاومة يبدو أنه صار عصيا على الجيش الذي يوصف بأنه لا يقهر، والوضع الميداني على الأرض حيث يتم الحسم العسكري يشهد اقتتالا عنيفا تتكبد فيه اسرائيل خسائر مهمة، ولذلك يمارس تعويضا على هذا الفشل الأرضي بالقصف الجوي العشوائي مما يؤدي الى ارتفاع في عدد الضحايا المدنيين (أطفال،نساء).
أما الهدف المركزي الثاني المتعلق بتحرير الأسرى بالقوة فشبه مستحيل، وتطرح بشأنه تساؤلات محرجة للقيادة الاسرائلية من طرف عائلاتهم، فقد ظهرت في البداية رغبة في القفز على الأمر بالتفريط فيهم، فالقصف العشوائي والشبه الشامل كان يبيت نية التحرر من ثقلهم لكن ذلك لم يتحقق، وحُشر نتنياهو في الزاوية،وضاعف الاحتجاج و ذكاء المقاومة في تسويق أبعاد إنسانية في التعامل مع الأسرى في إظهار عجز حكومة نتنياهو.
راهن الاحتلال الاسرائيلي في بداية انطلاق طوفان الأقصى على الإعلام لتثبيت سرديته المبنية على تقنية البتر والوصل، إذ يتعمد إلغاء الخط الزمني السابق لطوفان الأقصى ويبئر على نقطة الهجوم ويصلها بالآتي. ولتحقيق ذلك يلجأ إلى عزل (الواقعة/الهجوم) عن أسبابه، فيعمد الإعلام إلى تخدير البصيرة وصرفها عن النظر في المرآة الخلفية، فينسى المتلقي الاحتلال والمستوطنات والاعتداءات في المسجد الاقصى، والقتل اليومي للصحفيين والمواطنين بالضفة و القدس…..،وتجييش المستوطنين وتسليحهم، كل ذلك يتم مسحه. ليقدم طوفان الأقصى كنوبة جنون همجي لا مبرر لها. و يتم تبرير الفعل البربري القادم والمنعوث برد الفعل. إنها تقنية عزل الحدث والنظر إليه كبنية لا كسيرورة. غير أن عملية التزوير واختلاق أحداث بشعة تنسب للمقاومة أدت إلى انكشاف الكذب والتلاعب بالرأي العام بل حتى بالرأي الرسمي، وهو ما كشفه بايدن حين قال إنه قدمت له معطيات غير صحيحة.
ومما زاد الأمر جلاء للرأي العام ظهور الفاعلين الرسميين للكيان في المنابر الدولية بالعنجهية والتعالي، وتمزيق تقرير لجنة حقوق الإنسان و الاستهانة بالتصويت في الجمعية العامة لصالح وقف إطلاق النار بالتخفي وراء الحماية الامريكية.
لقد جرت اسرائيل داعميها إلى حالة صدام داخلي مع شعوبها، بل وأدى ذلك الى استقالة مسؤولين دوليين، ثم إلى قطع دول مثل الشيلي وبوليفيا لعلاقتهما، وألغت عمان السماح للطائرات الاسرائلية بالتحليق في أجوائها، واستدعت الأردن سفيرها احتجاجا.كل ذلك يبين إخفاق الآلة الإعلامية المضللة لإسرائيل، وانكشاف الوجه البشع لاحتلال استيطاني يتوسل بالقوة للاستمرار في الهيمنة.
وكرس التصريح الغبي لوزير الدفاع الاسرائيلي الذي نزع فيه صفة الآدمية عن الفلسطينيين من عنصرية الكيان وهمجيته. كل ما سلف يؤكد فشل إسرائيل في تحقيق أهدافها و انبعاث قضية الشعب الفلسطيني من جديد، بعدما كاد يطويها النسيان بسبب أوهام السلام التي هرولت وراءها جماعة أوسلو. لكن الجديد و الخطير هو بروز خطاب جديد تسوقه الإدارة الامريكية يمني بأفق جديد بعدما أقروا باستحالة وقوع تهجير (نكبة) جديدة، وصورة المشهد كما يقدمها بايدن، تتمثل في حل الدولتين واستبعاد حماس من الشأن التدبيري نهائيا وتقوم برعاية ذلك أمريكا مع جيران إسرائيل من العرب المطبعين. محاولة أخرى للهروب إلى الأمام و إفشال جسارة المقاومة ورغبتها في الحرية والانعتاق.إنها محاولة للالتفاف على مكاسب المقاومة وإهدارها لصالح مسلسل جديد من الاستدراج والتغرير. ترى هل ستساهم الأنظمة المجاورة في رمي طوق النجاة للكيان لإنقاذه من الطوفان،هل ستضحي بأمنها الاستراتيجي لتمديد عمر كيان توسعي عنصري يهدد وجودها؟
كل المعطيات تتجه نحو حقيقة وهي أن إسرائيل تعيش عزلة سياسية بمقياس القيم التي تنتصر لها الشعوب، و تتمترس خلف قيمة مادية واحدة هي القوة العمياء المفصولة عن أي قيمة أخلاقية إنسانية. و القوة حين تصير طليقة بلا فرامل تؤدي إلى تدمير صاحبها. لأن دماء الأبرياء وحقوق الشعوب التواقة للحرية تنتصر في النهاية.