محمد الكبيري يكتب: الانحياز لــ “المقاومة”: موقف مبدئي… وسلوك عملي

محمد الكبيري


يوم الجمعة10 جمادى الأولى 1445 هـ. موافق 24/11/2023م، دخلت الهدنة المؤقتة بين حماس وباقي فصائل المقاومة والاحتلال الصهيوني حيز التنفيذ، وهو ما يعد إنجازا هاما للمقاومة الفلسطينية يراكم ما تحقق في ملحمة طوفان الأقصى المباركة يوم 7 أكتوبر 2023م، حيث أن الهدنة تعد اختراقا مهما للتصعيد الإسرائيلي، وثمرة سياسية لأمرين أساسيين:
• أولهما ثبات المقاومة الفلسطينية وصمودها في مواجهة جيش العدو الصهيوني بمشاركة أمريكية وغربية غير مسبوقة، ورغم ذلك فقد فشل فشلا ذريعا في تحقيق أي إنجاز عسكري على الأرض خلال 6 أسابيع من الحرب.
• وثانيهما الضغوط الداخلية والخارجية على حكومة نتنياهو التي اضطر معها للقبول على مضض بصفقة التبادل والهدنة.
هذه الهدنة تعد أيضا انتكاسة كبيرة للخطاب الصهيوني الممعن في استدعاء مصطلحات الإبادة، والمقتبس من نصوص التوراة المحرفة التي تدعو إلى إبادة “العماليق”، حيث كان خطاب زعماء الحلف الصهيوأمريكي يتحدث عن حرب طويلة الأمد، والتي لن تتوقف إلا بالقضاء التام على حماس وإجلاء الفلسطينيين من غزة، واسترجاع المختطفين.
ولذلك يجمع أغلب المحللين على أن اتفاق الهدنة يعد انتصارا للمقاومة، وخاصة لحركة المقاومة الإسلامية حماس، التي تتحدث اليوم عن الخسائر العسكرية غير المسبوقة التي أوقعتها في صفوف جيش الاحتلال، وآلياته ودباباته، في حين يتساءل الجميع هل يمكن للنازية الصهيونية أن تتحدث عن إنجازاتها العسكرية؟ حول حرب الإبادة التي نفذتها في حق المدنيين في غزة واستهداف المستشفيات وأماكن العباد ومؤسسات الأمم المتحدة والتي خلفت أزيد من 13 ألف شهيد جلهم من الأطفال والنساء.
ما يهمني في هذا المقال ليس الاستمرار في التحليل السياسي للمعركة وأبعادها العسكرية، بل الأهم في نظري ما يعنينا نحن باعتبارنا ننحاز لخيار المقاومة، وتصدع حناجرنا بذلك في التظاهرات والوقفات والمسيرات. فماذا يعني الانحياز للمقاومة كموقف مبدئي؟ وسلوك عملي؟
في البداية لا بد من الإشارة إلى أن المقاومة كمفهوم إنساني، وحق مشروع، معروف في القوانين الدولية، والأعراف الإنسانية، وهي تمثل في مفهومها العام، ردة فعل مجتمعية واعية، ضد واقع مرفوض، سواء كان احتلالا أو لمواجهة استبداد، أو استعباد أو ظلم أو تمييز أو ….الخ.
و من ثم فإن الانحياز للمقاومة هو اختيار مبدئي، ينطلق من حق إنساني طبيعي وشرعي للأفراد والجماعات والدول في الدفاع عن أنفسهم، وهو مبدأ وحق كوني ثابت بأن لجميع الشعوب الحق في الحرية التامة وتقرير المصير، ومقاومة الاستعمار والاحتلال، وعلى سبيل المثال، فان مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، هي حق مشروع، يستند إلى مبدأ حق استرجاع الأرض المغتصبة، بل إن مبدأ الانحياز للمقاومة هو نوع من الدفاع عن كل ما هو نبيل وجميل.
وهذا الانحياز ينطلق من الفرد المؤمن بعدالة القضية التي ينحاز إليها، و من ثم تتحول المقاومة في مسار حياته من مجرد موقف نظري يعبر عنه بالكلام والشعارات، إلى سلوك عملي يتجسد في تصرفاته ومن ذلك ما يلي:
1. الانحياز للمقاومة استقامة و ثبات فردي: فالمناضل المنحاز للمقاومة مستقيم في فكره وسلوكه، وفي سائر شؤون حياته، إنها امتثال فردي لقول الحق تبارك و تعالى: { فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ . وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ } (سورة هود: 112 ـ 113)
إن المقاومة المطلوبة تبدأ من الفرد و تدفعه إلى لزوم العدل و الصدق… والابتعاد عن أضداد ذلك، إنها مقاومة للطغيان في النفس، و إصرار على تقديم القدوة في الصلاح الفردي، و الابتعاد عن التناقض بين القول والفعل، وانتهاء عن الانتصار لحق الآخرين والوقوع في الخذلان للنفس.
2. الانحياز للمقاومة هو انخراط فاعل في المشاريع المقاومة الإصلاحية:
الانحياز للمقاومة من معانيه أيضا مقاومة الفتور والتراخي وانخراط فاعل في المشاريع الإصلاحية الهادفة التي يكون هدفها تقليل مظاهر الفساد في المجتمع، وتكثير عوامل الصلاح والإصلاح في المجتمع، ومن تم فإن مقاومة الفساد وإضعافه وإغلاق منافذه الحد منه، من شأنه أن يسهم في تحقيق التنمية المنشودة، والرفع من مستوى عيش المواطنين.
فمن المقاومة التي تتطلب سلوكا عمليا مثلا ، الانخراط الإيجابي في التدافع المجتمعي الحاصل على مستوى الهوية والقيم، حيث يسعى البعض من خدام الأجندات الدولية، فرض وسن قوانين وافدة، بعيدة عن المرجعية و القيم الجامعة للشعب المغربي، و المنصوص عليها في الدستور. ومن المقاومة أيضا الاشتغال بالعمل السياسي النافع الذي يسعى إلى إنتاج مؤسسات قوية، تبحث عن الحلول الناجعة التي من شأنها تحسين حياة المواطنين، ومناهضة المشاريع السياسية لأصحاب الريع والجمع بين الثروة والسلطة، حيث نذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر معاناة المواطنين مع ارتفاع الأسعار، وارتفاع البطالة التي وصلت إلى أزيد من 13%، و كذلك الاحتقان الخطير الذي يعرفه قطاع التعليم….
3. الانحياز للمقامة هو انتصار دائم لقضايا الوطن و الأمة:
فالتعريف بقضايا الوطن والأمة … هو مقاومة، وتنظيم وحضور الوقفات والمسيرات المنددة بالعدوان الصهيوني … هو مقاومة، وأداء الواجب وخدمة الوطن والدفاع عن حوزته بما يتاح من وسائل… هو مقاومة، وامتلاك أخلاق المواطنة الصالحة والسلوك المدني هو مقاومة، ونصرة المظلومين، والمعذبين في الأرض هو مقاومة، وتربية الأجيال على صدق الانتماء للوطن والأمة … هو مقاومة، والكتابة الواعية والشعر الموجه… مقاومة….
فالانحياز للمقاومة هو نضال مستمر في الحياة، لأن ثقافة المقاومة هي ثقافة معاكسة ومضادة، لثقافة الهيمنة والاستعباد وانتهاك حقوق الإنسان وحريات الشعوب، بمعنى أنها ثقافة الحريات والعدالة وكرامة الإنسان والأوطان، وقضية وجودية ترتبط بكينونة الإنسان المقاوم، وبمدى معرفته الواعية للذات وللتحديات التي تواجهه، وبامتلاكه لرؤية تتناسب مع أهداف هذه المقاومة، واليقين بجدواها. وهي أيضاً، حالة تربوية أخلافية نفسية، لا يكفي في فعلها الهدف النضالي، وإنما لا بد أن يحكمها نظام قيمي وطني وإنساني، وأكيد أن هذه المعاني لن يفهمها من سلب صدق الانتماء للأمة والوطن، من دعاة ” كلنا إسرائيليون” فهم منحازون حتى وإن لم ينتبهوا لمشاريع اعتماد العنف الأعمى. .. وانتهاك حرمة النفس البشرية، والإفساد في الأرض، وتخريب العمران وتفتيت الأوطان…
بهذه الأبعاد يكون لمفهوم المقاومة لدينا، من الحضور في الوعي والخطاب والوجدان والثقافة، وصولاً إلى الممارسة والدور، ما ليس لغيره من المفاهيم ذات الصلة.
و تتحول المقاومة من مجرد ردة فعل عاطفية على بشاعة الصور المنقولة إلينا إلى مشروع قيمي أخلاقي إنساني ديني إسلامي.
فالمقاومة والنضال الحقيقي ليس ادعاء فارغا، ولا مزايدات في لحظة يكثر فيها الكلام، فتتسلل الوساوس للنفوس توحي لها بإثبات الذات وتسجيل نقاط في سيرة ذاتية مليئة بالتناقضات، والانتماء لحقل” نضالي” مليء بمبادئ مزيفة ونيات مبيتة لدغدغة مشاعر الناس، و كلمات جوفاء من قبيل المصالح سرعان ما تتلاشى ويتم التراجع عن تلك اللغة والمواقف الثورية حينما تحضر لغة المصالح والتواطؤ على غنائم الصيف التي تجري تحت الطاولة، فمثل هذه السلوكات هي التي تربي الناس على استباحة الكذب والخداع والنفاق والتذلل وإماتة النفس مع فقدان الثقة في كل شيء.
المقاومة مبدأ مستمر في العطاء العملي و السلوك اليومي … وبهذا يتحقق التحرير الشامل للإنسان والأوطان.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.