عبد اللطيف الحاميل: حكومة بدون أغلبية
جمع راشيد الطالبي العلمي، رئيس مجلس النواب، رؤساء ومنسقي الفرق والمجوعات البرلمانية بداية هذا الأسبوع لكي يتلو عليهم مضامين رسالة وجهها له رئيس الحكومة عزيز أخنوش يشكر من خلالها السيدات والسادة النواب على جودة النقاش بمناسبة مناقشة مشروع قانون المالية لسنة 2024.
إذا كان هناك من شيء يجمع عليه الكل، بما فيهم أولئك الذين يدافعون عن هذه الحكومة، فهو تدني الخطاب السياسي في هذه الولاية، و انكماش المؤسسة التشريعية وتراجع القضايا الكبرى التي شكلت محور اهتمام الفاعلين السياسيين على اختلاف مرجعياتهم على مدى الـ 70 سنة الماضية لصالح خطاب تقنوي تحول مع البرلمان إلى مجلس للبكاء على المصالح الفئوية الضيقة.
ولكي يعرف المغاربة إلى أين وصلت الأمور، فإن الجلسة العامة المخصصة للدراسة والتصويت على مشروع قانون المالية لسنة 2024 بمجلس النواب عرفت تغيبا ملحوظا للسيدات والسادة النواب، حيث صوت لصالح الجزء الأول من مشروع القانون المالي 180 برلمانيا فقط من أصل 270 المشكلين للأغلبية. هذا عن الغياب في الجلسة العامة أما الغياب عن الميزانيات الفرعية في اللجان الدائمة فحدث ولا حرج.
وبالإضافة إلى ما سبق، فإن أزمة النظام الأساسي كشفت بالفعل أن الحكومة بدون أغلبية برلمانية. فوزير التربية الوطنية شكيب بنموسى ترك وحيدا في مواجهة الإضرابات غير المسبوقة في قطاع التعليم رغم أنه محسوب على حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي غاب عن النقاش العمومي حول هذا النظام، واكتفت الأغلبية، التي بدت ضعيفة جدا أمام المعارضة، بانتداب رئيس فريق آخر بمجلس النواب ملاحق أمام محكمة جرائم الأموال ليقوم بهذه المهمة.
وإذا كان هذا هو حال الأغلبية البرلمانية، فإن الحكومة ليست بأفضل حال. فالكل بات مقتنعا بخدعة “حكومة الكفاءات” بسبب تدني مستوى عدد من الوزراء الذين أصبحوا مكبرات صوت للبيروقراطية الإدارية. وبدأ الناس يتحسرون على الأيام التي كان فيها الوزراء يملؤون المشهد السياسي ويتواصلون معهم بشكل مباشر طيلة العشر سنوات الماضية.
ولا أدل على ذلك أكثر من المظهر الباهت جدا، الذي ظهرت به نادية فتاح علوي وزيرة الاقتصاد والمالية، التي أطلقت العنان للسانها بمناسبة تقديم مشروع قانون المالية الأول في عهد حكومة 8 شتنبر، ووصفت التجربتين السابقتين اللتين شارك فيهما “حزبها” بـ”السنوات العجاف”.
فالوزيرة الزرقاء (على تعبير المغاربة) بدأت واقعية جدا هذه السنة، بل إنها اكتفت بمتابعة “النقاش” حول قانون المالية من موقع المتفرج. وكل من تابع المناقشة العامة لمواد مشروع القانون المالي بمجلس المستشارين، لاحظ كيف جلست السيدة الوزيرة لساعات طويلة دون أن تنبس ببنت شفة، حتى بات الاقتناع أنها هي الوزيرة المنتدبة لدى فوزي لقجع وليس العكس.
لسنا سعداء بقول هذا الكلام لأنه يضر ببلادنا وبمؤسساتنا ويعيدنا إلى مرحلة ما قبل دستور 2011، لكنها الحقيقة التي يرفض البعض رؤيتها رغم أنها واضحة وضوح الشمس. أملنا أن يحمل التعديل الحكومي المنتظر مسؤولين أكفاء يتمثلون حجم المسؤوليات الملقاة على عاتقهم في انتظار تصحيح هذا الوضع في الانتخابات التشريعية والجماعية المقبلة.